سيدنى كارتون....ديفيد كوبرفيلد..اوليفر تويست..شخصيات مازالت تحيا بيننا ومعهم كثيرون أبدعتهم قريحة الروائى الإنجليزى العظيم تشارلز ديكنز (7فبراير1812-9 يونيو 1870) وبهم مازال ديكنز حياً ومقروءاً. يقول ديكنز عن روايته "قصة مدينتين" التى كتبها عن الثورة الفرنسية: " لطالما أحببت أن أكون سيدنى كارتون, ذلك الرجل الذى يسير إلى هلاكه تحت المقصلة عن طيب خاطر لكى ينقذ من الموت تشارلز دارنى غريمه فى حب لوسى مانيت " . ويقول أيضا عن شخصية كارتون: "كنت أتوق أن أتحدث عن سر ذلك الحب .. سر تلك العواطف التى تتملكنا وتسير بنا فى درب الخلاص مهما كان نصيبنا التهلكة فى نهاية ذلك الدرب." . ويقول عن الرواية: حين شرعت فى كتابة هذه الرواية استحوذت علىّ تماما بدلا من أن أستحوذ أنا عليها وراحت هى تسيرنى بحيث أننى لم أعد أستطيع السيطرة على أى من شخصياتها. ولقد كتبتها وأنا أعانى شخصياتها بشكل جعل من تلك المعاناة بالنسبة إلىّ تفوق أى معاناة أخرى فى حياتى " . لا ندرى كيف !! وقد عاش ديكنز حياة قاسية واجه فيها الموت أو مايشبه الموت قسوة, لكنه كافح وثابر حتى اعتلى عرش الأدب و الرواية. كان ينكأ جراح المجتمع المتقيحة فى أعماله حتى يطهره من الأقنعة الزائفة التى تكسو الوجوه. ورغم قسوة النقد اللاذع ومرارة سخريته من تلك الشخوص السلبية, استطاع أن يغزو أفئدة المجتمع بجميع أطيافه. قال عنه جورج برنارد شو الكاتب المسرحى والمفكر الاشتراكى الإنجليزى إن رواية ديكنز " دوريث الصغيرة " من أهم الروايات فى القرن التاسع عشر, وأشدها انتقادا للرأسمالية, وإن تحريضها ضد النظام الرأسمالى أعظم من تأثير وتحريض كتاب كارل ماركس "رأس المال ". حياته فى السابع من فبراير 1812 ولد تشارلز ديكنز بمدينة لاند بورت بورتسى جنوبإنجلترا لأب موظف بسيط لديه ثمانية أطفال اقترض كثيرا من أجل تربية أولاده وتعليمهم وتراكمت عليه الديون ولم يستطع السداد فذاق هو وأسرته مرارة الترحال والهروب فى جنح الليل البهيم من مكان لآخر فرارا من الدائنين حتى تم القبض عليه وسجن, مما اضطر تشارلز لترك التعليم والتحق وهو فى الحادية عشرة من عمره بمصنع لورنيش الأحذية ليعول أسرته وبدأ رحلة العمل الشاق لكسب قوت يومه. ورغم طفولته الضائعة وضآلة المقابل المادى, إلا أن تلك الحياة القاسية والتجارب المريرة صقلته وصهرته فى بوتقتها؛ لم تجرفه للانحراف أو الحقد والكراهية والضغينة لهذا المجتمع الجائر, بل ناضل بالكلمة لكى يرسم البهجة على الوجوه والقلوب الدامية وليمسح دموع الأطفال والمحتاجين . وصارت تجربته الذاتية محورا لرواياته الخالدة التى كتبها بدمائه وجراح قلبه التى لم تندمل. أعماله كانت "مذكرات بكويك " أولى روايات ديكنز أصدرها 1836 وهو فى الرابعة والعشرين من عمره ولاقت نجاحا ساحقا جعله من أكثر الأدباء الإنجليز شعبية وشهرة وتميز هذا العمل بالطرافة وأيضا بالجدية, رغم أنه قصد منها إيجاد صور مسلية لأنماط من الناس ورسوم فكاهية لصنوف من الوقائع والأحداث. لكنه انتقد بين ثنايا العمل الكثير من العيوب داخل المجتمع , مثل أساليب المحامين البارعة فى تضليل القضاة وتشويه وجه العدالة, وقوانين الحبس الجائرة , والمعاملة القاسية داخل السجون , كما انتقد نظام الانتخابات البرلمانية آنذاك , وأظهر أهمية الإصلاح الاجتماعى وضرورة رعاية الفقراء وتعليم الأطفال وإيواء النساء والسجينات. . وفى رواية "أهزوجة عيد الميلاد" بدت براعة ديكنز فى رسم شخوصه وفلسفته التى كان يدعو من خلالها أن تسود روح عيد الميلاد السنة كلها, حتى أصبحت من احب قصص الكريسماس لقارئى اللغة الإنجليزية . وفى أنشودة عيدالميلاد تصور ديكنز التحول الدراماتيكى لشخصية سكروج من عجوز متذمر شحيح إلى شخص كريم دافئ المشاعر. وقد دخلت كلمة "سكروج" إلى اللغة الإنجليزية كمصطلح يصف البخيل, حيث يرفض- قبل تحوله- أن يعتبر الكريسماس عيدا يحتفى به. وفى أمسية من أمسيات عيد الميلاد يحلم بزيارة طيف شريكه المتوفى " جاكوب مارلى " له فى المنام, وهو الذى عاش يطالبه بتغيير نظرته للحياة. وتظهر له أيضا ثلاثة أطياف تمثل الكريسماس والحاضر والمستقبل ويقدمون له سلسلة من الرؤى التى تجعله يدرك أن وجوده كئيب وشحيح. وأخذ سكروج يدرك الروح الحقيقية لعيد الميلاد عندما شاهد فى حلمه احتفالا بسيطا لكنه نابع من القلب فى بيت " بوب كراتشيت" الذى يعمل كاتبا لدى سكروج. وعندما استيقظ فى صباح عيد الميلاد كان شخصا مختلفا وتحول للنقيض, فيأخذ الهدايا ويزور بيت كراتشيت ويردد من القلب مع " تاينى تيم " الفتى الأعرج ابن كراتشيت " بارك الله فى كل منا " . وكانت هذه القصة الأولى فى سلسلة حكايات أعياد الميلاد التى نشرها ديكنز فيما بين عام 1843 1848 تليها قصص رنين الأجراس , والحظ الطيب, ومعركة الحياة, والرجل الممسوس. وفى هذا العمل الأخير نجد ديكنز يحتج ضد الجشع واللا مبالاة عند بعض الناس تجاه غيرهم لكنه، فى القصة الثانية "الحظ الطيب" يبطن الحبكة الوجدانية بنقد اجتماعى شديد. ومن أهم أعماله الخالدة " أوليفر تويست"و"دافيد كوبر فيلد "و"أوقات عصيبة "و"الآمال الكبرى"و"المنزل الكئيب ". وتعتبر أعمال ديكنز تأريخا أدبياً إبداعياً للتحولات الاجتماعية فى عصره إبان الثورة الصناعية وما جلبته من فوارق اجتماعية. وتعد رواياته من أعظم الكلاسيكيات الأدبية . وتوفى ديكنز فى التاسع من يونيو 1870.