عندما يتعلق الأمر بحياة شعب فى قضية تتعلق بأمنه القومي، فلا مجال للحرج فى عرض الحقائق ومواجهة الخطر بكل شفافية وحزم بلا حساسية، فلم يعد خافيا حقيقة الخطر الداهم الذى يتهدد وجود مصر كدولة قامت حضارتها على ضفاف نهر النيل بسبب سد النهضة الإثيوبي، وتداعيات إصرار الحكومة الإثيوبية على استكمال بنائه بالمواصفات التى تعترض عليها مصر، والتى تهدد سريان النيل بمعدلاته الطبيعية إلى أرض الوادي، وتنال بالسلب والنقصان من حصتنا التاريخية المنصوص عليها فى الاتفاقيات المبرمة سلفا. إن الخطر الحقيقى ليس فقط فى سد النهضة، ولكنه يكمن فى سعى إثيوبيا إلى تغيير قواعد التحكم والانتفاع بمياه النهر المتعارف عليها والثابتة منذ آلاف السنين، بحيث يصبح النيل نهرا إثيوبيا تملك حق السيادة عليه وليس نهرا إفريقيا على المشاع تنتفع منه جميع الدول التى يجرى فى أراضيها كما تنص جميع الاتفاقيات الدولية بخصوص قواعد الانتفاع من الأنهار التى تمر عبر دول عديدة، وترى إثيوبيا أنه تبعا لقاعدة العدل والإنصاف فى توزيع مياه النهر بين دول حوض النيل استنادا إلى المياه الجارية فى المجرى فقط، وليس كميات مياه الأمطار التى تهطل بغزارة على الهضبة الإثيوبية (نحو 0061 مليار متر مكعب) تضيع فى المستنقعات والبرارى ورى الأراضى الزراعية فى دول حوض الحوض ونتيجة البخر، وترى إثيوبيا ومعها دول الحوض أن الحصة التى تستحقها مصر ينبغشى ألا تزيد على 04 مليار متر مكعب (بدلا من 55 مليارا، والتى نحن فى أشد الحاجة إلى زيادتها)، وذلك فى تجاهل متعمد لاعتماد معظم دول حوض النيل على مياه الأمطار كمصدر رئيسى للري، وعدم اعتمادهم على مياه النهر بصفة أساسية كما هى الحال بالنسبة لمصر، بما يعنى نقصان حصتنا التاريخية بأكثر من 72%، ومن ثم بوار ربع مساحة الأراضى الزراعية فى مصر، وانخفاض منسوب النهر بما يؤثر تأثيرا خطيرا بالسلب على حركة المراكب السياحية والنقل النهري، وانخفاض منسوب بحيرة ناصر خلف السد العالي، بما يهدد بانخفاض الطاقة الكهربائية المولدة من السد، بل إن الأمر لن يتوقف عند مجرد تشييد هذا السد، ولكن الكارثة تكمن فى سعى إثيوبيا لبناء أربعة سدود أخري، وهو ما تخطط له بعض دول الحوض، بما يعنى غلق شريان الحياة لمصر الذى قامت عليه أقدم حضارة إنسانية عرفتها البشرية. لقد وقعت مصر والسودان وإثيوبيا وثيقة المبادئ الحاكمة لمشروع سد النهضة فى 32 مارس 5102 سعيا إلى ما هو مفترض أن يعود على الدول الثلاث بالخير، وتجنب الحاق أى ضرر بدولتى المصب، وبناء على النيات الحسنة اعترفت مصر بحق إثيوبيا فى بناء السد بما يعود على الشعب الإثيوبى بالخير والنماء. فى عام 7591 عندما شرعت مصر فى بناء السد العالي، أقامت إثيوبيا الدنيا وأقعدتها معترضة على بنائه، رغم أنه لا يؤثر إطلاقا على حصتها الهائلة من مياه النهر، ولجأت إلى التحكيم الدولى الذى أنصفنا وأعطانا الحق فى بناء السد. ولذلك ونحن نشهد مماطلة وتسويفا واضحين من الجانب الإثيوبى فى مفاوضات تلو مفاوضات لا تنتهى (على غرار النهج الإسرائيلي) ولم تؤد بعد عام ونصف العام إلى أى نتائج إيجابية أو قرارات ملزمة ومحددة تحمى حقنا المشروع فى المياه، ومع تعنت المفاوض الإثيوبى ورفضه المطالب المصرية المشروعة لضمان الحصول على حصتنا الكاملة من المياه مع استمرار بناء السد دون توقف، ومع إعلان وزير الخارجية الإثيوبى أن ملء خزان السد سوف يبدأ فى يونيو القادم مع الفيضان فقد أصبحت نيات إثيوبيا واضحة بجلاء والتى تتجاهل مصلحة وحياة الشعب المصري. وبناء على ذلك، إذا فشلت المفاوضات الجارية الآن علينا اللجوء على وجه السرعة للأمم المتحدة والتحكيم الدولي، وتبنى حملة دبلوماسية وإعلامية ضخمة على امتداد العالم لكشف نيات إثيوبيا، وتوضيح مدى المخاطر التى تهدد حياة المصريين ووجودهم بتحكم أثيوبيا فى مياه النيل على غير سند من القوانين والمواثيق المبرمة فى هذا الشأن. فلا مجال للتردد أو التلكؤ، وكفانا ما ضاع من وقت علا فيه السد، وأصبح أمرا واقعا بكل ما يشكله من تهديدات لأمننا المائي. محمد سعيد عز