مثلما تعرف إسرائيل أنها لاتستطيع القضاء على حركة حماس فى غزة، فإن يقين حماس أيضا أن قدرتها العسكرية لايمكن أن تنهى إسرائيل أو تجبرها على فك الحصار أو تصل بها الى حلول قهرية لا ترضى بها إسرائيل إلا بالقوة والإجبار، غير أن تهديدات حماس بتفجير بركان الدم لا تقل حدتها ولا تهدأ. ومن خلال تهديدات مماثلة تصاعدت خيوط الدخان من على أرض غزة المنكوبة ثلاث مرات سابقة، وأزهقت آلاف الأرواح البريئة، وانتهت كل جولة إلى استمرار الوضع السياسى والعسكرى المتأزم، من حصار إسرائيلى غاشم برا وبحرا وجوا إلى تفاقم الأزمات على المواطن الغزاوى واستمرار تردى الأوضاع المعيشية للسكان، وحالة الإنقسام الفلسطينى بين غزة والضفة. وعقب كل جولة مرت على غزة تدق حماس الطبول وتقيم الأفراح إحتفالا بانتصارها الساحق وتلقينها العدو الإسرائيلى درسا يجعله لا يفكر مستقبلا فى الحرب. وأيضا يقيم نيتانياهو وقادة الحرب الصهاينة مراسم الأفراح ويتبادلون التهاني، ويزفون للمواطن الإسرائيلى انتصارهم الساحق على حماس وكسر ذراعها الطويلة وانهاء تهديداتها نهائيا على الجنوب الإسرائيلي. ولكن لتكرار المسرحية الهزلية التى تحصد أرواح آلاف الأبرياء لم تعد مظاهر إدعاء الفرح مجدية، فتواجه حكومة حماس ارقام الشهداء وعدد المشردين الذين تهدمت بيوتهم، ويواجه نيتانياهو إتهامات بدخول الحرب لأسباب انتخابية، غير فضائح العمليات الفاشلة أثناء الحرب على صفحات الجرائد والأرقام الحقيقية للقتلى فى الجيش الإسرائيلي. عقب آخر مواجهة “الجرف الصامد” 2014 دارت التفاهمات غير المباشرة عن مطار وميناء لغزة مقابل تسليم سلاح الفصائل وبضمانة تركية وقد فشلت بالطبع لأن حماس لا تثق فى إسرائيل ولا يمكن أن تقيم معها عهدا، بخلاف أن حركة حماس رغم انها المسيطر الحاكم فى قطاع غزة فإن تسليم السلاح من فصيل مثل حركة الجهاد أمر غير وارد وغير قابل للتحقيق ولا تملك حماس فرضه على الأرض. وهكذا ذهب مشروع إعادة الإعمار أدراج الرياح وبقى الوضع المتأزم للحصار الخانق سيد الموقف، بما يدفع بالحديث إلى الحرب وكأن قدر غزة أن تستمر فى النزيف وتصبح ميدانا للرماية أمام الجيش الإسرائيلى وساحة للتدريب يجرب فيها وسائل القتل والتدمير الحديثة. ويأتى تصريح نائب رئيس المكتب السياسى لحركة حماس فى خان يونس ليسكب الزيت على النار بأن “الحركة ستذهل العالم فى قوتها فى أية معركة قادمة مع الإحتلال وأن الكتائب تراكم قوتها من فوق الأرض وتحتها” وقد اعتبر بعض المراقبين هذا التصريح بمثابة إعلان حرب، وعلى الجانب الآخر يبدو الحديث الإسرائيلى المتصاعد عن الأنفاق بهذه الحدة لتأهيل الشارع الإسرائيلى لمواجهة أصبحت وشيكة مع الحديث شبه اليومى عن رصد التجارب الصاروخية التى تجريها كتائب القسام فى البحر. وكما أعلنت حركة حماس الشهر الماضى تشكيل وحدة الظل أعلنت إسرائيل أيضاعن وحدة كوماندو من أربع قوات خاصة تعمل خلف خطوط مقاتلى حماس، وعلى الجانب الفلسطينى تعلن حركة حماس أن المعركة القادمة ستكون خلف خطوط العدو. وكأن إسرائيل قد أتمت دراسة التجربة التى فقدت فيها أكثر من سبعين جنديا واستخلصت العبر، أو تريد استكمال العدوان لسد تلك الثغرات