بعد ان احتفلت مصر بالعيد الخامس للثورة, يظل البعض يتساءل عن اهداف الثورة والى اى حد تحقق القدر الطلوب منها, وتأتى العدالة الجتماعية على رأس هذه الاهداف. ولا شك أن الاجابة على هذا السؤال بالتحديد تكمن فى الأثار الاقتصادية لتوزيع واعادة توزيع الدخل القومى والتى تتوقف على الاتجاه الذى تتم فيه عملية التوزيع وإعادة التوزيع. فتجد فى مجال التوزيع تسعى الدولة من خلال الدستور والقوانين الى وضع حدود للمرتبات وتقليص الفوارق بين الرواتب الحكومية, اما عن اعادة التوزيع فتجد انها ان تمت فى صالح الطبقات الغنية مثلاً تؤدى إلى انخفاض حجم الاستهلاك وإلى ارتفاع حجم الادخار، وذلك لأنها تحول جزءا من الدخل القومى الى الطبقات مرتفعة الدخل ذات الميل المنخفض للاستهلاك. وهذا أمر تفسيره بسيط وهو انخفاض حجم استهلاك الطبقات المحول منها (الفقراء) وعدم ارتفاع استهلاك الطبقات المحول إليها (الأغنياء) ارتفاعاً يذكر أو يعوض النقص فى انخفاض حجم استهلاك الطبقات ذات الدخول المحدودة وهو ما يعنى انخفاض حجم الاستهلاك العام فى صالح ارتفاع حجم الادخار العام. والحق أن الرغبة فى رفع الادخار العام هى أحد أهم عوامل دفاع الحكومة عن سياسة إعادة توزيع الدخل القومى فى صالح الطبقات ذات الدخول المرتفعة فى مرحلة النمو الاقتصادى فى مصر الآن، وعلى عكس ما قد يتصور البعض ، من أن سياسة إعادة توزيع الدخل القومى عندنا تصب فى صالح الطبقات ذات الدخول المحدودة. يحقق نفس الغرض بل و يحقق ايضا قدرا كبيرا من العدل الاجتماعي. ويظهرعكس هذا المنهج واضحاً فى أدوات سياسة إعادة توزيع الدخل القومى المصرى فى صالح الطبقات ذات الدخول المرتفعة ، بعدم زيادة الضرائب المباشرة (إلى الحد الأمثل للضريبة)، والتوسع المستمر فى الضرائب غير المباشرة، وتقليص وإلغاء الدعم على بعض السلع الأساسية ، إلى جانب التوسع فى إعطاء إعانات اقتصادية كبيرة لبعض فروع الانتاج رغبة فى العمل على تشجيعها عن طريق رفع معدلات الربح فيها, بهدف استيعابها لقدر من البطالة المنتشرة. وهنا يجب أن نشير إلى أنه ليس من الضرورى، فى سبيل إعادة توزيع الدخل القومى فى صالح الادخار، أن تقسم إعادة توزيع الدخل القومى فى صالح الطبقات ذات الدخول المرتفعة، أى أن تتم فى الاتجاه «الرأسمالى النفعي» على حساب الطبقات ذات الدخول المحدودة، بل يمكن أن تكون إعادة التوزيع فى صالح «الدولة» أى أن يكون الادخار لصالح الدولة، على أن تقوم هى بتوجيه الاستثمار أو تستثمر بنفسها فى مجالات محددة لمنع الممارسات الاحتكارية وانتاج السلع الاقتصادية والاجتماعية للطبقات الأكثر احتياجاً وغير القادرة من متوسطى ومحدودى الدخل، وهذا ما سوف يؤدى إلى إعادة توزيع الدخل فى صالح الدولة والطبقات الدنيا، دون خفض الادخار القومى. ويأتى الاتجاه المضاد لهذا الفكر، مطالباً بإعادة توزيع الدخل القومى فى صالج الطبقات ذات الدخول المحدودة تحت مسمى «عدالة توزيع الدخل القومى - المحققة للعدالة الاجتماعية» حيث يؤدى هذا الاجراء إلى إعادة توزيع الدخل القومى فى صالح الطبقات ذات الدخول المحدودة، أصحاب الميل العالى للاستهلاك، إلى زيادة الاستهلاك القومى (وهو ما يعنى أيضاً انخفاض الادخار القومي) عند ثبات الدخل القومي. أى فى حالة التشغيل الكامل (مثل الدول المتقدمة) أو فى حالة عدم مرونة الجهاز الانتاجى بالقدر الكافى (مثل الحالة المصرية). ويفسر البعض ارتفاع الاستهلاك فى مصر كنتيجة لإعادة توزيع الدخل القومى فى صالح الطبقات محدودة الدخل، بأن الميل للاستهلاك لدى هذه الطبقات مرتفع جداً، إذا ما قورن بالطبقات ذات الدخول المرتفعة (صاحبة الميل المنخفض للاستهلاك). ولكنى لا أعتقد أن أحداً من رواد هذه المدرسة او تلك سوف يجادل فى ضرورة رفع دخول الطبقات المتوسطة والمحدودة والفقيرة فى مصر وذلك لمقتضيات اجتماعية واقتصادية وحتى سياسية. أما عن أهمية رفع الاستهلاك القومى من واقع الأثر الاقتصادى وحده، فإنها تتوقف بالأساس وكما قدمنا، على مستوى النمو الاقتصادى وفتح استثمارات جديدة ورفع معدلات الناتج المحلى الاجمالى، إلى جانب خلق آلية واضحة لسياسة التشغيل لحل مشكلة البطالة وخلق وظائف بدخول حقيقية جديدة . ولذلك يجب أن نحدد ونحن فى صدد رسم السياسة الاقتصادية الخاصة بإعادة توزيع الدخل القومى فى مصر والتنمية المستدامة ومعالجة نقص المدخرات القومية ودراسة أهمية رفع الاستهلاك القومى، أن نفرق إذا كانت مصر دولة متخلفة كما يدعى البعض أم دولة آخذة فى النمو كما نراها نحن معشر الاقتصاديين ، حتى يمكننا أن نكيف السياسات الاقتصادية الملائمة للمرحلة. لمزيد من مقالات د. أيمن رفعت المحجوب