سعر سبيكة الذهب اليوم الأحد 25-5-2025 بعد الارتفاع الكبير.. «بكام سبائك ال5 جرام؟»    مي عبد الحميد: تنفيذ أكثر من 54 ألف وحدة إسكان أخضر.. ونستهدف خفض الطاقة والانبعاثات    أسعار الحديد والأسمنت اليوم الأحد 25-5-2025.. كم بلغ سعر طن حديد عز؟    شهيد ومصابون ومفقودون فى قصف جوى على منزل بمنطقة جباليا    نموذج امتحان الاستاتيكا الصف الثالث الثانوي الأزهري 2025 بنظام البوكليت    خبير اللوائح: أزمة القمة ستسمر في المحكمة الرياضية الدولية    القبض على 3 شباب ألقوا صديقهم في بيارة صرف صحي ب15 مايو    الكشف الطبي على 570 مواطنًا خلال اليوم الأول للقافلة الطبية    مستشفى دمياط التخصصي: حالة الطفلة ريتال في تحسن ملحوظ    نجاح أول جراحة «ليزاروف» في مستشفى اليوم الواحد برأس البر    جريمة على كوبري البغدادي.. مقتل شاب على يد صديقه بالأقصر    قانون العمل الجديد من أجل الاستدامة| مؤتمر عمالي يرسم ملامح المستقبل بمصر.. اليوم    نائب إندونيسي يشيد بالتقدم الروسي في محطات الطاقة النووية وتقنيات الطاقة المتجددة    عقب تحليق مسيّرات قرب المبنى الرئاسي.. 7 إصابات جراء انفجار في العاصمة الأوكرانية كييف    بعد فيديو اعتداء طفل المرور على زميله بالمقطم.. قرارات عاجلة للنيابة    هل يتنازل "مستقبل وطن" عن الأغلبية لصالح "الجبهة الوطنية" في البرلمان المقبل؟.. الخولي يجيب    قطع المياه عن هذه المناطق بالقاهرة لمدة 8 ساعات.. تعرف على التفاصيل    استشهاد 5 فلسطينيين فى غارة للاحتلال على دير البلح    «بطلوا تبصولي في القرشين».. عمرو أديب: زميلنا جو روجان بياخد 250 مليون دولار في السنة    إلغوا مكالمات التسويق العقاري.. عمرو أديب لمسؤولي تنظيم الاتصالات:«انتو مش علشان تخدوا قرشين تنكدوا علينا» (فيديو)    ياسمين رضا تترك بصمتها في مهرجان كان بإطلالات عالمية.. صور    هل يجوز شراء الأضحية بالتقسيط.. دار الإفتاء توضح    الجيش الإيراني يؤكد التزامه بحماية وحدة أراضي البلاد وأمنها    رئيس الكونغو الديمقراطية السابق يواجه محاكمة    برعاية مصرية.. «النواب العموم العرب» تطلق برنامجها التدريبي من مدينة الغردقة    "إكس" تعود للعمل بعد انقطاعات في الخدمة امتدت لساعات    المخرج الإيراني جعفر بناهي يحصد السعفة الذهبية.. القائمة الكاملة لجوائز مهرجان كان    «هذه فلسفة إطلالاتي».. ياسمين صبري تكشف سر أناقتها في مهرجان كان (فيديو)    قساوسة ويهود في منزل الشيخ محمد رفعت (3)    النائب حسام الخولي: تقسيم الدوائر الانتخابية تستهدف التمثيل العادل للسكان    "دفاع الشيوخ": قانون الانتخابات يرسخ مبادئ الجمهورية الجديدة بتمثيل كافة فئات المجتمع    "العربية للسياحة" تكشف تفاصيل اختيار العلمين الجديدة عاصمة المصايف العربية    زيلينسكي: المرحلة الثالثة من تبادل أسرى الحرب ستُنفذ الأحد    "القومي للمرأة" يهنئ وزيرة البيئة لاختيارها أمينة تنفيذية لإتفاقية الأمم المتحدة لمكافحة التصحر    «أضرارها تفوق السجائر العادية».. وزارة الصحة تحذر من استخدام «الأيكوس»    موجة حر شديدة تضرب القاهرة الكبرى.. انفراجة مرتقبة منتصف الأسبوع    الصديق الخائن، أمن الأقصر يكشف تفاصيل مقتل سائق تريلا لسرقة 6000 جنيه    «الداخلية» تكشف تفاصيل حادث انفجار المنيا: أنبوبة بوتاجاز السبب    رحلة "سفاح المعمورة".. 