التى ظهرت، ففى محاضرة له تحدث إيال ايزنبرج قائد الجبهة الداخلية الإسرائيلية بمعهد أبحاث الأمن القومى بجامعة تل أبيب قائلا: “إن العملية الإسرائيلية الأخيرة فى غزة لا تشبه بأى شكل من الأشكال سيناريوهات المعركة الكبرى التى يستعد لها الجيش فى المرحلة القادمة. إذن لدى إسرائيل نية لشن عدوان يعززه الكثير من التصريحات والتجهيزات”. وبالمقابل فإن تجهيزات حركة حماس بادية للعيان من حفر انفاق وشبكة اتصالات وتجارب صاروخية والتصنيع المتسارع الذى تناولته تقارير إسرائيلية ، كل طرف يبدو كأنه يسابق الزمن و يضع خططه وأدواته وتظهر الأسابيع الأخيرة كأن الطرفين أنهيا استعدادهما إلى مرحلة التهديد والإعلان عن الجهوزية وتأهيل الرأى العام، وبدأت إسرائيل بتضخيم قدرات حركة حماس وهو تقليد يسبق العدوان لإقناع المواطن الإسرائيلى بجدواه وضرورته، ويبدو خروج الحكومة للحرب كاستجابة للرأى العام وبقيت فقط الشرارة لبدء المعركة. وقد وصل أبو عبيدة الناطق باسم كتائب القسام الجناح العسكرى لحركة حماس على متن دبابة مدفعية رفع عليها شعار القسام للمشاركة فى مهرجان تأبين الشهداء السبعة الذين قضوا داخل نفق شرق مدينة غزة، وحذر الإحتلال الإسرائيلى من الإقدام على أى حماقة ضد الشعب الفلسطيني، وقال إذا ما أقدم الإحتلال على أية حماقة ضد شعبنا وأرضنا، فإن المقاومة ستزلزل الأرض من تحت أقدامه، وتفاجئه بما لم يحسب له أى حساب، وأن الإحتلال سيجد نفسه فى نهاية الأمر مرغما على الخضوع للأمر الواقع. وجاء رد وزير الحرب الإسرائيلى موشية يعلون, خلال مقابلة مع الإذاعة الإسرائيلية العامة بأنه مقتنع بأن اسرائيل ستتغلب على موجة العمليات وهذا لا يعنى أن الصراع انتهى ولكننا سننتصر فى النهاية. اما فيما يتعلق بالشكاوى التى تقدم بها سكان الكيبوتسات المحيطة بقطاع غزة حول سماعهم أصوات حفر تحت منازلهم, فقد قال يعلون نحن نفحص كل شكوى تقدم لقوات الجيش و لم نعثر على أية أنفاق. وقد صعد سكان مستوطنات غلاف غزة انتقاداتهم للحكومة الإسرائيلية، واتهموها بالتردد والعجز عن معالجة أنفاق غزة وتركهم بحالة رعب لحد فقدان القدرة على النوم تحسبا من مهاجمتهم فى بيوتهم.فيما يحاول الجيش طمأنة أهالى المستوطنات الخمس والثلاثين المجاورة للقطاع. واتهم عضو الكنيست حاييم يالين المقيم فى واحدة من المستوطنات المجاورة لغزة رئيس الحكومة بنيامين نيتانياهو ووزير الأمن موشيه يعلون بالتراخى والعجز عن مواجهة الأنفاق أو بناء ما يحول دون بلوغها المستوطنات، وشكا من أن الحكومة تتيح دخول 850 شاحنة بضائع ومواد من إسرائيل إلى غزة يوميا تساعد فى بناء الأنفاق، وانضم رئيس المعارضة يتسحاق هرتسوج للانتقادات الموجهة للحكومة ودعاها لمهاجمة الأنفاق الآن، وكشفت صحيفة يديعوت أحرونوت أن الحكومة تواجه معضلة بين مهاجمة الأنفاق فورا أو التريث حتى الجولة المقبلة من المواجهة. ويشار إلى أن الأنفاق الفلسطينية من غزة كانت واحدة من أهم المفاجآت التى استخدمتها المقاومة خلال العدوان الإسرائيلى الأخير واعتبرها معلقون إسرائيليون بارزون دليلا على تفوقها وإبداعها مقابل ما وصفوه بالجمود الفكرى الملازم للجيش الإسرائيلي.