تعليم الجيزة تحصد المراكز الأولى في مسابقة الملتقى الفكري للطلاب المتفوقين والموهوبين    عمال الجيزة: أنشأنا فندقًا بالاتحاد لتعظيم استثمارات الأصول | خاص    التعليم العالي تعلن فتح برامج المبادرة المصرية اليابانية للتعليم EJEP    الكويت ترحب بقرار الجمعية العامة للأمم المتحدة لإعادة النظر بعضوية دولة فلسطين    تقرير إدارة بايدن يبرئ إسرائيل من تهمة انتهاك القانون الدولى فى حرب غزة    القاهرة الإخبارية: الإمارات تستنكر دعوة نتنياهو لإدارة قطاع غزة    في أقل من 24 ساعة.. «حزب الله» ينفذ 7 عمليات ضد إسرائيل    كرم جبر: على حماس أن تستغل الفرصة الراهنة لإحياء حلم «حل الدولتين»    محمود ناصف حكم مباراة الأهلى وبلدية المحلة.. وأمين عمر لمواجهة المصرى وبيراميدز    جوميز يركز على الجوانب الفنية فى ختام ثانى تدريبات الزمالك بالمغرب    إبراهيم سعيد ل محمد الشناوي:" مش عيب أنك تكون على دكة الاحتياطي"    فوزى لقجع ورضا سليم يتوسطان للصلح بين حسين الشحات والشيبى    إصابة 13 عاملا إثر حادث سيارة في الغربية    طقس معتدل في محافظة بورسعيد بعد العاصفة الترابية.. فيديو وصور    مصرع شخص صدمته سيارة طائشة في بني سويف    المهم يعرفوا قيمتي، شرط يسرا لوجود عمل يجمعها مع محمد رمضان (فيديو)    إحالة جميع المسؤولين بمديرية الصحة بسوهاج للتحقيق    عيار 21 الآن بعد الارتفاع الكبير.. سعر الذهب والسبائك اليوم السبت 11 مايو 2024 بالصاغة    " من دون تأخير".. فرنسا تدعو إسرائيل إلى وقف عمليتها العسكرية في رفح    قرار عاجل من ريال مدريد بشأن مبابي    مباريات اليوم السبت 10-05-2024 حول العالم والقنوات الناقلة    دعاء في جوف الليل: اللهم إنا نسألك يوماً يتجلّى فيه لطفك ويتسع فيه رزقك    مواعيد مباريات اليوم.. الأهلي ضد بلدية المحلة.. ونهائي أبطال آسيا وتتويج مرتقب ل الهلال    موازنة النواب عن جدل الحساب الختامي: المستحقات الحكومية عند الأفراد والجهات 570 مليار جنيه    عز ينخفض لأقل سعر.. أسعار الحديد والأسمنت اليوم السبت 11 مايو بالمصانع والأسواق    الزراعة: زيادة الطاقة الاستيعابية للصوامع لأكثر من 5 ملايين طن    مأمورية من قسم الطالبية لإلقاء القبض على عصام صاصا    آبل تخطط لاستخدام شرائح M2 Ultra فى السحابة للذكاء الاصطناعى    خبير دستوري: اتحاد القبائل من حقه إنشاء فروع في كل ربوع الدولة    السياحة عن قطع الكهرباء عن المعابد الأثرية ضمن خطة تخفيف الأحمال: منتهى السخافة    حظك اليوم وتوقعات الأبراج السبت 11 مايو على الصعيد المهنى والعاطفى والصحى    برج الجدى.. حظك اليوم السبت 11 مايو: تجنب المشاكل    عمرو دياب يحيى حفلا غنائيا فى بيروت 15 يونيو    طائرات الاحتلال الإسرائيلي تقصف منزلًا في شارع القصاصيب بجباليا شمال قطاع غزة    أبناء السيدة خديجة.. من هم أولاد أم المؤمنين وكم عددهم؟    الشعبة تكشف تفاصيل تراجع أسعار الدواجن والبيض مؤخرًا    تناول أدوية دون إشراف طبي النسبة الأعلى، إحصائية صادمة عن حالات استقبلها قسم سموم بنها خلال أبريل    زيادات متدرجة في الإيجار.. تحرك جديد بشأن أزمة الإيجارات القديمة    النائب شمس الدين: تجربة واعظات مصر تاريخية وتدرس عالميًّا وإقليميًّا    الحكومة اليابانية تقدم منح دراسية للطلاب الذين يرغبون في استكمال دراستهم    «أنصفه على حساب الأجهزة».. الأنبا بولا يكشف علاقة الرئيس الراحل مبارك ب البابا شنودة    رسائل تهنئة عيد الأضحى مكتوبة 2024 للحبيب والصديق والمدير    النجم شاروخان يجهز لتصوير فيلمه الجديد في مصر    القانون يحمى الحجاج.. بوابة مصرية لشئون الحج تختص بتنظيم شئونه.. كود تعريفى لكل حاج لحمايته.. وبعثه رسمية لتقييم أداء الجهات المنظمة ورفع توصياتها للرئيس.. وغرفه عمليات بالداخل والخارج للأحداث الطارئة    المواطنون في مصر يبحثون عن عطلة عيد الأضحى 2024.. هي فعلًا 9 أيام؟    