لا أحد يستطيع أن يغض الطرف عما يحدث لبعض الشباب فى هذه الأيام، من تخبط فى الفكر، وترد فى الأخلاق، وانحراف فى السلوك، وأزمة هوية فكرية طاحنة يعيشها كثير من شباب اليوم. وما بين غزو فكرى وافد، وتطرف ينتشر بين بعض الشباب،وعنف، وتنافس إعلامى غير مسبوق يحمل الغث والسمين مما هو مبثوث من داخل المجتمعات الإسلامية، أو ما يفد إليها من مجتمعات شتي، برز الكثير من الظواهر السلبية فى أوساط الشباب فوقع بعضهم فريسة للإرهاب الذى انتشر، والإلحاد الذى استشرى والإدمان والانفلات الأخلاقى الذى يقود المجتمع نحو الهلاك. وعلى الجانب الآخر لا تتوقف مؤسساتنا المعنية بالتثقيف والتنوير ونشر الوعى عن إطلاق المبادرات وحملات وقوافل التوعية ولكنها ليست ذات أثر يذكر على أرض الواقع، فكيف يمكن استعادة الدور الغائب لمؤسساتنا الدينية والشبابية والثقافية والإعلامية؟ وما سبل إنجاح محاولات التقويم الفكرى للمجتمع، ونشر الثقافة الإسلامية الصحيحة، ومواجهة الأفكار المنحرفة والمتطرفة وتحصين الشباب من مخاطر الإرهاب والتكفير؟ وهل يملك خطباء الجمعة والوعاظ والقائمون على لجان الفتوى رؤية دينية مستنيرة للإجابة على تساؤلات الشباب حتى وان كانوا ملحدين؟ أم أننا بحاجة إلى إعداد وتأهيل الخطباء والأئمة والوعاظ تأهيلا حقيقيا لمواجهة مستجدات العصر بطرق غير تقليدية؟ علماء الدين يؤكدون أن الأفكار المنحرفة التى ضربت عقول بعض شبابنا، وافدة على مجتمعاتنا من قبل فلسفات غربية، وأجندات سياسية مختلفة، هدفها تدمير عقول أبنائنا وخراب أوطاننا، مطالبين جميع المؤسسات الدينية والفكرية والثقافية والتربوية بالتكاتف والتنسيق لمواجهة تلك الأفكار الشاذة، وإنقاذ شبابنا من براثنها، مع ضرورة تفعيل لغة الحوار المباشر مع الشباب لأن الفكر لا يواجه إلا بالفكر. غزو فكرى خارجي يقول الدكتور عبد الفتاح العوارى عميد كلية أصول الدين بالقاهرة، إن فلسفات الغرب تدفع بأفكارها الخبيثة وكتاباتها المستهجنة رخيصة مترجمة إلى لغتنا التى يفهمها أبناؤنا فى قصص جذابة يقرؤها شبابنا فيجد فيها رفعا لسائر الحواجز، وتفتح لهم الباب واسعا أمام رغباتهم وشهواتهم الإباحية، وتصور لهم الدين عائقا أمام تلك الرغبات، وان الإلحاد هو الذى يحقق لهم كل ما يتمنون، فلا أمر ولا نهى ولا حدود ولا دين، كما أن الأجندات السياسية الدولية وبعض قوى الشر فى الداخل، ليست بغائبة عن المشهد، من خلال بث الأفكار المتطرفة المتلبسة بالدين زورا وبهتانا لدفع الشباب إلى اعتناقها بغية تدمير المجتمع وتفكيك أواصره وتقسيمه الى طوائف متناحرة، تخدم أعداء الإنسانية، وما يحدث فى المنطقة خير شاهد على ذلك. وأوضح انه إذا أردنا حقيقة أن ننقذ شبابنا من التيارات الفكرية المنحرفة، سواء أكانت منحرفة تطرفا وتشددا أو كانت منحرفة إلحادا وإنكارا للحقائق الثابتة تمسكا بالماديات وإيمانا بالصدفة والطبيعة، فإنه يجب علينا أن نوفر لهم العلاج الصحيح الناجع، كى تذهب علة هؤلاء الشباب الذين هم ثروة الوطن وعدته للمستقبل، وذلك بتحصين هؤلاء الشباب منذ النشء ضد الأفكار الشاذة والمتطرفة بكل صورها، من خلال تعليم جيد يشتمل على مناهج دينية، مستقاة