مع التسليم بأن أحد أهم مظاهر النضج الديمقراطي في أي مجتمع يرتبط بمدي القدرة علي استيعاب كافة الآراء والتوجهات مهما كان حجم وعمق التباين فإنه ليس هناك ما يشوه العمل الديمقراطي سوي المجادلات الحزبية. التي تمثل إضاعة للوقت في مناقشات لا طائل من ورائها بينما جوهر الديمقراطية يقتضي اقتحام المشكلات وطرح الحلول. إن أسوأ ما يشوه الوجه الديمقراطي لأي مجتمع هو محاولة استخدام الممارسة الديمقراطية في غير موضعها ثم عدم الالتزام بالضوابط التي تحدد صحة الممارسة الديمقراطية بضرورة تقبل روح التقاليد الديمقراطية وحماية حقوق الأقلية بنفس درجة حقوق الأغلبية وإتمام الحوار والنقاش في إطار من العلاقات الإنسانية واستخدام الذوق السليم والألفاظ والعبارات المناسبة. وإذا كانت الممارسة الديمقراطية السليمة تستلزم توافر مجموعة من الاشتراطات الأساسية أهمها وجود العدد القانوني في أي اجتماع واتخاذ القرارات بتصويت صحيح بعد أن تكون الدعوة إلي الاجتماع قد تمت أيضا بطريقة قانونية, فإنه مع ذلك يتحتم الإدراك والوعي بأنه لا يكفي فقط وجود أغلبية مطلقة لتمرير القرارات وإنما تقتضي متطلبات الممارسة الديمقراطية السليمة ثلاث خطوات تتيح لكل الاتجاهات أن تعبر عن نفسها من خلالها, وهي خطوة عرض الرأي ثم خطوة النظر في الرأي ثم أخيرا خطوة البت في الرأي, وبعد ذلك فإن ما تقرره الأغلبية يمثل القانون الأساسي لكل مجتمع يقوم علي المساواة في الحقوق والواجبات! وعندما ينجح أي مجتمع في بناء مؤسساته الديمقراطية, وفق هذه الاشتراطات وأن يحصن آليات الممارسة بهذه الأدبيات فإن الحصانة لن تكون مجرد مغنم يسعي إليه الطامحون في عضوية المجالس النيابية وحدهم وإنما الحصانة سوف تنشر مظلتها علي الدولة بأكملها! وعلينا أن نعي جيدا أن مصر ليست حديثة العهد بالديمقراطية وإنما هي أول دولة عرفتها وعملت بها منذ أكثر من قرن ونصف قرن من الزمان وقبل أن يوجد علي خريطة الشرق الأوسط بعض من يزايدون علينا- نيابة عن الآخرين- باسم الديمقراطية. خير الكلام: من العبث أن تتبول في البئر التي تشرب منها! [email protected] المزيد من أعمدة مرسى عطا الله