هل يجوز للمرأة وضع المكياج عند خروجها من المنزل؟ أمين الفتوى بجيب    الإفتاء تكشف فضل عظيم لقراءة سورة الملك قبل النوم: أوصى بها النبي    مصرع شاب غرقًا في بحيرة وادي الريان بالفيوم    نتائج اليوم الثاني من بطولة «CIB» العالمية للإسكواش المقامة بنادي بالم هيلز    5 علامات تدل على إصابتك بتكيسات المبيض    لأول مرة.. المغرب يعوض سيدة ماليا بعد تضررها من لقاح فيروس كورونا    حكومة لم تشكل وبرلمان لم ينعقد.. القصة الكاملة لحل البرلمان الكويتي    هشام إبراهيم لبرنامج الشاهد: تعداد سكان مصر زاد 8 ملايين نسمة أخر 5 سنوات فقط    الجرعة الأخيرة.. دفن جثة شاب عُثر عليه داخل شقته بمنشأة القناطر    حلمي طولان: «حسام حسن لا يصلح لقيادة منتخب مصر.. في مدربين معندهمش مؤهلات» (فيديو)    هل يشترط وقوع لفظ الطلاق في الزواج العرفي؟.. محام يوضح    رؤساء الكنائس الأرثوذكسية الشرقية: العدالة الكاملة القادرة على ضمان استعادة السلام الشامل    جلطة المخ.. صعوبات النطق أهم الأعراض وهذه طرق العلاج    







شكرا على الإبلاغ!
سيتم حجب هذه الصورة تلقائيا عندما يتم الإبلاغ عنها من طرف عدة أشخاص.



الأصالة والمعاصرة في أعمال جمال الغيطاني

الحداثة المطروقة والمعدة للسباق باتجاه ما هو "جديد"، كانعكاس للتجديد والتغيير المستمر تلبية لقوانين السوق وإرضاء لذوق الجمهور المتغير خلال النصف قرن الأخير، كانت حداثة ناقصة وسطحية، ومحكوم عليها بالزوال والتواري كزوال السراب السريع، ولو أضفنا إلي ذلك الوضع المتردي للثقافات الهامشية في مواجهة مراكز الإنتاج الثقافي الكبري في الغرب والجهود المبذولة لمحاكاة بعض مبدعيها البارزين - وهو شيء مشترك بين أسبانيا والدول العربية، رغم الفوارق بينهما - لذلك تعثر علي أوضاع متشابهة علي جانبي المتوسط، كتلك التي عبر عنها "Vicente Liorens" في كتابه عن القرن التاسع عشر: "مجهود طويل وشاق للوصول إلي روح الزمن، وعندما يبدو أن الهدف قد تحقق، نجد أن هذه الروح قد أخذت طريقا آخر، من هنا تأتي البلبلة والغموض الأبدي وتواصل تخلف ثقافتنا، التي لاتعايش العصور الحديثة من خلال وضع قلق فقط، بل بحركتها المستمرة خارج الزمن".
أعمال جمال الغيطاني مثلها مثل أعمال الكاتب التركي :اورهان باموك "Orhan Pamuk" تهرب من شراك الخطاب المتكرر (التبني الأعمي لقوالب واقعية القرن التاسع عشر) والتأثيرات المبالغ فيها لكتاب أساسيين، من السهل تقليدهم (كافكا وفوكنر وجارثيا ماركيز) وكذلك تتفادي الوقوع في شراك دوامة الطليعية التي تستهلك نفسها دون فائدة ترجي منها، وبعيدة عن خطر الجماليات المكونة عبر تراكمات فنية وأدبية متعالية من الإبداعات ذات الدسامة المترهلة، فهو تماما مثل باموك وموقفه من استنبول، الغيطاني "يقرأ" القاهرة، كنظام يولد ماضيه الخاص، وهو ما يجعله يمتلك إمكانية مواجهة الحاضر بطريقة متوافقة مع الزمن تماما: (انظر لوري لوتمان Luri lotman، سيموطيقا المدينة). وتماما كمؤلف "الكتاب الأسود" الذي يتناول التراث العثماني الثري الخبيء، فالغيطاني يجذر شجرة أدبه في التراث العربي الثري، خاصة كتابات المؤرخين، والأدب المترامي والمجهول في عالم التصوف.