4 سنوات من جرائم قتل موكليه وزوجته حتى المحاكمة    «أحدهما مثل الصحف».. بيسيرو يكشف عن الفارق بين الأهلي والزمالك    ميدو: الزمالك يمر بمرحلة تاريخية.. وسنعيد هيكلة قطاع كرة القدم    بيسيرو: رحيلي عن الزمالك لم يكن لأسباب فنية    "بعد إعلان رحيله".. مودريتش يكشف موقفه من المشاركة في كأس العالم للأندية مع ريال مدريد    بعد غياب 8 مواسم.. موعد أول مباراة لمحمود تريزيجيه مع الأهلي    حلم السداسية مستمر.. باريس سان جيرمان بطل كأس فرنسا    نسرين طافش بإطلالة صيفية وجوري بكر جريئة.. لقطات نجوم الفن خلال 24 ساعة    استقرار مادي وفرص للسفر.. حظ برج القوس اليوم 25 مايو    ميلان يختتم موسمه بفوز ثمين على مونزا بثنائية نظيفة في الدوري الإيطالي    وأنفقوا في سبيل الله.. معانٍ رائعة للآية الكريمة يوضحها أ.د. سلامة داود رئيس جامعة الأزهر    رمضان عبد المعز: التقوى هي سر السعادة.. وبالصبر والتقوى تُلين الحديد    نائب رئيس الوزراء الأسبق: العدالة لا تعني استخدام «مسطرة واحدة» مع كل حالات الإيجار القديم    «أباظة» يكرم رئيس حزب الجبهة الوطنية في ختام مؤتمر الشرقية| فيديو    زلزالان خلال 10 أيام.. هل دخلت مصر حزام الخطر؟ أستاذ جيولوجيا يجيب (فيديو)    ناجي الشهابي: الانتخابات البرلمانية المقبلة عرس انتخابي ديمقراطي    للحفاظ على كفاءته ومظهره العام.. خطوات بسيطة لتنظيف البوتجاز بأقل تكلفة    اغتنم فضلها العظيم.. أفضل الأدعية والأعمال في عشر ذي الحجة ويوم عرفة 2025    رئيس «برلمانية التجمع»: وافقنا على قانون الانتخابات لضيق الوقت ولكن نتمسك بالنظام النسبي    فتاوى الحج.. ما حكم استعمال المحرم للكريمات أثناء الإحرام؟    







شكرا على الإبلاغ!
سيتم حجب هذه الصورة تلقائيا عندما يتم الإبلاغ عنها من طرف عدة أشخاص.



55 عاما من الاستقلال والنمو والتطور الذى يطاول السحاب
الكويت .. درة الديمقراطية والثقافة والفن فى الخليج
نشر في الأهرام اليومي يوم 24 - 02 - 2016

هى منبت الأحرار .. التِبر في برها، والدُّر في بحرها، والحب في صدرها نبع من الأعطار.. هكذا تغنت كوكب الشرق أم كلثوم تصف درة الخليج العربي «الكويت»، التي تجمع بين جمال البحر وإشراقة الصحراء، منطلقة في مسيرتها في الحفاظ على تراث الأجداد، هي بوصف الشعراء والمؤرخين تاج الخليج ودرته ولؤلؤته، نوره وابتسامته وضياؤه، وهى ضحكة الشراع المنساب على أمواجه.
إنها الآن سيدة جميلة، تبلغ من عمر الاستقلال 55 عاما، تجلس في خيلاء وفي دعة وبهاء تحتفل بيوم استقلالها «25 فبراير1961» وسط كرنفالات من البهجة والموسيقى، وروعة الإنجاز في الديمقراطية والثقافة والفن والحياة، بينما تنسدل ضفائرها ليلامس شعرها مياه الخليج في حنو بالغ، وبذات الزخم القديم تبقى حلقة وصل بين تراث الأجداد بنقائه وفطرته الآسرة، أولئك الذين بنوا مجدا تليدا فوق الرمال الساخنة، لتظل الكويت برونقها المبهر واحة أمن وآمان تحمي مستقبل الأحفاد المحفوف بكثير من الأشواك في دروب الحياة المسخنة بالجراح.
