«إن جمال الغيطانى كتب أعمالا وروايات لا يمكن أن تُنسى أو تضيع من ذاكرة التاريخ»...بهذه الكلمات افتتح السيناريست «محمد السيد عيد» نائب رئيس الهيئة العامة لقصور الثقافة سابقاً، ونائب رئيس اتحاد كُتاب مصر، ندوة «الغيطانى والرواية التاريخية». واختار «عيد» رواية «الزينى بركات» لجمال الغيطانى وحولها هو إلى مسلسل تليفزيونى نموذجا. فى البداية يوضح عيد أن هذه الرواية تنتمى إلى فن السيرة، والسيرة فن عربى إسلامى نشأ فى حضن تناقل سيرة النبى الكريم و الاهتمام بجمع أحاديثه، ، ثم رأى الكُتاب أن يغيروا الموضوع مع السير على نفس المنهج، فكتبوا عن الشخصيات البارزة كالحكام والمشاهير والأعلام، ومن هنا نشأ فن آخر اسمه فن السيرة التاريخية. وفى العصر الحديث تبين كُتاب الرواية أن هناك علاقة وطيدة بين فن السيرة التاريخية وبين الرواية، ومن هنا بدأ التفكير فى الاستفادة من الجمع بين الطرفين فى تقديم رواية تمثل سيرة تاريخية، فقُدمت أعمالا عديدة فى هذا الإطار منها روايات «وإسلاماه» لعلى أحمد باكثيرو«السائرون نياماً» لسعد مكاوي. واستطرد عيد واصلاً لصلب الموضوع: ومن ضمن الذين اهتموا بتقديم سيرة تاريخية كاتبنا «جمال الغيطانى» فى روايته «الزينى بركات» فهذه الرواية تتحدث عن شخصية حقيقية عاشت فى نهاية العصر المملوكى، وكتب عنها وأرخ لها المؤرخ المصرى الشهير »إبن إياس« ، وقد اختار «الغيطانى» هذه الشخصية، لأنه كان يريد أن يقول رأيه فيما حدث فى نكسة 1967، ورأيه كان أنه حين تزدهر وتقوى الدولة البوليسية، أو حين تتسلط أجهزة الأمن على الشعب فلابد أن ينتهى الأمر بكارثة، وهذا ما صوره فى هذه الرواية. وأضاف «عيد»: لابد أن نتحدث أولاً عن شخصية «الزينى بركات» وماذا قال عنها التاريخ، والشخصيات التى تعامل معها «الغيطانى»، فشخصية «الزينى بركات» يذكره «ابن ياس» أول مرة فى أحداث شوال عام 908ه، بأنه تولى منصبا من المناصب، ويقوم بسرد حياته العامة. ويبين لنا أنه تدرج فى المناصب حتى صار أكبر شخصية فى الدولة بعد السلطان مباشرة. وكان سلطان ذلك الوقت هو الغوري. ومن المعلومات التى جمعها «ابن ياس» عن «بركات» يتضح له كيف أن هذا الرجل كان داهية، لأنه استطاع أن يجمع بين حب السلطان وحب الشعب، وهذان نقيضان لا يجتمعان. ثم تولى «طومان باى» الحكم بعد استشهاد الغورى فى معركة مرج دابق، وكان مثل اللعُبة فى يد »الزينى بركات«،الذى كان رجلاً لكل العصور ومع أى حاكم يتولى الحكم، فبقى حتى الاحتلال العثمانى لمصر. ويتحدث «عيد» عن تعامل «الغيطانى» مع هذه الشخصية، وكيفية تقديمها للقراء ببداية مثيرة جداً، فالوظائف فى هذا الوقت كانت تُشترى من السلطان بمبلغ محدد، وحين خلا منصب المحتسب أشيع بين الناس أن الزينى بركات رُشح لهذا المنصب ولكنه رفض، بينما كبير البصاصين, وهو خصم بركات، كانت لديه معلومات مؤكدة أن بركات قد دفع أموالاً للحصول على هذا المنصب. ويتبين من ذلك أنه يفعل شيئا فى الخفاء ويشيع بين الناس عكسه، وبالتالى وجدوا فيه ضالتهم المنشودة فى وجود شخصية عادلة مثله، فلجأوا إلى أكبر شخصية موجودة فى ذلك الوقت، وهو الشيخ الصوفى »أبو السعود الجارحي« لكى يتوسط لهم عند بركات لقبول المنصب. ويقول »عيد«: نحن هنا أمام شخصية لعوب منافقة، قام الغيطانى بنسج خيوطها واعتمد فى ذلك على وقائع تاريخية بعضها لا تخص الزينى بركات، فمثلاً رواية أن بركات يرفض تولى المنصب، فهذه الرواية حدثت بالفعل ولكن ليس مع الزينى بركات ولكن مع طومان باي. واستفاد الغيطانى من هذه الرواية لكى يقدم بطل روايته بطريقة مثيرة، ويكرر الغيطانى هذا الأسلوب فى أكثر من حدث. كما أبدع من خياله أيضاً شخصيات أخرى لكى يكمل رسم الشخصية الرئيسية فى روايته: كشخصية كبير البصاصين زكريا بن راضى والذى يمثل رجل المخابرات التقليدي، وهو فى صراع دائم مع بركات، فهذه الشخصية لم يأت ذكرها فى ابن إياس أو أى مرجع آخر، ولكى يجعل القارئ يقتنع بأنها حقيقية يجعله طرفاً فى الأحداث المهمة التى تدور. ويستخدم أيضا الأسلوب التوثيقى فيعطينا الإحساس بأننا نقرأ لأحد كُتاب الحوليات، وكان أيضاً يعنون بعناوين تذكرنا بما كان يفعله المؤرخون فى هذه الفترة، ويذكر المراسيم السلطانية بالتفصيل، ويقدم شكل التقارير المخابراتية، فالغيطانى اهتم بالملمح الوثائقى لكى يقنعنا بأننا أمام قطعة من التاريخ المملوكي. ويؤكد »عيد« ضرورة الوقوف على لغة الرواية والإشادة بها، فلغتها قد أبهرت الكثيرين، فالغيطانى قد استخدم المفردات الخاصة بهذا العصر بشكل رائع. ويشير «عيد» إلى أن هذه اللغة أعطت للرواية صدقاً. وفى ختام حديثه أكد محمد السيد عيد أن جمال الغيطاني وكان فى العشرينات من عمره وقتئذ استطاع مزج التاريخ والتراث الشعبى وعالم الصوفية والخيال فى إناء فنى رائع لكى يقدم هذا العمل العظيم.