في كتبه عن العظمة المصرية، يحاول الغيطاني فك رموزها كما لو كانت طلاسم، فيمر من خلال الحاضر إلي الماضي، ويعيد تحديث الماضي، يلعب باللا تاريخي، ويكشف عن قدم ما بين يديه علي انه جديد واستحالة استمراره. كنت قد عرضت من قبل رؤيتي النظرية والعملية في نص المدينة، وكذلك الخصوبة التركيبية للكلمتين، والروائي المصري يعتبر نموذجا ممتازا ل "محاولاته المستعصية" كحيوان حضري". يقول "حياتي ملتصقة بالقاهرة... فقد وزعت أوقاتي ما بين الشوارع والحارات والطرقات والمساجد والفضاء... وشكلت.. الطلال.. والملامح والعتاقة القاهرية اركانا أساسية في وجداني وتكويني الروحي.. ان النواحي القاهرية والمباني والأزقة والاقببة مسكونة بالحنين والحكايات المتوارثة إلي جانب المصائر البشرية وفيها كان احساسي بالزمن".
ومتوازيا مع هذا التدريب الممتع للقراءة الحضرية القريب في وجوه متعددة منه من "والتر بنجامين Walter Benjamin"، عرف الغيطاني كيف يصنع لنفسه نسبا أدبيا تمتد فروعه إلي مؤلفين متباينة اتجاهاتهم، كالمؤرخ ابن اياس والشيخ الأكبر محيي الدين ابن عربي، وذلك من خلال رؤية متكاملة مع الماضي والتي ندركها اليوم علي أنها تعبير أدبي وفني خاص بنا مع اقتراب نهاية القرن العشرين، يتأمل الغيطاني بنجاح انه في كل مغامرة فنية أيا كانت في الشعر أو النثر أو النحت أو العمارة لابد أن تقوم دائما علي إرث وتراث، وذلك بعد هضمها يمكن الانطلاق نحو التحقق من جديد". وكانت نتيجة هذه الرؤية كتب عديدة له منها "كتاب التجليات"، الذي يتعايش فيه الكاتب مع تجارب للصوفي المرسي في البرزخ - متون الأهرام - الذي نقدمه اليوم كنموذج علي قدرته علي طرح هذه الرؤية.
التعرف علي مسيرة العمل الروائي للكاتب جمال الغيطاني تتطلب رؤية متكاملة، ولحاجتنا إلي ذلك، سأحاول التعمق في بعض وجوهها الأكثر إشراقا.

ظهور رواية "الزيني بركات" الرواية الأولي للكاتب جمال الغيطاني يمكن اعتباره اليوم، كحدث كبير: اقتحام للرواية العربية التي نشعر بها كتعبير أدبي عن النهاية الفرعية لهذا القرن، تعبير أدبي، لا يرتبط بتقاليع أو طليعية مفترضة بل جاء كثمرة لامتزاج العناصر التي تشكل شيئا فشيئا العالم الهاجسي لرؤية قدرته الإبداعية المتسعة والحادة، فإذا كان المنهج البدائي للكاتب يجرب معارف مهضومة جيدا لجماليات متفرقة مكانية - زمنية ولأصوات روائية متعددة لبعض الكتاب الغربيين الرافضين للفرضيات المسبقة وقوانين أسواق النشر، فان روايته لاتعتمد علي الاشكال الأوروبية ولا الأمريكية اللاتينية - من كافكا إلي جارثيا ماركيز - كما هو معروف في هذه الحالة، بل يعتمد منهجا بنائيا نابعا من التراث العربي الثري في أدب الرحلات والروايات التاريخية كاشفة عن نضج وتناسق وبهجة مدهشة، وذلك علي خلاف العديد من الأعمال الروائية والشعرية المنتشرة في لغات أوروبية مختلفة جرت كتابتها لهدف نبيل لكنها تعتبر ممارسة عقيمة، لأنها ليست سوي إعادة ترجمة للمصادر التي استوحتها، فقراءة "الزيني بركات" في اللغة الأسبانية، من خلال الترجمة الدقيقة للمستشرقة "ميلاجروس نوين مونريال"، هذه القراءة لا تعدنا لخطاب مكرر تلعب فيه ألوان المكان: علي العكس من ذلك، تكشف لنا عن البحث عن تعبير جديد وخاص، يتغذي من الجذور العميقة الرائعة للأدب العربي.