إذن هو قدر الكويت التي تضرب بجذورها الأصيلة في عمق التاريخ العربي، حيث يعود الوجود البشري فيها إلى أكثر من أربعة آلاف سنة - كما تشير بقايا الآثار التي عثر عليها في المنطقة - ويرجع ذلك إلى كون تلك الدولة تتمتع بموقع متميز جعلها حلقة وصل برية وبحرية بين مختلف أجزاء العالم القديم، ما مكنها من التحكم في الممر الآمن إلى تلك الحضارات، وجعل الطيب يفوح منها فيملأ سهول الخليج وجزره وصحاريه ووديانه على مر السنين والأيام، ولقد عرفت «الكويت» في أوائل القرن السابع عشر الميلادي باسم «كاظمة» وكان ميناؤها محطة للقوافل القادمة من بلاد فارس وما بين النهرين إلى شرقي الجزيرة العربية وداخلها، وكانت الرابط التجاري بين بلدان الشرق كله، حيث عرفت باسم «القرين» ثم تحور اسمها إلى «الكويت»، والتي عرفت أيضا ب «الحصن الصغير»، أما عن لفظ «الكويت» نفسه فهو تصغير «كوت»، وتطلق على البيت المربع المبني كالحصن والقلعة وغيرها، وتبنى حوله بيوت صغيرة بالنسبة إليه، ويكون هذا البيت بمثابة فرصة للسفن والبواخر ترسو عنده لتتزود منه بما ينقصها من الوقود والزاد، ولا تُطلق إلا على ما يُبنى بالقرب من الماء.
اختلف الكتاب والمؤرخون حول تاريخ نشأة الكويت، ولكن التاريخ المرجح هو عام 1716م ، حينما بدأ توافد مجموعة من الأسر والقبائل إلى هذه المنطقة، وكان لبنى «خالد» السلطة والنفوذ في حماية المنطقة وأهاليها إلى أن ضعفت قوتهم فيما بعد بسبب تقاتل أبنائهم على الحكم، وبحسب تضاريس الجغرافيا: تقع دولة الكويت في الطرف الشمالي الشرقي من شبه الجزيرة العربية، يحدها شرقا الخليج العربي، وشمالا العراق ، ومن الجهتين الغربية والجنوبية المملكة العربية السعودية، وعلى الرغم من أن مساحتها لا تزيد على 818ر17 كيلو متر مربع، ويتكون سطحها من سهول رملية منبسطة وتلال قليلة متفرقة، إلا أنها استطاعت أن تتحدى وعورة تلك التضاريس لتصبح النور والأنوار التي يملأ ضياؤها بلادا لم يصلها من قبل ضياء الحرية والديمقرطية والعيش الرغيد، بفضل رجاحة عقل سكانها وحكمتهم التي جعلت منها أنهارا للخير الوفير الذي يعطي غيرهم بلا حدود.
ويبقى اللافت في شأن الكويت، أنها على صغر مساحتها جغرافيا، ظلت كسفينة عربية تسير فوق الموج الهادر بخطى ثابتة، رغم تقلبات الطقس السياسيى الملبد بغيوم الإرهاب والغضب، بفضل القيادة الرشيدة لأميرها «الشيخ صباح الأحمد الصباح» بحنكته ودهائه المعتمد على خبرة السنين، مغلف بطابع الإنسانية الذي يعطي فيجزل العطاء، ومن ثم فهو يمضي بها من مؤامرات كانت تحاك لها في الظلام في أمان، رغم الأمواج العاتية التي عصفت من قبل بدول وممالك كانت تطاول السحاب يوما في دهور سابقة.
مسيرة الديمقراطية
وللكويت تاريخ عريق وقديم مشهود بالمشاركة السياسية ، فكانت أول شعب خليجي انتخب مجلسا تشريعيا عام 1938م، وكتب دستورا واختار أعضاءه لتمثيل الشعب، وقد سارعت الكويت عقب استقلالها عام 1961م، إلى إرساء قواعد الحكم المؤسسي، وتحويل الكويت من مجتمع قبلي بسيط إلى مجتمع الدولة بنظام سياسي متكامل، ذو سلطات تشريعية وتنفيذية وقضائية، بالإضافة إلى اعتمادها أول دستور في منطقة الجزيرة العربية، وتأسيسها لمجلس الأمة الكويتي كصرح ديمقراطي وضع الكويت على خريطة الدول الديمقراطية الحديثة في المنطقة العربية بأثرها، ولقد وضع هذا الدستور الضوابط لضمان المشاركة الشعبية الواسعة في أمور الحكم والرقابة على السلطة التنفيذية، وضمان الحريات السياسية للمواطنين، وحدد الأدوار والمهام بما يكفل التوازن بين السلطات الثلاث التشريعية والتنفيذية والقضائية .
