كتب: أحمد عاطف: بمناسبة اصرار المركز الثقافي الفرنسي بالقاهرة علي عرض فيلم لصهيونية عملت بالجيش الإسرائيلي, لعله من الملح التذكير بتاريخ وأساليب السينما الصهيونية لكيلا يهون أحد من خطورة ما يحدث. يتزامن تسلل الفكر الصهيوني إلي فن السينما مع المؤتمر الصهيوني الأول1879 بسويسرا وقد أكد هذا المؤتمر في بنده الثالث علي أهمية الاعلام التثقيفي لإيجاد إسرائيل وضرورة نشر الروح القومية بين يهود العالم, ومن هنا برز الاهتمام بالسينما وبعد ذلك قام جورج ميليه احد الرواد الأوائل للسينما بإخراج فيلم قضية دريفوس1899 الذي يحكي قصة الاضطهاد الذي عاني منه اليهود في أوروبا وبهذا يكون هذا الفيلم البداية الأولي لإعلان الصهيونية حربها علي جبهة السينما, إذ كانت خطتها في هذا الميدان وحتي عام اعلان دولة إسرائيل عام1948 التوجه إلي يهود العالم للهجرة إلي فلسطين واثبات ما اعتبرته الحق التوراتي في أرض فلسطين وتعتمد الصهيونية في ميدان السينما أساليب ووسائل مبتكرة لتضليل الرأي العام العالمي من خلال مناورات وتقنيات متطورة لتحقيق غاياتها وأهدافها وأهمها تكريس فكرة الوطن القومي اليهودي في فلسطين واستثارة عطف الأوروبيين والأمريكيين علي اليهود, والتركيز علي استغلال موضوع اللاسامية والمقصود به كراهية لليهود لانهم عرق سامي, وتضخيم فكرة اضطهاد اليهود في كل مكان من العالم واضفاء الطابع الانساني علي الفكر الصهيوني وتأكيد حق الشعوب في تقرير مصيرها, ولكن مع ربط هذا المبدأ بحق اليهود في أرض فلسطين وإغفال ما عداه وقد بدا اليهود بحسهم التجاري الفطري والمتأصل في الاحساس أن السينما فن تجاري مربح فامتلكوا دور عرض النيكلديون بأمريكا وهي التي كان يدفع المتفرجون نيكل لدخولها دلالة علي رخص ثمن التذكرة ثم امتلك اليهود أكبر الشركات السينمائية العالمية منذ بداية القرن العشرين مترو جولدن ماير كولومبيا وارنر بارامونت فوكس للقرن العشرين يونيفرسال ثم توالت الافلام تباعا منذ ذلك التاريخ لتكرس مبادئ الصهيونية من خلال ستارخفي, فظهر عام1900 فيلم الماعز تبحث عن الحشائش وفي عام1901 شمشون ودليلة والابن الضال وكلها أفلام تحكي قصص العهد القديم. وهذه أولي مراحل السينما الصهونية التي اعتمدت علي القصص التوراتي وكان الدافع وراء ذلك تأكيد أن فلسطين هي أرض الميعاد وبعد وعد بلفور1917 واعلان ان فلسطين هي إسرائيل الجديدة, وهي أرض الميعاد صار أمام اليهود مرحلة التهجير إلي هذه الأرض الموجودة وتجميع شتاتهم, ودخلت السينما مرحلة بث هذه الفكرة من خلال أفلام مثل ابن الأرض والوصايا العشر عام1924 وصابر إخراج الكسندر فورد عام1932, ومن الافلام التي صنعت لاحقا بن هور وشمشون ودليلة والوصايا العشر باجزائه الصامتة ثم الناطقة فيما بعد وجنكيز خان وملوك الشمس وباراباس. وهدف تلك الافلام التاريخية استخدام القصص الدينية المأخوذة من الكتب المقدسة وتفسيرها بما يخدم الأهداف الصهيونية وتسخير التاريخ وتزييفه وتوظيفه لصالح الشعب المختار لتأكيد مفاهيم عدة تخدم استراتيجيتها ويدور أكثر هذه القصص قبيل ظهور المسيحية لتأكيد وجود اليهود في فلسطين واظهار الشعب اليهودي كشعب وكدولة ولتكريس الحق التاريخي مثل أفلام الفراعنة