وقائع "الزيني بركات" تحدث في مصر فيما بين 912 و 922 هجرية (1507 - 1517 ميلادية) والتي شهدت انحطاط الفترة المملوكية وهزيمتهم النهائية علي يد الغازي العثماني ومصادر الرواية التاريخية معروفة: بعضها سابق علي الفترة التي تقصها الأحداث، مثل تاريخ المقريزي، ومصادر أخري معاصرة للحدث، مثل "تاريخ مصر لابن اياس". ويمزج الغيطاني في الرواية شخصيات حقيقية، مثل الشخصية التي تحمل الرواية اسمها، بشخصيات أخري من وحي خياله، وأمانته في رواية وقائع ذلك العصر لاتعيقه عن ممارسة حرية التخيل، وهكذا، نجد أن المقاطع التي يختارها من شخصيته المتخيلة للرحالة الفينيسي "جييانيتي" الذي زار القاهرة عدة مرات في ترحاله في العالم الأفريقي الآسيوي مع بدايات القرن السادس عشر تساعدنا علي فهم الواقع الاجتماعي والسياسي لمصر المملوكية، لكنها تزيد من صعوبة فهم القاريء للأحداث نظرا لعدم النسق المتعمد للوقائع حسب ترتيبها التاريخي (922، 914، 917، 922، 913 هجرية)، وطبقا لجماليات التشتت، فإن النصوص المتضمنة في الرواية مكتوبة بضمير المتكلم والراوي الذي يقص الحدث من الخارج، وهذا الجانب الأخير تدور حول الشخصيات الرئيسية عدا شخصية الزيني (الطالب سعيد الجهيني، زكريا ابن رياض، رئيس بصاصي السلطان، الشيخ أبوسعود، والبصاص عمرو ابن العدوي) الأجزاء الأولي تعتبر رسائل لزكريا من خلال أوامر سلطانية وإعلانات وتقارير سرية وأحكام قضائية للسلطة الدينية، وخطب منبرية، ورسائل مرسلة بالحمام الزاجل، ووثائق غاية في السرية، ووقائع خاصة بديوان زكريا الخاص عن النصر علي العثمانلية، الخ، وهذا المجموع من الأصوات والسجلات التي تحتويها الرواية تقدم شكلا سيمفونيا موسعا حيث نجد درجات صوت السلطة الرصين - مقدمو البوليس، ورسائل البصاصين، والرسائل الرسمية - تتبادل مع الأصوات الجميلة للأصوات الرقيقة لمعاني رسائل السلطة إلي العامة: تعدد النغمات طبقا لمعناها عند "باخ"، أنها لحن يداعب أذان القاريء ويدعوه لترديده بصوت مرتفع.
تجزيء الرواية يجبرنا علي العودة إلي الوراء: لاعادة القراءة الخصبة. وهذه القراءة وحدها تسمح لنا استعادة طريق الصعود الصعب إلي السلطة الذي ساره الزيني بركات، محتسب القاهرة، الذي استقبله الشعب استقبال الأبطال بعد سقوط المحتسب السابق عليه والتعذيب البشع الذي لم يسبق له مثيل الذي تعرض له، وذلك بعد صدور الأمر السلطاني لتعيينه وتصريحاته باسم العدالة التي أقلقت رئيس البصاصين في السلطنة زكريا ابن راضي. فالصراع بين الرجلين يسبق بشكل ما العمود الفقري للرواية، شيخ الجامع الأزهر أبوسعود وتلميذه سعيد الجهيني كانا يثقان في توجهات الزيني الطيبة، ولذلك كانوا محط أنظار البصاص عمرو ابن العدوي التلميذ الأزهري الذي اخترق المكان لحساب زكريا ابن رياض، وبعد كل هذا فإن الأحداث التالية تتولي الكشف شيئا فشيئا عن الطموح والغباء واللعب المزدوج للزيني، تحالفه الاستراتيجي مع رئيس بصاصي السلطنة وصعوده المتواصل إلي المراتب الهامة والحساسة في السلطة. حب السلطة الذي لايعرف أي نوع من أنواع الوفاء، وأشياء أخري كهزيمة السلطان الغوري علي يد العثمانلية، وتثبيت الزيني في موقعه من السلطة علي يد الغزاة، والعالم الذي وصفه الروائي هو عالم الزعزعة والتغيير الدائمين، يرافقهما كما يقول: في الهواء ذمته، أهو الدخان الذي يظهر قبل قيام الساعة؟
الجند الغرباء يغتصبون الأبكار علي باب جامع المؤيد، ما الذي بقي اذن؟
يطول الليل، يصحو القوم فلا يلقون إلا ظلاماً مستمراً عتيماً. أول خيوط الضوء تدير العقول، ما الذي بقي إذن؟، وهو المعادل الموضوعي المصري للضجيج والغضب الشكسبيريين.