نجح مجلس الأمة عبر فصوله التشريعية التي اتسمت طوال الوقت بسخونة الأحداث والقضايا، في أن يكون الأداة الديمقراطية التي أتاحت للجميع الفرصة للتعبير والمشاركة في صنع القرارات، بل إنه يمكن القول بأنه نجح كمؤسسة تشريعية حقيقية أفرزت للمجتمع الكويتي المؤسسات والآليات السياسية التي أسهمت في رحلة التطور التي شهدتها الكويت.
والحقيقة التي يؤكدها كثير من الخبراء والمحللين، إن للكويت سجلا حافلا بالمشاركة السياسية، ومن ثم على المفكرين وعلماء السياسة النظر إلى تلك التجربة الكويتية الناضجة، وتقويمها من المنطلق العربي الإسلامي وليس من المنطلق الغربي الذي يضع معايير وشروطا محددة للممارسة الديمقراطية، بل يجب تقويمها حسب المعايير والأسس العادلة، آخذين بعين الاعتبار الأبعاد الاجتماعية والحضارية والسياسية والدينية، حتى يأتي التقييم موضوعيا ومنطقيا .
والمتأمل للمشهد الديمقراطي في الكويت سوف يلحظ أنه قد تعاقب من تولوا سيادة الحكم على مر الزمان على الالتزام بأسلوب الحوار والتفاهم والشورى كمنهج لاستقرار الحكم وصلاحيته، وتجسد هذا التلاحم خاصة إبان الاحتلال العراقي للكويت عندما عبر الكويتيون جميعا في مؤتمر حدة في أكتوبر 1990 بأنهم يقفون خلف قيادتهم الشرعية. لقد كان ذلك أشبه بالتصويت الجماعي من الكويتيين لاستمرار حكم أسرة آل الصباح وهذا تأكيد واضح للشرعية.
التاريخ الحي يؤكد أن روح الممارسة الديمقراطية بدأت في هذا البلد الصغير منذ عام 1752م ، عندما وافق المجتمع في تلك الفترة على تنصيب آل الصباح حكاما على الكويت، عن طريق ما عرف بالإجماع والشورى، فحكم العائلة الحاكمة أتى عن طريق ديمقراطي أشبه بما يعرف بالانتخابات، حيث وافقت الأغلبية من سكان الكويت على من سيحكم هذا المجتمع الصغير البسيط، وهكذا حصل الكويتيون على ما أرادوا دون أن يفرض عليهم حكم، وكان هذا البناء الأول لتأهيل الديمقراطية في المجتمع الكويتي الصغير، ولعل أهم ما يميز روح الممارسة الديمقراطية الكويتية تلك هو استمرارية روح العطاء حتى في أشد حالات التوتر والأزمات التي مرت بها الكويت كدولة ونظام.
صباح الأول
لقد اختير «صباح بن جابر» المعروف ب «صباح الأول» حاكما وفق الطريقة العربية العشائرية من قبل أهل الكويت لتصريف شئون المدينة، والفصل فيما قد يقع بين سكانها من خلافات نظرا لحاجة الناس إلى قيادة يرجعون إليها في تصريف أمورهم حيث اتسعت نشاطاتهم في البر والبحر، ولقد أدرك الكويتيون عقب موجات الهجرة الكبيرة من خارج الكويت وجوب المحافظة على كيانهم ووطنهم، وكان لاختيارهم لأسرة الصباح في هذا الوقت كحكام للكويت أهميته الكبرى، إذا أنه مع هجرة القبائل والأسر وتحويل التجارة إلى الكويت نتيجة استيلاء الفرس على البصرة عام 1775م تطورت الكويت من قرية صغيرة إلى مدينة نشيطة ومرفأ تجاري يربط الشرق والغرب.
ولقد أدى عدم استقرار الأوضاع في العراق وبلاد فارس في ذلك الوقت العصيب إلى ايجاد فراغ تجاري وسياسي، وكان من نتائجه بروز الكويت كميناء حيوي، ومع تطور الحياة في الكويت ظهرت الحاجة الماسة لقيادة تمتلك الشرعية والقدرة على تأمين الحماية للمجتمع ومصالحه وتمثيله لدى الجهات والمجتمعات التي تحيط به، وأصبح لآل الصباح الرئاسة بعد مبايعة الكويتيين، لما رأوا فيهم من حب الخير واتباعا للحق وغدا الحكم في هذه الأسرة يتوارثه الأرشد الأكبر منهم إلى هذا اليوم.
