كان دخول الأكراد كأحد أطراف الحرب الدائرة في سوريا بمثابة' ذريعة' للرئيس التركي رجب طيب أردوغان لتبرير تدخله العسكري في سوريا. فانطلقت الطائرات التركية تقصف مواقع وحدات الشعب الكردية التابعة لحزب الاتحاد الديمقراطي الكردي- الذي تعتبره أنقرة جماعة إرهابية- بحجة تهديدها لأمن الحدود التركية بعد تحقيق هذه الوحدات لانتصارات كبيرة في شمال سوريا ونجاحها في السيطرة علي عدة مناطق خاضعة لفصائل المعارضة بالقرب من حدود تركيا. وعلي غير المتوقع, جاءت الرياح بما لا تشتهي سفن' السلطان' أردوغان, حيث لاقي ذلك التدخل التركي انتقادات من كل الدول التي تحلق طائراتها في الأجواء السورية سواء كانت حليفة لأنقرة وعلي رأسها الولاياتالمتحدة أو علي علاقة متوترة معها مثل روسيا. فقد دعت الولاياتالمتحدة الحكومة التركية إلي وقف قصفها علي مواقع الأكراد, وطالبتها بالتركيز علي مواجهة التهديد المشترك الذي يمثله تنظيم داعش الإرهابي الذي يسيطر علي أجزاء كبيرة من سوريا, كما أدانت فرنسا القصف التركي في سوريا وطالبت بوقفه فورا, ومن هنا أصبح الأكراد نقطة خلاف كبيرة تهدد العلاقات بين تركياوالولاياتالمتحدة حليفتها في حلف شمال الأطلنطي' الناتو'. فتركيا تعتبر حزب الاتحاد الديمقراطي الكردي ووحدات حماية الشعب في سوريا امتدادا لحزب العمال الكردستاني الذي يقاتل الحكومة التركية منذ أكثر من30 عاما, وتخشي من أن تسعي هذه الجماعات إلي إقامة منطقة كردية ذات حكم ذاتي علي الحدود التركية في سوريا, كما أنها تضع الأكراد والرئيس السوري بشار الأسد الذي تطالب بتنحيه, في سلة واحدة. أما بالنسبة للولايات المتحدة, فالأمر مختلف, إذ تدعم واشنطن بقوة القوات الكردية, وتعتبرها الطرف المحلي الوحيد في سوريا الذي يمكن أن يكون شريكا لها في الحرب ضد داعش. ورغم أن الولاياتالمتحدة تعتبر حزب العمال الكردستاني منظمة إرهابية, فإنها لا تصنف حزب الاتحاد الديمقراطي الكردي ووحدات حماية الشعب' إرهابية' بعد أن أصبحت حليفة مهمة لها ضد داعش. وأشعل الموقف الأمريكي هذا غضب الحكومة التركية, حيث أكد متحدث باسم الرئيس التركي أردوغان أنه إذا استمرت الولاياتالمتحدة في تفضيل ما وصفه بمنظمة إرهابية علي أنقرة فإن ذلك سيكون بمثابة حرب أمريكية علي تركيا, كما يضغط أردوغان أيضا بورقة اللاجئين, إذ هدد صراحة بإغراق أوروبا بالمهاجرين إذا لم يحصل علي عروض أفضل من الاتحاد الأوروبي لاحتواء تدفق المهاجرين إلي بلاده, وقد يكون هذا التهديد له صلة بتصاعد التوتر بين تركيا وأوروبا علي جميع الأصعدة. وبالنظر إلي هذا الوضع نستطيع أن نقول أن تركيا الآن في مأزق كبير فقد أصبحت غير قادرة علي الاعتماد علي دعم حلفائها في الناتو في حملتها ضد الأكراد في سوريا, كما أنها أيضا مهددة من قبل مقاتلي تنظيم داعش والقوات الحكومية السورية ومن يدعمها وبينهم روسيا. وإذا كانت أنقرة قد خسرت دعم حلفائها في مستنقع الحرب السورية فقد سبق وأن خسرت أحد أهم الأطراف في ذلك الصراع وهو روسيا, فالعداء بين البلدين وصل إلي أوجه في الآونة الأخيرة بعد حادثة إسقاط الجيش التركي طائرة حربية روسية في نوفمبر الماضي بمحاذاة الحدود التركية السورية, فطالبت موسكو مجلس الأمن الدولي بمناقشة القصف التركي في سوريا, وأعربت عن بالغ قلقها من تصاعد ما وصفته بالأعمال العدائية التركية في سوريا, كما اتهمت الخارجية الروسية أنقرة بمساعدة جماعات إرهابية جديدة ومرتزقة مسلحين علي التسلل إلي سوريا لتقديم العون لتنظيم داعش وغيره من الجماعات الإرهابية. ورغم كل تلك التطورات, فإن الرئيس التركي لم يتورع عن إخفاء طموحاته في سوريا بأي طريقة, فخرج الأسبوع الماضي يدعو حلفاءه وعلي رأسهم الولاياتالمتحدة المشاركة في عملية برية مشتركة في سوريا بحجة أنه من المستحيل وقف الحرب السورية بدون عملية برية. وأمام تلك الدعوة لا يمكننا أذن سوي تصديق الرئيس السوري بشار الأسد عندما قال في تصريحات تليفزيونية منذ بضعة أيام إن تركيا تحاول دخول سوريا عسكريا منذ عامين. والأحداث تقول إن' التورط' التركي في سوريا هو بداية موسم خسائر لأنقرة لم يحسب الرئيس التركي يوما تداعياته, وأثبت ذلك العمليات المسلحة والتفجيرات الأخيرة في أنقرة وديار بكر التي روعت' السلطان' وجعلته يتخبط داخليا وخارجيا. فهل يكون الفخ الكردي هو القشة التي ستقصم ظهر أردوغان؟!