اختيار بطلين علي شاكلة زكريا ابن راضي والزيني بركات يغرق قاريء الرواية في قاع السلطة: سلطة فاسدة ديكتاتورية لغتها و "ايدلوجيتها" الدينيتين تخفيان ركائزها الحقيقية، القمع المفروض علي عامة الشعب - هذه "الغوغاء" أو "القطيع الذي يتجه إلي حيث يقودونه" - وذلك من خلال التجسس، والخطف والتعذيب والسجن ونشر الرعب العام، وشخصية زكريا ابن راضي، الحذرة داخليا وخارجيا بفضل الرسائل والتقارير السرية، شخصية ذات ازدواجية ومراوغة، تتمتع بالمكر والدهاء والذكاء لها قدرة علي السيطرة علي الآخرين، وتتميز بقوة مغناطيسية تجذب القاريء لتشابهها بشخصيات تاريخية اكثر قربا منه: قيادات ومنظمو هيئات تتمتع بنفوذ واسع كما كان "كي . بي. جي" أو علي درجة أعلي من التميز كما كان الحال في "سي. أي. إيه" علي أيام فوستر دلاس. زكريا ابن راضي قبل لقائه الفاصل بالزيني كان يقيم سلطته علي ركيزة الرعب المليء بالتعذيب والسجون، العنف الملتصق بسلطته يسيطر علي حياته بالكامل. ومسكن ملذاته النيلية عبارة عن سجن كبير تحت الأرض.
"تقدمه المشاعل مبروك، لايذهبان إلي السجن إلا نادر مرات قليلة خطا فوق الممر المعتم الضيق، في نهايته تجاويف صغيرة في الجدران الرطبة المبللة اللزجة، تضيق الفجوة بقاعة الانسان، السجين يضطر إلي اضاء ظهره عند الوقوف حتي لايصطدم رأسه بالسقف غير المستوي".
و"الفلسفة" المهنية لزكريا، قائد هذا العش الصغير بحرسه الأخرس، والعقاب الجسدي والقتل المجاني، يرتكز في جملة يمكن أن تكون اكثر التصاقا بشخصيات كتلك التي حكمت أسبانيا من خلال محاكم التفتيش".
وهكذا بدلا من بتر الانسان حيا أحوله وهو يمشي علي نفس قدميه ويحرك ذراعيه ويتحدث بلسانه فيناديه الناس باسمه لكنه في الحقيقة شخص آخر وانسان ثان..
بعد ذلك، تزداد مناهج زكريا إحكاما باتباعه لنصائح الزيني صاحب أتباع الطرق الأكثر تقدما والأكثر نجاعة في التعذيب، وخلال خطابه أمام اجتماع البصاصين القادمين من جميع أنحاء العالم، سيلاحظ مثل بطل :الصفر واللانهاية" أن: لحظة الضرب أو التعذيب نفسها لاتؤلم يا ممثلي سير الكون، إنما ما يؤلم انتظار الانسان لهذه اللحظة بعينها.. عند تعذيب شخص ما الذي ينتظره اكثر من هذا؟ لكن المهم أن يعتبر في انتظار دائم هذه اللحظة..".
رغم أن رئيس البصاصين في السلطة يتراجع دائما أمام الضغوط العنيفة - اغتصاب وقتل شعبان غلام السلطان المقرب أو "وسيلة" عشيقته هو شخصيا - بسبب شكه فقط في انهم "عملاء مزدوجون" - فإن موهبته تدفعه إلي تخيل عالم مستقبلي متشابه بشكل كبير مع اليوتوبيا المرعبة لزماياتين واورويل. وبعودته إلي هذه الفترة الزمنية التي تزيد علي أربعة قرون، فان الغيطاني يكشف هدفه: استمرار الرعب والقمع الظلم، وقدرة الإنسان علي اكتشاف أشياء علمية وتقنيات فنية لكنها تتعارض مع مفاهيمه وقيمه، فالقمع الذي يفرضه الحكام المصريون علي الشعب المسلم المؤمن لايختلف كثيرا عن ما فرضته محاكم التفتيش الأسبانية علي أولئك الذين تم تنصيرهم بالقوة ولايختلف عن ما توصل إليه ستالين من فنون التعذيب والعقاب.
يتفاخر زكريا بأنه عين وأذن السلطان:
آلاف من الرجال والنساء والاطفال......
وباقي الجيران، فانه يعلم بها علي الفور".
إضافة إلي تشوقه إلي إقامة مدينته الفاضلة التي وصفها الفارابي وتوماس مور، تلك الأفكار تطارده وتحاصره وتسكن لياليه وتحرسه طوال يوم عمله، تماما كمنافيه الذين يحلمون بأدوات وتقنيات ما كان لها أن تتحقق لسوء حظنا إلا في القرن العشرين، إنها كابوس حقيقي:
.. إنني أري يوما يجيء فيمكن للبصاص الأعظم أن يرصد حياة كل انسان منذ لحظة ميلاده حتي مماته ليس الظاهر فحسب، إنما ما يبطنه من خواطر، ما يراه من احلام، لهذا نرصد كل شيء منذ مولده، نعرف اهواءه ومشاربه بحيث نتنبأ بما سيفعله في العام العشرين من عمره مثلا، فنستطيع منعه أو دعمه قبلها وإذا ما سئل انسان عن الحقيقة الأولية فانكرها يمكن للبصاص استعادة الموقف كاملاً من الزمن فيواجه به من أنكر، أري يوما يجيء فيمكن للبصاص استعادة الموقف كاملا من الزمن فيواجه به من أنكر..".