ومن هنا يجب أن نفهم التجربة الديمقراطية الكويتية على أنها ديمقراطية نابعة من عقيدة الشعب الكويتي المسلم وتاريخه وبيئته الخاصة، وقد تآزرت هذه العوامل على قيام صيغة من الممارسة الديمقراطية نابعة من تجربة هذا الوطن التي تتنوع فيها الآراء والتوجهات، وتمارس حريات التعبير في ظل مناخ من الحرية والود والتسامح والشورى وسيادة القانون.
عوامل الاستقرار
تشير دراسة حول «تاريخ الكويت وأثره في ترسيخ الديمقراطية» إلى أن المجتمع الكويتي اعتمد على أنشطة اقتصادية مرتبطة بالبحر، رسخت بدورها مهنا تدور فى فلكها السفر وبناء السفن وتملكها وتجارة اللؤلؤ وغيرها، وكان النشاط الرئيس هو الغوص على اللؤلؤ، وكانت الفئة التي تمتلك هذا النشاط هي الفئات المبادرة بالمطالبة بالإصلاح السياسي والاقتصادي، حيث كانت أقدر الفئات على تقديم الدعم المالي للحاكم ونظامه السياسي من أجل قيامه بالدور المطلوب منه، بالإضافة إلى ذلك نجد أن الطبيعة التجارية لمجتمع الكويت قد خلقت توازنات سياسية واجتماعية، ووضعت قيودا على احتمالات الاستبداد بالسلطة، فبعض التجار كانوا أكثر ثراء من الحكام أنفسهم، ولذلك كانوا يشكلون فئة لها القدرة على التأثير، وكان الحاكم حريصا على استشارتهم وهنا نجد أن (آل الصباح ) قد مارسوا السلطة والحكم ليس عن طريق فرض القوة وبسط النفوذ ولكن بالترشيح والمبايعة، ولم يكن مصدر قوتهم وتميزهم في الثراء هو أساس الاختيار بل كان لقدرتهم الإدارية والدبلوماسية الدور الاكبر في مبايعتهم حكاما للبلاد.
ولأن الإمارة كانت تواجه بعض المخاطر والتحديات الخارجية سواء من قبل بعض القبائل العربية أو من قبل الدولة العثمانية فقد دفعت المخاطر المستمرة الكويت الى توقيع معاهدة حماية مع بريطانيا عام 1899م تحقق مصالحها وتحميها من الأطماع الخارجية واستطاعت دولة الكويت أن تتميز بطابعها الخاص عن سائر بلدان الخليج، وظلت تلك المعاهدة قائمة حتى نالت الكويت استقلالها في 19 يونيو عام 1961م.
النداء بالاستقلال
جراء حالة الاستقرار التي عاشتها الكويت، ونتيجة حالة الانسجام التام بين حكامها وشعبها اجتمعت مجموعة من العوامل والاعتبارات المحلية والإقليمية والدولية التي دفعت بالكويت إلى الإسراع في استكمال خطوات استقلالها الفعلي، فعلى المستوى المحلى، ارتفعت الدعاوى الوطنية المطالبة باستقلال الكويت وإنهاء الحماية البريطانية، وعلى الصعيد الإقليمي أثرت الحركة القومية العربية ومطالبتها للدول العربية بضرورة التمرد والاستقلال وإنهاء العلاقات الخاصة بالدول الاستعمارية على الوضع في الكويت ، فضلا عن تلك الرغبة الكويتية المتأصلة من أجل مزيد من العلاقات العميقة مع كل الدول والأقطار العربية وإلى المشاركة في أنشطة من العلاقات العميقة مع مختلف الدول والأقطار العربية ، وكذا المشاركة في أنشطة مختلفة خاصة بجامعة الدول العربية للتمهيد تدريجيا إلى اكتساب عضويتها، أما في المجال الدولي فقد تدهور الوضع الدولي الخاص لبريطانيا، فلم تعد منذ نهاية الحرب العالمية الثانية الإمبراطورية التي لا تغيب عنها الشمس وتقهقر مركزها في سلم توازن القوى العالمي ، لذا لم تعد بريطانيا قادرة على الحفاظ على وضعها الخاص في الكويت ، فدخلت دول أخرى في حالة الصراع على المنطقة وثروتها في مقدمتها الولايات المتحدة الأمريكية والاتحاد السوفيتي ، ومن ثم جاءت المحصلة النهائية لتفاعل جميع الاعتبارات سالفة الذكر في واقعة استقلال الكويت وانتهاء الحماية البريطانية عليها ، وتمثلت الواقعة في تبادل أمير الكويت آنذاك الشيخ «عبد الله السالم الصباح» والمندوب السامي البريطاني ، نيابة عن حكومة صاحبة الجلالة السير «ويليام لوسي» مذكرتين تاريخيتين شديدتى الأهمية نتج عنهما مباشرة إلغاء اتفاقية عام 1899م وإعلان استقلال الكويت التام في 19 يونيو 1961م، وفي 21 يونيو من نفس العام بدأت الكويت على الفور ممارسة سيادتها ، فطلبت الانضمام إلى كل من جامعة الدول العربية والأمم المتحدة.
