عندما تسود الدنيا أمام عينيك، تتطلع إلى أى نقطة ضوء فى نهاية النفق. عندما تجد نفسك محاطا بقوى الإحباط واليأس تستنجد بأى بارقة أمل. كم يكون رائعا أن تجد بدلا من نقطة الضوء الواحدة عددا من العلامات المضيئة. تتعجب لماذا نخجل من نشر الأمل والبشرى رغم أننا نخوض حرب وجود، يستخدم فيها ضدنا سلاح الإرهاب، وسلاح المياه، وسلاح التركيع الاقتصادي، وسلاح تفكيك الجبهة الداخلية. لم أتمالك دموعى وأنا أقرأ كلمات أحد الأصدقاء الذى تباعدت أخباره ولقاءاته مع بقية المجموعة خلال العامين الأخيرين، بسبب استغراقه فى العمل. الصديق يعمل مهندسا. نعرف أن عمله بالصحراء خارج القاهرة، ولكننا لم ننشغل مرة بالسؤال عن تفاصيل المشروع الذى يعمل به. صديقنا كتب الكلمات التالية: إهداء إلى حفيدتى ياسمينا فى عيد ميلادها الأول. الريف المصرى الجديد فى الفرافرة حقيقة وليس فوتو شوب. بسواعد شباب مصر يجرى الانتهاء من تشييد محطة توليد الكهرباء من الطاقة الشمسية، وتم توصيل الكابلات وأبراج الكهرباء. بسواعد شباب مصر يجرى تشطيب محطات مياه الشرب والرى من المياه الجوفية. بسواعد شباب مصر جار الانتهاء من شبكات ومحطات رفع ومعالجه مياه الصرف الصحي. بسواعد شباب مصر جار الانتهاء من تشطيب المنازل الريفية فى ثلاث قرى كاملة بكل الخدمات التعليمية والصحية والاجتماعية والرياضية والدينية. بسواعد شباب مصر تمت زراعة عشرة آلاف فدان بالقمح ارتفعت سنابله مثل سارية العلم فى صحراء الفرافرة. إنها ملحمة حقيقية فى ظروف عمل بالغة القسوة، قام بإنجازها شباب مصر وفى وقت قياسي. وأفتخر وأنا فى الستين من عمرى أننى شاركت مع أبنائى الشباب فى تحويل المستحيل الى حقيقة فى صحراء الفرافرة. لوحة بديعة ترسمها كلمات فخورة تعرف قيمة العمل، وقيمة الإنجاز وتحدى الصعاب. طبعا تتعجب وأتعجب معك لماذا لا نعرف شيئا عما تم ويتم انجازه فى واحة الفرافرة؟ هل كان لا بد أن ننتظر الصدفة وخطاب أحد الأصدقاء لحفيدته كى نعرف ونفخر ونفرح؟ تتعجب وأتعجب معك لماذا يتم التعتيم على المشروعات الجارى تنفيذها لتعمير سيناء؟ هل كان لا بد أن ننتظر مداخلة من رئيس الجمهورية فى أحد البرامج التليفزيونية كى نعرف حجم المشروعات الاقتصادية والعمرانية التى بدأ تنفيذها بالفعل فى سيناء؟ عشنا عمرنا كله نتطلع إلى تنمية وتعمير سيناء كجزء أساسى من إستراتيجية الأمن القومى والدفاع عن حدودنا الشرقية. الآن صرنا نعرف أن العمل يجرى لإنشاء أربعة أنفاق تربط سيناء بمنطقة غرب القناة، وأن هناك مشروعات بدأت بالفعل لإقامة تجمعات بدوية تشمل مساكن وأراضى زراعية تخصص لها آبار مياه ويتم شق الطرق بآلاف الكيلومترات للربط بينها، وأنه تم بالفعل الانتهاء من20 ألف وحدة سكنية فى مدينة الإسماعيلية الجديدة و 2000 وحدة سكنية فى العريش ضمن خطة للتعمير فى شمال وجنوب سيناء، وأنه تم إحياء مشروع مزرعة الأمل بالإسماعيلية بنحو 3 آلاف فدان والانتهاء من 600 حوض لزراعة الأسماك ضمن مشروع 25 ألف فدان مزارع سمكية شرق قناة السويس، وأنه تم إنشاء مجمعات للرخام تابعة لشركة يملكها شباب سيناء بالاشتراك مع جهاز خدمات القوات المسلحة.. عندما نعرف كل ذلك نستعيد مشاعر الاعتزاز بالنفس وبالقدرة على البناء والصمود حتى فى ظل أحلك الظروف وأصعب التحديات. نتعجب لماذا لا يتم الكشف عن تلك الإنجازات رغم حاجتنا للفرحة وتلهفنا على ترياق الأمل وسط حصار الواقع الصعب. عندما تكون فى حالة حرب تحتاج إلى تماسك الجبهة الداخلية لتكون حائط صد أمام كل محاولات الطابور الخامس لهدم الدولة من الداخل. لا يعقل أن تترك الجبهة الداخلية نهبا لمن يريد استغلال مشاعر الإحباط واليأس من تحسن الأوضاع وتحقيق حلم الحياة الكريمة. فالواضح أنه كما أن هناك أيادى تنهمك فى البناء، هناك أياد مهمتها إهالة التراب لتعمى العيون وتختنق الصدور وتسود الدنيا من حولنا. بيانات الجهاز المركزى للتعبئة العامة والإحصاء تقول إن أسعار العديد من السلع الغذائية قد ارتفعت خلال شهر فبراير الماضى بنسب تتراوح بين 5% و 8%، وأن فواتير استهلاك المياه قد ارتفعت بنحو 20.5%. ارتفاع تكاليف المعيشة صار يهدد القاعدة العريضة من الأسر المصرية. ومع ذلك ففى هذا التوقيت بالتحديد يتم التراجع المتتالى أمام ضغوط كبار المستوردين وكبار رجال الأعمال لتخفيض قيمة الجنيه المصري، كى يتم صب المزيد من الزيت على النار وتزداد الأسعار اشتعالا، والحياة صعوبة. وفى هذا التوقيت بالتحديد يتم تخفيض سعر الغاز لمشروعات حديد التسليح الخاصة، بحجة أنها ستقوم باستيراد خام الحديد وتصنيعه، فى حين لا تحرك الدولة ساكنا لتشغيل مصانع حلوان للحديد والصلب، والتى تقوم على تصنيع خام الحديد المصرى المستخرج من مناجمنا دون حاجة للاستيراد. يتم التضحية بجزء من الموارد التى تحتاجها الموازنة العامة من أجل عيون احتكارات حديد التسليح، فى الوقت الذى يتم فيه رفع فواتير استهلاك المياه والكهرباء للمواطنين بحجة مواجهة عجز الموازنة. ولمزيد من الإحباط يعلن وزير الاستثمار أن الخزانة العامة ستحصل على توزيع ثان لفوائض أرباح المشروعات العامة، أى أنه سيتم تجريد المشروعات العامة من أى أرباح محتجزة تمكنها من الاستمرار فى الإنتاج و التوسع وتحديث أو حتى صيانة المعدات. فعلا.. يد تبني.. ويد تهيل التراب! لمزيد من مقالات د. سلوى العنترى