من صحيح الدين ومعينه الصافي، تدعو إلى الاعتدال والوسطية ومكارم الأخلاق، وتنبذ الكراهية والعنف والتطرف وحب الأوطان والانتماء له وقبول الآخر، وتبين حاجة الإنسان إلى التدين الصحيح وهو فطرة فطر الله الناس عليها، قال تعالي»فَأَقِمْ وَجْهَكَ لِلدِّينِ حَنِيفًا فِطْرَةَ اللَّهِ الَّتِى فَطَرَ النَّاسَ عَلَيْهَا لا تَبْدِيلَ لِخَلْقِ اللَّهِ ذَلِكَ الدِّينُ الْقَيِّمُ وَلَكِنَّ أَكْثَرَ النَّاسِ لا يَعْلَمُونَ»، وفى الحديث القدسي»خلقت عبادى حنفاء فجاءتهم الشياطين فاجتالتهم عن دينهم...». مسئولية جماعية وأشار إلى أن هناك خطوات أخرى لابد من تنفيذها حتى يتم إنقاذ شبابنا من وحل التطرف والإلحاد منها، أنه لابد من القضاء على البطالة، فالفراغ أخطر شىء على الشباب والمجتمع، لأنه إذا لم ينشغل بما هو نافع انشغل بما يضر به نفسه والمجتمع، وأيضا لا بد من محو الأمية الدينية والثقافية، فكثير من شبابنا يعانى قلة الثقافة العامة والدينية على حد سواء، نظرا لظروف مجتمعية تربى ونشأ فيها، مشددا على ضرورة توفير وتحقيق العدالة الاجتماعية بين أفراد المجتمع، وفى الوقت نفسه مراقبة الجمعيات الدينية والخيرية مراقبة صارمة من قبل الدولة، حتى لا يستخدمها البعض فى تحقيق أجنداته السياسية الخاصة فى تدمير وتخريب المجتمع وتأجيج نار الفتن. وطالب المؤسسات الدينية والثقافية والتربوية والإعلامية، بأن تنسق فيما بينها لمواجهة تلك الأفكار المنحرفة بين الشباب، حيث أن دور تلك المؤسسات لا يقل أهمية عن دور المنازل والمساجد والكنائس والمدارس والجامعات فى تحصين النشء ضد الأفكار المنحرفة منذ الصغر، فالعمل الجماعى أفضل من المجهود الفردي، خاصة أن الفكر لا يواجه إلا بالفكر، وعلى الإعلام بصفة خاصة مسئولية كبيرة تتمثل فى ألا يفسح المجال واسعا لأصحاب الآراء الشاذة، وان يختار بعناية من علماء الدين الذين لديهم القدرة على الإقناع والتحدث للناس والجمهور بالمنهج الوسطى المعتدل، حتى يتم القضاء على جميع الأفكار الهدامة فى المجتمع. وجها لوجه وفى سياق متصل، يوضح الدكتور مختار مرزوق عبد الرحيم عميد كلية أصول الدين بأسيوط، أنه لا شك فى أن الهجمة على ثوابت الدين فى كثير من البلدان الإسلامية عبر وسائل الإعلام المختلفة، لدرجة انك تسمع وتشاهد من يدعى ويقول لا أعترف بوجود الله، وآخر يطعن فى صحيح السنة الشريفة، يحدث تشويشا وشوشرة فى فكر وعقل بعض الشباب غير المتعمق فى دينه، فيؤدى به الى الإلحاد تارة، أو يهوى به إلى سحيق الفكر الشاذ والمتطرف تارة أخري. ويرى أن إنقاذ هذا الشباب الحائر يكمن فى عدة أمور، منها انه لا بد من إعطاء الحرية الكاملة لخطباء الجمعة والوعاظ فى دروسهم، لكى يمارسوا دورهم فى محاورة واستجلاء الحقيقة وهداية هؤلاء الشباب، من خلال الغوص فى بحار الأدلة، وهذا يتطلب أولا إعداد الخطباء والأئمة والوعاظ تأهيلا حقيقيا لمواجهة مستجدات العصر بطرق غير تقليدية. وأشار إلى ضرورة عودة الندوات الدينية تحت رعاية الإعلام الرسمى للدولة بمختلف وسائله المسموعة والمقروءة والمرئية، بحيث تكون تلك الندوات فى كل المحافظات بخطة زمنية مدروسة، يلتقى خلالها