الطريق للجامعة
ولانه عادة ما تأتي الرياح بما لا تشتهي السفن التي برع الكويتيون في صنعها وترويض موج البحر لقلاعها، وعلى الرغم من تأييد الدول العربية الخطوة التي خطتها الكويت ومباركتها إلا أن اللواء عبد الكريم قاسم حاكم العراق - آنذاك - اتخذ موقفا مختلفا فلقد أرسل برقية تهنئة إلى أمير دولة، عمد فيها إلى إثارة الأطماع العراقية في الكويت دون الإشارة إلى استقلال الكويت، مما أدى إلى تفجر الوضع في المنطقة بعد تصعيد الأحداث سريعا أثره عقد اللواء قاسم لمؤتمر صحفي أعلن فيه رسميا في 25 يونيو 1961م ضم الكويت باعتبارها مقاطعة تابعة للبصرة.
وعلى أثر رد فعل التهديد العراقي قامت بريطانيا بالضغط على حاكم الكويت لاستخدام الفقرة الرابعة من اتفاقية الصداقة الكويتية البريطانية والتي تنص على تحمل بريطانيا حاكم الكويت مسئولية مساعدة الكويت إذا ما طلبت الكويت تلك المساعدة، وعلى مضض وافق الحاكم بعد تردد على استخدام الفقرة الرابعة ، فتقدم بطلب مساعدة من بريطانيا استناد إلى أنباء عن تحركات عسكرية عراقية، وقام الجنود البريطانيون بالتمركز قرب الحدود الكويتية العراقية ، في الأول من يوليو 1961م.
مرت الأحداث سريعا رغم وعورة الطريق وأصبحت الكويت بعد أشهر قليلة عضوا كاملا في جامعة الدول العربية بصرف النظر عن معارضة العراق الحاجة لانضمام الكويت للجامعة، وكان أن توصلت جامعة الدول العربية إلى تشكيل قوة عربية حلت محل القوات البريطانية المرابطة في الصحراء الكويتية، حيث أقامت الكويت بتغطية مصاريف هذه القوة العربية.
ويبدو أن تعكر تلك الأجواء قد أثر إلى حد ما على هذا النجاح الذي حققته الكويت على الصعيد الدبلوماسي العربي، حيث لم يقابله نجاح مماثل على الصعيد الدولي، حين فشلت محاولات عديدة قامت بها الكويت للانضمام إلى عضوية هيئة الأمم المتحدة بسبب الفيتو السوفيتي الذي كان العائق الرئيسى أمام انضمام الكويت للهيئة الدولية ، وقد كان الاتحاد السوفيتي يستخدم الفيتو في هذه الحالة نظرا لارتباطه الوثيق بالحكومة العراقية.
واعتمادا على صبر الملاح الكويتي القديم، استطاعت الكويت الانضمام للأمم المتحدة عام 1963م بعد الإطاحة بحكم عبد الكريم قاسم، فكان أن تم قبول الكويت كعضو عامل في الأمم المتحدة كما تم تبادل العلاقات الدبلوماسية الكاملة مع العراق ، وكذلك مع الاتحاد السوفيتي ودول أوروبا الشرقية.