سنعمل جميعا للتوصل إلي تحويل الإنسانية جميعها إلي بصاصين".
إنها أحلام حققتها محاكم التفتيش تماما كالتي وصفها "جيلمان" عندما أعاد تشكيل المناخ العائلي المحيط ب كفرناندو روخاس" والتي كانت بمثابة العمل الروائي الكبير حول المجتمعات الشمولية التي قامت في قرننا - الذي يوشك علي الرحيل: رقابة إلكترونية للمواطنين يطلقون عليها اسم المجتمعات الديمقراطية - التي لاتتردد في استخدام تلك الأدوات الحيوية لتحقيق التجارب العلمية - ممارسة القمع تحت اسم تحقيق المساواة أو العنصرية - كما في الاتحاد السوفيتي أو ألمانيا النازية - واستخدام أشكال أكثر تطورا في التعذيب في الأنظمة الدكتاتورية، من أول تروخيو إلي العصبة الأرجنتينية إلي ماثياس نجيما وتيودور اوبيانج في غينيا الاستوائية، هذا علي سبيل ذكر القليل من الأمثلة - بينما كان الفارابي وتوماس مور تصورا المدينة الفاضلة من خلال الإيجابيات، وثقة حازمة لاتقبل الشك في تنمية وتنقية القدرات الأخلاقية للبشر، فإن جمال الغيطاني يبدو اكثر شكا في النيات الطيبة والجادة أو المفترض أنها جادة في هذا الاتجاه والتي تترك مكانها للممارسة الواقعية التي تؤكد عكس ذلك وهو ما يكشف عنه تطور حياة الزيني بركات البشرية عندما تتمرد ضد القمع المسيطر عليها، تفعل ذلك من خلال تطلعات نبيلة، لكن حركتها سرعان ما تنجب أنظمة قمعية وخانقة جديدة، هذا التشاؤم في رؤية توجهاتنا يعبر عنها تشومسكي بقوله: "أنها برمجة جينية"، والتي لامهرب منها كما سنري فيما بعد إلا بالتصوف، الذي يجمع بيننا وبين "حديقة الحيوانات" وبين مؤلف "القوادة".
إن لقاء وتمازج تطلعات رئيس بصاصي السلطنة بتطلعات محتسب القاهرة يعتبر تحالفا قاتلا للآمال التي علقها الشعب والطبقة الشريفة علي المحتسب، وتوثر بشكل عكسي يتعلق رئيس البصاصين بأشكال جديدة ومتطورة من القمع والسيطرة.
يقول الزيني: "أساس عملنا إرساء الأمن.. والعدل في ربوع السلطنة وسأقصر حديثي الآن علي دائرة اختصاص (القاهرة والوجه البحري الذي أضافه السلطان إلي نظارة حسبتي أخيراً، أما فيما يخص ربوع الشعر فهذا أمر أنت عليم به، خبير فيه، ولا أقر عليه، وحتي يستقر العدل في ربوع مصر لابد من اقامة اسس قوية ودعائم متينة... سواء عن طريق العامة أو رجال الدين".
بينما كان الزيني ينمي وبإحكام صورته كرجل صالح ومتواضع لا يخاف إلا الله، كان يحرك بمهارة احترام نائبه زكريا عبر الاعلانات العامة والبصاصين وعبر صخب المؤمنين بالمسجد: "زيني، زكريا قواكما الله وحماكما" وحقيقة هذا التحالف غير المقدس نجدها في جملة علي لسان زيني في اليوم الذي يكتشف فيه اللعبة ويوقع الاتفاق مع غريمه:
"أنت، كنائب للحسبة ولي في جميع ما أتولاه من مناصب (قررت هذا أخيراً.. ومما يلحق بي اليوم يلحق بك غداً وما يمسني يمسك".
هذا اللعب بالمصالح في "في المياه الباردة للحساب الأناني لايعرف الوفاء علي الإطلاق، ورع وغيرة الزيني وزكريا في خدمة السلطان الغوري والأمراء المماليك تنتقل عبر أتباعهم بلا مواربة، وعندما يتم احتجاز الزيني وتجريسه علي يد الشيخ أبو سعود ومريديه كعقاب عادل لتجاوزاته وفساده ونفاقه، يحرك زكريا جيشه من المنادين والبصاصين لرفض الخطأ الذي وقع فيه وإعلان الولاء للرجل "المستقيم العادل" الزيني واتهام الشيخ قطب الشرفاء بكل أنواع الاتهامات والجرائم، ويعلنون مكافأة لكل من يسلمه حياً.