كبار العلماء المشهود لهم بالكفاءة العلمية والدعوة الوسطية، وجها لوجه مع الشباب، وإقامة حوار مباشر حول كل ما يهم الشباب من مستجدات وموضوعات تتعلق بالمفاهيم الدينية، والعمل على تصويب الخطأ منها، وإكمال الناقص. فكر وافد علينا وتشخيصا لمشكلة الشباب الحائر بين دعوة التجديد وجمود الفكر، وما يتمخض عن ذلك من اتجاه بعض الشباب إلى الإلحاد أو الفكر المتطرف والمتشدد أو الفكر الانحلالي، يوضح الدكتور عبد الرحمن عباس سلمان الأستاذ المساعد فى العقيدة والفلسفة بجامعة الأزهر، أن الإسلام تعرض فى مسيرته الحضارية لتحديات كثيرة فى الماضى البعيد وكان التاريخ شاهداً عليها، وقد برز التحدى فى عصرنا الراهن بتصور مضاد ذى منهجية معززة بهيمنة حضارية تسهم فى إحلال ثقافة الغير وفكره محل الإسلام وحضارته، وتستتر تلك التحديات فى غالب أمرها تحت بريق التقدم المادى بمظاهره المختلفة ومباهجه الفاتنة، والتى تتمثل فى نمط الحياة المترفة لدى البعض، وبما تحمله وتعبر عنه وسائل الاتصال الحديثة كالفضائيات ومواقع شبكات الاتصال الدولية والتواصل الاجتماعي، وما يصدر من مطبوعات وصحف تحمل ذات الفكر وتأخذ على عاتقها أداء نفس الرسالة. وأشار إلى أن آفة الإلحاد الدينى المعاصرة تعد من هذا القبيل الوافد الغازى للعقول والمجتمعات، ولا شك أن لهذه الظاهرة أخطاراً، ولا أبالغ إذا قلت إنها أنتجت صنفاً من الشباب الواقع فى براثن الحيرة بين الإلحاد من جانب ودعوى التجديد فى الدين بقصد التحرر من تكاليفه من جانب آخر، فإذا كان الإلحاد يعرف بأنه الميل عن الطريق المستقيم إلى غيره، فحينما يقال الإلحاد الدينى يصبح معناه المائلين فى اعتقاداتهم وفى سلوكهم وتصرفاتهم عن مقتضى الإيمان الحقيقى وعن صراط الله المستقيم، فهم مائلون منحرفون إلى هوى نفوسهم وما تمليه عليهم نزغاتهم الشيطانية. وأكد أن من مداخل الشيطان على هؤلاء المنحرفين فكريا، أنه يجعل الواحد منهم يعجب برأيه فيئول النتائج العقلية دون وازع إيمانى ضابط له فى فكره، وهو ما يعد أحد أسباب الإلحاد ويتسلل هذا المرض إلى بعض الشباب فتراه ينحرف فكرياً فينكر وجود الله أو وصفه جل علاه بما لا يليق، أو التأويل الفاسد لأحكامه جل شأنه، أو ينكر ختم النبوة بسيدنا محمد صلى الله عليه وسلم، أو ينحرف فينكر الأحكام الشرعية من ناحية إهمالها والقفز فوقها والتكذيب لها والتحريض على تركها تحت أسماء وهمية. وأوضح أن المنحرفين فكريا بصنيعهم هذا يقتلون أنفسهم ويدمرون أوطانهم فى الوقت الذى تفرض علينا فيه ضرورة الوقت أن نحافظ على أنفسنا ونحرص على ألا تنهار أوطاننا، فالوحدة عند أبناء المسلمين فرض أوجبه الدين، ومع غيرهم ممن يعايشونهم واجب وطنى تجاه مجتمعهم لأنه يؤو ى الجميع بداخله فهم فى مركب واحد، مشيرا إلى أن الانحراف العقدى يخرج قاطرة الحياة عن مسارها فيتحول ركابها إلى الوجه الآخر فيصيرون أعداء متحاربين بدلا من أن يكونوا أصدقاء متعاونين، وتكثر فيهم الفتن ويشغل كل طرف بمحاولة القضاء على الآخر، حينئذ يكثر الهرج ويتعالى المرج فتتأخر الحضارة وتطل برأسها عمليات التخلف ويأتى وعيد الله» لا تقوم الساعة إلا على شرار الخلق».