الحركة الثقافية
منذ فجر الاستقلال، والكويت تسير بخطى حثيثة نحو النهضة و التنمية الشاملة لبناء الإنسان الكويتي و تحقيق الرفاهية و العيش الكريم له تحت القيادة الرشيدة لآل الصباح الكرام .. حكام الكويت، وبحكم الموقع والموضع, وما تتميز به أوضاعها الداخلية وحركتها الاجتماعية والسياسية نتيجة نموها السكاني وصلاتها الخارجية, فقد انعكس ذلك كله على بعض الاتجاهات السياسية والخصائص النفسية للانسان الكويتي، ومنذ مطلع القرن العشرين تحديدا اعتمدت الكويت على زخم التيارات الثقافية والأدبية المتدفقة الى المجتمع الكويتي من خارجه وتنشيط العوامل الساكنة بداخله، والتي أبدعت بدورها في تأسيس الصروح الثقافية والعلمية الكويتية آنذاك، ولقد أدركت الكويت أهمية الأدب والثقافة ودورهما في تطور الشعوب والأوطان منذ قرن مضى في عهد المغفور له «الشيخ مبارك الصباح» حينما بدأت الحركة الأدبية والثقافية بالكويت على أسس سليمة، فأنتجت ثقافة منفردة وأدبا مبنيا على خصائصه الكويتية الخليجية ومرتبطا بنبضه العربي، كما يؤكد الكاتب اللبناني «حسن صبره» في قوله: « الكويت درة العرب رائدة في الثقافة وأجيال العرب من المحيط الى الخليج تكون وجدانها من إصدارات الكويت، التي جعلت بواب العمارة قارئا لنتاج مطابع الكويت كما صاحب العمارة والمثقف والمتعلم والفقير والغني».
ولعل بداية نبض حركة الفكر بالكويت كانت بظهور الشاعر والأديب «عبدالجليل الطبطبائي» في نهاية القرن التاسع عشر، والذي ترك أثرا بارزا في الحياة الفكرية الكويتية، وأكمل تلامذته من بعده مشواره، وفي مقدمتهم الراحل «عبدالعزيز الرشيد» الذي أسهمت أعماله في تأكيد صورة الكويت زاخرة بالفكر والحيوية في العالمين العربي والإسلامي، ونشطت الحركة الادبية والثقافية الكويتية في فترة ما قبل الاستقلال وبعد تأسيس المكتبة الاهلية والنادي الأدبي وذلك من خلال جهود بعض الشباب الكويتي الذين كانوا على اتصال دائم بالمجالات الأدبية في الوطن العربي انذاك.
ومن أبرز الشخصيات التي ساهمت في نشاط الحركة الأدبية «خالد محمد الفرج وحجي بن قاسم وسليمان العدساني ويوسف بن عيسى القناعي وعبدالعزيز الرشيد وعيسى القطامي» وذلك بحسب ما أورده كتاب «الحركة الأدبية والفكرية في الكويت»، وانقسمت الحركة الأدبية في الكويت حينها تقسيما تقليديا يبدأ ويتوقف عند أحداث سياسية محلية وعالمية كبرى وكان من ثلاث مراحل تطور فيها الأدب.
وتعتبر المرحلة الأولى للحركة الأدبية أطول المراحل الثلاث وبدأت مع تأسيس الإمارة وانتهت بإعلان الحرب العالمية الاولى وكانت مرحلة جمود وركود للأدب والفكر بسبب انتشار الأمية وعدم الاستقرار.
أما المرحلة الثانية فقد عرفت الندوات في النوادي الأدبية وانتشار المكتبات العامة والخاصة والنوادي المهنية كما بدأ العرب يفدون الى الكويت ويخالطون أدباءها.
وتميزت المرحلة الثالثة بانتشار دور العلم على مستوياتها وأنواعها وكذلك انتشار الصحف العربية والمحلية بين أبناء الكويت كما ذكر في كتاب الحركة الأدبية والفكرية في الكويت للدكتور محمد حسن عبدالله.
وكان الأدب في تلك المراحل التي سبقت ظهور النفط تقليديا تحكمه الأفكار الاجتماعية والدينية المتوارثة وكانت هموم الأدباء والمفكرين محدودة بعالمهم الصغير في الكويت الى ان بدأ يتطور الادب ويتجه الى الحداثة بعد ظهور النفط اثر توسع الدولة في إنشاء المدارس وابتعاث الشباب إلى مختلف الدول في بعثات علمية فضلا عن تعدد الصحف التي دعمتها الدولة ماديا ومعنويا.
الحركة الفنية
إذا ألقينا نظرة سريعة بعين الطائر إلى تطور الفعل الدرامي في الكويت باعتبارها رائدة هذا الفن الخليجي بلامنازع، نلاحظ أن هذا يرجع في المقام الأول إلى تطور الحركة المسرحية في الكويت، والتي كانت ومازالت من النشاطات الثقافية البارزة، التي صاحبت المتغيرات الاجتماعية الحديثة، وقد توافقت إيقاعاتها هبوطا وصعودا انسجاما مع واقع تلك المتغيرات فلا نجافي الحقيقة إذا جعلنا النشاط المسرحي في الكويت من أبرز أنواع النشاط الفني فيها وأكثرها امتيازا.
