كثير من الناس لا يتسنى لهم العمرة إلا مرة واحدة لبعد بلدانهم ولغلاء تكلفة العمرة، فكانوا إذا اعتمروا عمرة لهم تحللوا، ثم خرجوا إلى التنعيم ليهلوا بعمرة جديدة عن أنفسهم أو أقاربهم من المتوفين. ويتوافد المعتمرين وزوار بيت الله الحرام على لجان الفتوى والوعاظ ومكاتب الإرشاد الديني بالحرم المكي الشريف بحثا عن إجابات شافية حول جواز تكرار العمرة عن النفس أو الغير في اليوم الواحد، وكثير من المعتمرين يسألون بعض مرافقيهم حتى وان كانوا من غير أهل العلم، وتتعدد الأسئلة حول مشروعية أداء العمرة عن فلان الحي، أو لقريب متوفي. وتأتي الإجابات مغايرة في كثير من الأحوال فمنهم من يفتي بأن تكرار العمرة لم يكن من فعل النبي صلى الله عليه وسلم، والأفضل ترك ذلك لما فيه من المشقة، ولما فيه من المزاحمة للناس، وانه يشترط لأداء العمرة عن الغير الإقامة بمكةالمكرمة ثلاثة أيام، ومنهم من يؤكد أنه يجوز أن تؤدي العمرة بعد حلاقة الشعر مباشرة. ومنهم من يقول إنه لم يرد عن النبي، صلى الله عليه وسلم أنه أجاز العمرة عن قريب أو غريب، ولكن الذي يجوز بالفعل هو أن يطوف المعتمر نيابة عن المتوفي سبعة أشواط ثم يقوم بأداء ركعتين في الكعبة والدعاء للمتوفي. وهذه الفتاوى المتباينة كثيرا ما تثير البلبلة بين المعتمرين، وتجعلهم في حيرة من أمرهم، أي الفتاوى يتبعون، وبأي الآراء الفقهية يلتزمون، وهل الأولى تكرار العمرة عن أنفسهم وأقاربهم أحياء كانوا أم أمواتا؟ أم ألأولى الطواف حول الكعبة والدعاء وقراءة القرآن للمتوفين؟ وبعرض هذه الأسئلة على كبار علماء الأزهر أكدوا أنه يجوز للمعتمر فور الفراغ من أداء عمرته وتقصير الشعر الذهاب إلى ميقات الإحرام بمكة، وعقد نية لعمرة مماثلة عن أبيه أو أمه أو أي من أقاربه المتوفين، أو الأحياء الذين أقعدهم المرض أو ضيق ذات اليد عن السفر لأداء المعمرة. ويقول الدكتور نصر فريد واصل مفتي الجمهورية الأسبق، وعضو هيئة كبار العلماء، إن العمرة تجوز على الإنسان وبنفسه وعن نفسه ثم بعد ذلك عن غيره، والشرط في ذلك أن يكون المعتمر قد أتم عمرته كاملة وتحلل منها ثم خرج إلى التنعيم بعد التحلل من عمرته عن نفسه، ثم يقوم من جديد بتجديد النية وبداية عمرة جديدة عن فلان بن فلان سواء أكان حيا أو ميتا بشرط أن يكون الغير عاجزا عن الوصول إلى مكة أو غير قادر مادياً أو جسديا، وبالتالي فإن أداء العمرة عن الميت سواء من الأقارب أو من الغرباء عن المعتمر فلا بأس. وأضاف: إن القول بضرورة الإقامة ثلاثة أيام بمكة حتى يصبح المعتمر من أهلها ليس صحيحاً، ولكن المهم أن يقوم المعتمر بالتحلل من عمرته الأساسية، ثم يبدأ بالذهاب إلى التنعيم للقيام بعمرة عن الشخص المراد عمل العمرة له، فإذا كان حيا يجب إخباره قبل العمرة، أما إن كان متوفى فليس هناك إذن في ذلك وتحتسب عند الله عمرة كاملة ولا بأس في ذلك. ويستدل الدكتور واصل على هذا الرأي بقول النبي صلى الله عليه وسلم حين سألته امرأة: (إن أمي ماتت وعليها حج، أحج أنا عنها؟ قال نعم حجي)، فالرسول أجاز أن يحرم الحي عن الميت، وأيضا الفقهاء أجازوا كذلك النيابة في الإحرام عن الميت بشروطها المعروفة، مع استيفاء الأركان وأن يكون المعتمر أو الحج أهلا لذلك، وأن يكون مكلفاً وبالغا وعاقلا حتى ينوب عن غيره، ويجوز أن يبدأ النية من مكة، لأن هناك من يقول أنه لابد أن تكون النية في مصر، ويكون الغير على علم إذا كان حياً وغير قادر سواء مريض أو لظروف تعجزه عن السفر، فلا ينوب عن حي إلا أن يوكله في هذا، أما الميت فيجوز عنه قريب أو بعيد والميت لا نطلب منه الإخبار في ذلك، وأهم شيء في العمرة أو الحج بالنيابة هو النية، ومجرد حلاقة جزء من الشعر يكون حقق الواجب المطلوب منه، فلا يحتاج منه أن يحلق شعره كاملاً، وأثناء حلق الشعر أو تقصيره يكفي جزء منه ولو قليلا، والأفضل في العمرة الحلق لجميع الشعر، والتقصير يجوز فيه جزء من الشعر، قل أو كثر. واجبة كالحج من جانبه يشير الدكتور محمد رأفت عثمان، أستاذ الفقه المقارن بكلية الشريعة والقانون بجامعة الأزهر وعضو هيئة كبار العلماء، إلى أن العلماء مختلفون في العمرة هل هي واجبة أو مستحبة، ومعنى الواجب ما يثاب الإنسان على فعله ويعاقب على تركه، وأما المستحب فيثاب الإنسان على فعله، ولا يعاقب على تركه، والراجح أن العمرة واجبة كالحج، يدل على هذا ما روته كتب السنة الشريفة، عن أبي رزين العقيلي أنه أتى النبي، صلى الله عليه وسلم، فقال: (إن أبي شيخ كبير لا يستطيع الحج ولا العمرة ولا الظعن) أي الانتقال، فقال صلى الله عليه وسلم حج عن أبيك واعتمر.وهذا الحديث يدل على وجوب الحج والعمرة. يصح عن المتوفى والحي ويضيف، إنه يصح أداء الحج والعمرة عن المتوفى، يشهد لهذا ما رواه البخاري عن ابن عباس رضي الله عنهما أن امرأة من جهينة جاءت إلى النبي، صلى الله عليه وسلم، وقالت إن أمي نذرت أن تحج فلم تحج، حتى ماتت، أفحج عنها؟ قال: نعم حجي عنها، أريت إن كان على أمك دين أكنت قاضيته، اقضوا الله فالله أحق بالوفاء. وإذا كان الحج عن الميت يصح، فتكون العمرة كذلك، لأنه يلحق بالحج، كل حق ثبت في ذمة الإنسان كالنذور والكفارات والزكاة وغير ذلك، فلا فرق بين واجب الحج وواجب العمرة، فإذا كان يجوز أداء الحج عن المتوفى، فإن العمرة يجوز أداؤها عن المتوفى أيضا، والحاصل أن أداء الحج والعمرة والدعاء وقراءة القرآن كلها تصل إلى الميت، ولا يوجد دليل يمنع أن يؤدي الإنسان عمرتين في يوم واحد، ولابد للمحرم أن يخرج لميقات الإحرام كالتنعيم.