بالرغم من إخفاقات المشروع الأمريكى فى المنطقة إلا أنه يحقق بعض أهدافه الرئيسية وأهمها تصفية محور «المقاومة» أو على الأقل توجيهه بعيداً عن إسرائيل ، ولعل نقل سوريا تماماً إلى المحور الغربى وإلهاء حركات المقاومة على رأسها حزب الله وحماس بصراعات مذهبية وأيديولوجية موجهة داخل الدول العربية وانتقال حماس لتصبح تحت إرادة وتوجيه المحور الغربى فلا توظفها إيران فى الضغط على إسرائيل، هو مجمل تصور الولاياتالمتحدة لأهداف استراتيجيتها الحالية فى المنطقة . بعد الإعلان الرسمى من ممثل الحكومة المصرية والرجل الأول فى مؤسستها الأمنية والموثق باعترافات مرتكبى الجريمة عن ضلوعها فى التخطيط والتدريب والإعداد لاغتيال النائب العام المصرى السابق المستشار هشام بركات فحماس الآن فى مفترق طرق ومهددة بأن تلحق بحزب الله الذى فقد بريقه ككيان مقاوم لإسرائيل - رغم كل التحفظات على تبعيته لإيران - بعد أن وجه نشاطه للصراعات المذهبية داخل البلاد العربية ليفقد شعبيته وقيمة حضوره بعد أن كان حتى عام 2006م فى الوجدان العربى حزباً مقاوماً وكياناً عربياً مناضلاً بصرف النظر عن غطائه المذهبى، وكذلك حماس تفقد هذا البريق وتلك الشعبية عندما تنقل نشاطها من مواجهة الكيان الصهيونى إلى صراعات داخل البلاد العربية لحساب تنظيمات أيدلوجية ، ولا يمكن قراءة هذه الأحداث بعيداً عن التطبيع التركى الإسرائيلى عندما تكشف صحيفة «حرييت» التركية عن أن وزير الخارجية التركى سيعلن قريباً فى بيان مشترك عن «إنهاء الأزمة مع إسرائيل » ، وإنهاؤها يتطلب نفوذاً متزايداً لتركيا فى غزة وتطبيعاً كاملاً بين الدولتين ، لتنتقل حماس كلياً من أداة ضغط فى يد إيران إلى أداة موجهة لخدمة المصالح التركية ومطامحها داخل الدول العربية ، وهو ما انعكس على مسار عملية الاغتيال التى كانت ضمن مخطط شامل للفوضى والإنهاك ؛ حيث كان التخطيط والتمويل من تركيا والإعداد والتدريب فى غزة والتنفيذ فى مصر، بعد أن صار هدف «المقاومة» سنية وشيعية الضرب فى الداخل العربى وليس داخل الكيان الصهيونى . انتهى الحلف السنى الشيعى المقاوم بقيادة إيران وبشراكة حماس وحزب الله ، بعد الاتفاق النووى وبعد خروج حماس من الحلف وتورط حزب الله فى الحرب السورية لحساب توازنات إقليمية ومصالح طائفية خلف المشروع الإيرانى التوسعى، وكشفت هذه التطورات زيف استغلال «مشروع المقاومة» وتوظيف القضية الفلسطينية كتقية لاختطاف العقل العربى بزعم مناصرة القضية الفلسطينية ، بينما الهدف الحقيقى خدمة المشروع المذهبى التوسعى ، لتواصل تركيا مع حماس والإخوان نفس المسلسل الردئ بتصدير خطابات وشعارات براقة حول خدمة القضية الفلسطينية ونصرة الشعب الفلسطينى، وما هى إلا خديعة لخدمة مشروع تركيا الامبراطورى وتوظيف حماس والإخوان لاستهداف الداخل العربى.. لا الإسرائيلى ، بعد أن صارت إسرائيل هى الصديق الذى يسعون للتطبيع معه ، بينما صارت مصر والدول العربية هى العدو الذى يتآمرون عليه ويحرضون ضده . حزب الله ساق مبررات لانخراطه فى القتال الطائفى خلف مصالح إيران ومشروعها فى سوريا وفى المنطقة وقام بتجنيد شباب شيعة من العراقولبنان وباكستان والخليج وأفغانستان، ومنها أنه يقاتل فى سوريا دفاعاً عن «محور المقاومة»، زاعماً أنه يخشى من الانقلاب على المشروع المقاوم الذى يجمعه مع النظام السورى ؛ يقول زعيم الحزب حسن نصرالله : إن حزب الله لا يمكن أن يكون فى جبهة توجد فيها أمريكا وإسرائيل والتكفيريون، إن سوريا هى ظهير المقاومة وسندها، وإن المقاومة لا تستطيع أن تقف مكتوفة الأيدى إزاء كسر ظهرها ، إذا سقطت سوريا فى يد الأمريكى والإسرائيلى والتكفيرى وأدوات أمريكا فى المنطقة فستحاصر المقاومة وستدخل إسرائيل إلى لبنان لتفرض شروطها وتحيى أهدافها من جديد ، وستقبل شعوب منطقتنا على عصر قاس ومظلم. ولذا فرغم ما سببه قتال حزب الله فى سوريا من كوارث ورغم أن ما قام به يخدم فى الأساس الأهداف الإستراتيجية الأمريكية على المدى البعيد ويفكك مشروع المقاومة الذى يتغنى به نصر الله ويرفع الغطاء العربى عنه ويشعل الفتنة المذهبية، إلا أنه فى النهاية حصل على مبرر «خطابى» يتوارى خلفه ، فماذا إذن عن حماس؟ وكيف ستحصل على مبرر وهى ترهن نفسها للحلف الغربى ، وتقدم نفسها كأداة فى مشروع أيديولوجى توسعى يستهدف الدول العربية ومؤسساتها وعلى رأسها مصر ؟ غادرت حماس محور إيران وفضت ارتباطها بالنظام السورى ووقعت على اتفاق الدوحة للمصالحة مع حركة فتح فى فبراير، وبذلك فقدت إيران ورقة ضغط على إسرائيل وعلى القوى الإقليمية كانت تساوم بها وتدعم موقفها فى مواجهة رافضى مشروعها النووي، وهذا يبدو ظاهرياً جيدا حتى لا ترتهن حركات المقاومة بمشاريع ومصالح قوى إقليمية ، لكن إذا أكملنا الجملة حتى آخرها عندما تصبح حماس مرتهنة بالكامل لدى تركيا ومشروعها الأيديولوجى التوسعى مع التطبيع التركى الإسرائيلى والعداء لمصر ومحاولات الحصول على امتيازات تضمن حرية الوصول والتحرك فى غزة؛ فإننا أمام ترجمة حرفية للمشروع الصهيو أمريكى الذى خطط من البداية لتفكيك محور المقاومة ، ودفع الإسلاميين للوصول إلى الحكم واستغلال قلة خبرتهم وحاجتهم للدعم لاستمرارهم فى السلطة ليسهل توجيههم لخدمة المصالح الغربية وتقديم المزيد من التنازلات فى اتجاه تقويض وتفريغ المقاومة ضد إسرائيل وإضفاء الشرعية الشعبية على الحضور الأمريكى وتأمين المصالح الغربية فى المنطقة . لمزيد من مقالات هشام النجار