وهكذا أخذت الحركة المسرحية الطابع الرسمي، وذلك بعد استدعاء دائرة الشؤون الاجتماعية والعمل، الراحل المصري العظيم « زكي طليمات « لتطوير الحركة المسرحية في الكويت، وقد عمل بجهد صادق لإبراز النواحي المسرحية في الكويت ووضع تقريرا مفصلا، محاولا ترسيخ المفاهيم الجديدة في البيئة لتقبل الفن المسرحي مع الإقناع بأنه ليس خرقا للتقاليد والعادات، وكانت مهمة طليمات تتمركز حول إنشاء فرقة للتمثيل العربي، لذا قام في 10 /10/ 1961م بالتعاون مع وزارة الشئون بتكوين فرقة المسرح العربي كنواة للمسرح الكويتي الحديث، لتبدأ مرحلة جديدة من تاريخ المسرح وتكونت فرقة «المسرح العربي» نتيجة لاختبار عملي وليست بتلقائية الزمالة في المدرسة أو فريق الكشافة، إذ أعلنت الوزارة بيانا من الإذاعة وبواسطة الصحافة تطلب مشاركة من يرى في نفسه القدرة والرغبة، فتقدم 250 رجلا تم اختيار أربعين كويتيا من بينهم، يعتبرون نواة المسرح وانضمت لأول مرة فتاتان كويتيتان (مريم الغضبان ومريم الصالح) وقد ضمت الفرقة إلى هذا العدد من الكويتيين والكويتيات خمسة عشر عضوا من أبناء الأقطار العربية وممثلتين مصريتين.
ومن بعدها تأُسست فرقة المسرح الشعبي، وعلى درب « زكي طليمات وأحمد عبد الحليم وكرم مطاوع وزوزو حمدي الحكيم» اتسعت رقعة التجارب الفنية الكويتية طولا وعرضا لتتجلى فيما بعد في تجارب مسلسلاتية ناضجة - نشاهدها اليوم في مواسم رمضان وغيرها - استطاعت أن تناطح الدراما المصرية والسورية، وتجد لها موقعا مميزا على مستوى البيئة الخليجية «الشكل البدوي» والتي عبرت عنها بصدق، وكذلك الحال في الشأن الاجتماعي والكوميدي الذي يجنح نحو الفكاهة والضحك الذي يسر القلوب، دون المساس بالقيم والعادات والتقاليد وروح الدين الإسلامي السمحة التي تتجلى في مجمل موضوعاتها.
حقيقة راسخة
تبقى حقيقة راسخة عن الكويت مفادها : إن الديمقراطية ممارسة، وليست شعارات، والخيار الديمقراطي أصبح موضوعا محسوما، وكل المؤشرات تؤكد أن السلطة والشعب في الكويت تتقاسمان الحرص على استمرارية النهج الديمقراطي، فتجربة الكويت أثبتت أن الديمقراطية خيار نهائي وأسلوب حياة وحكم تسعى كثير من الشعوب لنيله، فلقد حصلت بعض البلدان على الديمقراطية من خلال العنف والثورة والحروب الأهلية الطاحنة، وحصل عليها البعض الآخر من خلال التفاهم والتطور الطبيعي لنشأة المجتمع والفهم الصائب لمعطيات العصر، كما هو الحال في الكويت التي عرفت النهج الديمقراطي فسعت إليه بكل ما أوتيت من قوة الحفاظ عليه واستمرارية هذا المكتسب الحضاري، كما أن الديمقراطية ذاتها قد منحت الشعب الكويتي القدرة على الفهم والتفاهم، والتأقلم مع مستجدات العصر، والأخذ بها وفق المعايير الاجتماعية والاقتصادية والسياسية المتعارف عليها دون القفز على المعطيات الحاضرة أو تحجر ورفض للمفاهيم المعاصرة والمكتسبات الإنسانية بتنوع مصادرها.
وفي النهاية أثبتت الكويت أن الخيار الديمقراطي هو الذي نأى بالدولة بعد توفيق ورعاية الله حتى في أحلك ظروف الاحتلال عن دائرة العنف السياسي والاجتماعي والصراع على السلطة كالذي تتعرض له بعض البلدان في ظل الظروف السياسية والاقتصادية الحرجة التي تمر بها المنطقة.. فسلاما وتحية للكويت شعبا وقيادة تستحق كل التقدير والاحترام.


انقر هنا لقراءة الخبر من مصدره.