في وسط كل هذه الأحداث التي تجري حول الوقائع المروية في الرواية، نجد شخصية سعيد الجهيني تلميذ ومريد الشيخ يقع في حب ابنة الشيخ، وهو ما يمثل استثناء مضيئا، فهو تلميذ حساس تجاه دعوة القطب - "يا الهي، اجعل حكامنا من أفضل رجالنا وليس من أسوأهم" يحلم بعالم منعتق من الدكاتورية البؤس، لاتكون فيه عيون الأطفال :وطنا للذباب".
يثق سعيد الجهيني بداية في توجهات الزيني فيسر إليه بأحلامه قبل أن يقنعه هذا بازدواجيته، ولكن النتيجة النهائية المؤلمة التي يصل إليها إن "الظلم كنار المجوس الأبدية"، لايتراجع أمام خطر مقاطعة خطبة المسجد ويتهمه بالنفاق، والكوابيس التي سيعانيها لاتخرسه، وتعلقه الجميل بالشهيد الحسين ابن المنصور الحلاج، هي بذرة الفريضة الأخلاقية في مواجهة تدمير التاريخ الذي ينمو وتصل إلي أن تكون الشجرة الظليلة في أعمال الغيطاني الروائية التالية، من "كتاب التجليات" الذي لم يترجم بعد إلي أي لغة أوروبية إلي أحدثها "منون الأهرام".
"الفضيلة تظل خبيئة والعربدة والشر مكشوفان بكل فجور. أين المفر؟ أي الطرق نسلك؟" قاريء الزيني بركات لايجد إجابة شافية لأسئلة سعيد، والغيطاني لايحاول الإجابة عنها. إضافة إلي النقد الواضح الصريح في مسيرته الروائية الثرية التي تتفق مع ما طرحه قبل ربع قرن المعلم الخالد امريكو كاسترو، في المراسلات التي جرت بيننا: "الثقافة العلمية الغالبة اليوم، لاتوازيها أي ثقافة أخلاقية".

"وقائع حارة الزعفراني" تبدو لأول وهلة كرواية مقلدة لروايات نجيب محفوظ: تتجسد فيها كل عناصر رواياته المعروفة، سكان الحارة - شخصياته الكثيرة عبارة عن عينات لشخصيات الحارة - يلعبون أدوارهم في بطولات جماعية، ووحدة المكان - بيوت القاهرة القديمة المتعرجة - تمثل النواة التي بتدأ منها الحكاية، المقهي الشهير والمشاجرات والحسد بين الجيران، والشخصيات التي تمثل جميع طبقات الشعب المصري - حتي أكثرها شذوذا وغرابة - تجد مكانها بسهولة في الفراغ الروائي الحميم، ذلك الفراغ الذي يضاف إليه التشويه الذي أصابه بسبب الحلقات التليفزيونية التي تدعي تقديم المناخ الشعبي القاهري.
في الحقيقة فإن ملامح سكان الحارة والواقعية التي تصف تفصيلاته يمكن القول انه ديكور معد مسبقا بالرواية، واستخدمه العديد من كتاب السيناريو غير الموهوبين، لكن الغيطاني يدخل واعيا طرقا مطروقة ويضع حكايته في أشكال واضحة المعالم، لكن، نكتشف علي الفور انه يتعامل مع القواعد الظاهرية للرواية لكنه يضيف إليها عناصر تفجرها وتكشف تخلفها الواضح واختلافه معها، انه "الوهم الواقعي" الذي يفضي في الإحباط في الوقت نفسه يكون "الوهم" الذي نحاول الكشف عن طبيعته.
توزيع أدوار شخصيات الرواية يخضع، طبقا للمشروع الروائي الواقعي، لذوق وتطلعات مريديها، لو تابعنا مثلا قائمة لبعضهم: تكرلي الموظف الحكومي، الذي يعيش علي مفاتن زوجته إكرام، وداتوري، صاحب المقهي، الذي يسكنه حلم بناء عمارة حديثة وتأجير شققها، وبنان وزوجته، ضحايا ذكري الابن الغائب، وعاطف، الجامعي بروحه الجريحة بسبب طلاق وهروب زوجته رحمة، وقرار، الموسيقي بحمل الرغبة في حلم الشهرة المفتقدة، ورأس الفجلة، بائع التحف الثري ومحل السخرية والحسد بسبب تركيبه الجسماني المشوه وزواجه من الصبية الجميلة فريدة، ورمانة، المثالي المسجون لفترات طويلة بسبب نشاطه الشيوعي، وحسن أنور، مستخدم الملكية القديم، الذي تنتهي به أسطورته كفارس عسكري إلي التهميش، وعويس، جبار الصعيد المتواضع، الذي يستغله صاحب.... لإرضاء زبائنه المفضلين... إنها عينة لها دلالاتها الخاصة جدا، وساكن الحارة الوحيد الذي لم يصفه الكاتب هو صاحب الشخصية الأساسية في الرواية، الذي يحرك الخيوط من خلف الستار، ويرسم المصير المأساوي الساخر للآخرين: انه الغامض - نبي، منقذ، ثرثار، عراف؟ - الشيخ عطية، يخفيه الغيطاني عن أعين المتطفلين ولايسمح لنا إلا بسماع رسائله عبر وسيط مشكوك فيه وفي أمانته.