وسليمان وملكة سبأ والانجيل. بعد إعلان الدولة اليهودية في عام1948 قامت لدي اليهود مرحلة يدفعون بها الناس للاقتناع بهذا الكيان القائم ونسيان ما يسمي بفلسطين.. وهذه المرحلة أظهرت فيها السينما اليهودي انه هو الذي ساهم في بناء الحضارة الانسانية, ودمجت بجانب ذلك صورة تاريخ مشوه للعرب والمسلمين ثم حاز فيلم الخروج الذي انتج عام1960 شهرة كبيرة, وكان مؤشرا لارتفاع نجم اسرائيل, وبعد نكسة1967 ظهرت الافلام التي تدعو العرب لنسيان قضية فلسطين وتقبل وجود الكيان الصهيوني من منطلق أن حق اليهود في فلسطين كان مسلوبا فاستعادوه,ومن أفلام هذه المرحلة معركة سيناء1968 وفيلم اهمس باسمي1972 اخراج جيمس كموللر ومع تنامي الاهتمام العالمي بالقضية الفلسطينية وتحرك منظمة التحرير الفلسطينية وبدء مرحلة العمليات البطولية التي حققها الفدائيون داخل الأرض المحتلة وعلي تخومها ظهرت سلسلة من الافلام التي كرست لتشويه صورة المقاومة الفلسطينية وأعمال الفدائيين مثل الأحد الاسود ورازوباد وعملية عنتيبي. ومع ازدياد التأييد العالمي للحق العربي وتفاقم موجات الاستنكار العالمي للسياسة الإسرائيلية العدوانية في الشرق الأوسط, ظهرت من جديد اسطورة المذابح اليهودية والمطالبة بالمزيد من التعاطف مع اليهود الذين عانوا من الاضطهاد والذبح وتبيان دورهم الفعال في خدمة وتطوير المجتمع الأوروبي, والمجتمع الأمريكي, وقد صورت افلام سينمائية ومسلسلات تليفزيونية عدة هذا الاتجاه منها: هولوكوست ودافيد والبطل والاحتلال في26 صورة وامرأة بين كلب وذئب وفي مرحلة تالية بين النصف الثاني من عقد السبعينات والنصف الأول من عقد الثمانينات وهي مرحلة اختراق المهرجانات السينمائية العالمية ومنها مهرجان كان وبعد أن احكمت الشبكة الصهيونية قبضتها علي صناعة السينما العالمية, بدأت بالاعلان عن نفسها من خلال الافلام السينمائية وبمختلف الاشكال والاساليب واللغات, وبصورة اليهودي البطل الذي يظهر علي الشاشة إما مظلوما أو مضطهدا وأما ثأئرا يبحث عن حقه, وإما إنسانا ضاحكا يأسر القلوب, وإما مقاتلا مغوارا لابد أن ينتصر وفي هذا المجال دفعت الصهيونية بكل ثقلها المادي والمعنوي للوقوف وراء الارهابي الصهيوني مناحم غولان وابن عمه غلوباس وشركتهما السينمائية كانون التي جندت ألمع الاسماء من النجوم والمخرجين والكتاب والفنيين للتعامل معهما. وسيطرت علي الأسواق العالمية حيث أصبح بالامكان استقرار الاستراتيجية الجديدة للسينما الصهيونية عبر ثلاث نقاط تحدد أساليبها هي الانتهازية والاباحية والمباشرة وبدا تيار السينما يتخذ اشكالا عدة خاصة بعد تضخم مستوي إسرائيل السياسي, وسيطرتها علي العديد من الاجهزة السيادية في العديد من الدول الكبري. وظهرت السينما الصهيونية تارة تبث فكرة اليهودي البطل منقذ العالم مثل فيلم يوم الاستقلال إخراج رولاند اميريتش, وتارة تستجدي عطف العالم ودولاراته كذلك من قصص الهولوكوست والاوشنينز مثل فيلم قائمة شندلر الذي نال7 جوائز أوسكار عام1994 اخراج سيتفن سببليرج واخر تلك الافلام كان فيلم أوغاد منحطون لكونتين ترانتينو الذي حاز علي أوسكار أفضل ممثل مساعد هذا العام وفاق كل ما سبقه في كونه حفلة انتقامية من كل من يكره اليهود.