الأسلوب الذي اختاره المؤلف - تعدد وجهات النظر، وجمعية الخطاب، إعادة نشر مذكرات ووثائق سرية - تخفف عن قصد من سرعة إيقاع الحدث. كما لو كان الغيطاني وضع في حسباته النصيحة الجيدية (نسبة إلي اندريه جيد) التي ذكرها في "يوميات حوافظ النقود المزيفة": لا يجب أبدا استغلال السرعة التي يفرضها وقع الكتابة. بعد أن يتم عرض الكلمة أو وضع خطوط ممثلي الدراما المختلفة، يعود إلي نقطة البداية، ولايضيف سوي ما يمثل تعددا: باستخدام بناء دائري تقترب ذروته كما في تجسيد نغمات "رقصة رافيل" الشهيرة.
الحدث الذي يزعزع الوجود الهش لسكان حارة الزعفراني - كما لو كانت أحجارا ألقيت إلي مائها الساكن فتنتشر دوائر أمواجها رويدا رويدا وتصل إلي أقصاها علي هيئة مرعبة - هو حدث غريب ومقلق في الوقت نفسه: كل سكان الحارة يفقدون قدرتهم الجنسية. يتوقف الأزواج عن القيام بواجباتهم الزوجية، عشاق اللحظات العابرة أو عشاق التسرية يغرقون في خوفهم ويكتشف صبي الحمام عدم قدرته علي الوفاء بطلبات زبائنه الذين يحاصرونه. المصيبة التي حلت بهؤلاء الضحايا تتكشف رغم الحرص الشديد علي كتمانها. فتسوء العلاقات الزوجية وتتحول إلي شد دائم والزوجات المهجورات تندبن حظهن والهمسات تنتشر وتنتقل إلي الأحياء الأخري، وأصل الشر يتعلق بسبب غير طبيعي ولا سبيل إلي الشفاء منه، لكن يمكن تفاديه سرا لأنه من سحر الجبار الشيخ عطية، الأمل في الشفاء قائم لان العجز مفروض كعقاب يقع علي الذين حادوا عن "الطريق القويم" وساروا في طريق الرذيلة، ويمكن للشيخ أن يوقف مفعوله لو اتبعوا أوامره وساروا في طريق الفضيلة. عويس، صاحب الحمام يصبح المنادي الذي ينقل أوامره ويبلغ طلباته. ضحايا السحر يتبعون خانعين كل علي طريقته الأوامر الجديدة. يعتقدون أن الشيخ مطلع علي أسرارهم عبر الحوائط، ويسمع همساتهم، ويتنبأ بأفكارهم، يقرأ ما في صدورهم. لا أهمية من أن تكون أوامره متعسفة أو عبثية: فرض حظر التجول، الساعات المحددة لتناول الطعام، التفريق بين الجنسين. الخضوع لقائد العهد الجديد يزداد حتي يخرج عن نطاق الحارة: من تطأ قدماه الحارة، لاتمر عليه دقائق حتي يصاب بالعجز مثلهم ولا تستطيع الأدوية المستوردة من أوروبا أو الولايات المتحدة أن تعيد إليه انتصابه ولا القدرة علي القذف. وما أن انتشر النبأ المأساوي في كل القاهرة حتي وجد سكان حارة الزعفراني أنفسهم محاطين بحجر صحي خفي، كما لو كان قد أصابهم الطاعون أو تم وضعهم في حجر صحي: لم يعد يدخل حارتهم لا ساعي البريد ولامحصل البوتاجاز ولامحصل الكهرباء، ولم يعد يقبل علي حارتهم الباعة الجائلون، ولم يخاطر بزياراتهم لا الأصدقاء ولا الأهل ولا الأقارب. وتسري إشاعة تتحدث عن وجود شخص واحد لم يطبق عليه عقاب العجز الجنسي، وهذا يطلق عنان الغيرة والاتهام بالخيانة المتبادلة بين الرجال، ويفتح الباب أمام فضول الزوجات للبحث عنه والتعرف عليه والتمتع معه بالمغامرة. فتنتهي بعض الزيجات بالطلاق، النساء المهجورات يبحرن في رغباتهن والرجال المهانون يلتهمهم الضياع.
طبقا للبناء الروائي الدائري للمؤلف، فان نتائج العقاب تنتشر وتخرج عن السيطرة،


انقر هنا لقراءة الخبر من مصدره.