الحصول على منحة دراسية فى دولة غربية كان أملا كبيرا لمعظم الطلاب المصريين الراغبين فى استكمال دراساتهم العليا حتى سنوات قليلة ماضية، لكن أسبابا كثيرة جعلت أعدادا متزايدة من الطلاب المصريين يتوجهون إلى الصين طلبا للعلم والمعرفة، فى مجالات الإلكترونيات وتكنولوجيا المعلومات والكمبيوتر، خصوصا مع تقديم الصين آلاف المنح الدراسية كل عام للطلاب الأجانب عن طريق مواقع خاصة على الإنترنت. "الأهرام" التقت عددا من طلاب الجامعات والدراسات العليا المصريين فى الصين، لتتعرف منهم على أسباب اختيارهم الجامعات الصينية لاستكمال دراستهم، وكيف يمكن للطلاب الراغبين فى الحصول على منح دراسية بالصين أن يحققوا حلمهم؟، وهل يقتصر ذلك على دارسى اللغة الصينية فى مصر؟، وماذا تقدم الصين لطلاب المنح الدراسية من مزايا؟، وغيرها من الأسئلة التى قد تتبادر إلى ذهن أى طالب يطمح فى استكمال دراسته بالخارج. مفاجأة الأعداد أتيحت لى الفرصة لزيارة عدد كبير من الجامعات الصينية خصوصا فى العاصمة بكين على مدار 10 أشهر خلال 2015، وفى كل مرة كنت أجد طلابا مصريين يتلقون دراستهم الجامعية، أو يستكملون دراساتهم العليا، وكانت الأعداد الكبيرة نسبيا مفاجأة لى، خصوصا أن اتفاقية المنح الدراسية بين مصر والصين لا تتجاوز 20 منحة فى وقت واحد بجميع المراحل الدراسية، وبسؤالى لهؤلاء الطلاب حول كيفية حصولهم على المنح الدراسية كانوا يؤكدون أنهم حصلوا عليها بأنفسهم من خلال مراسلة الجامعات بشكل مباشر، حيث توفر الصين آلاف المنح الدراسية سنويا يتم تقديمها بشكل مباشر للراغبين فى الدراسة بها من جميع أنحاء العالم خارج أطر الاتفاقيات الحكومية، وتطلق عليها الصين منح الشعوب، وقد تمت زيادة هذه المنح ب10 آلاف منحة جديدة سنويا لشعوب الدول الواقعة فى نطاق مبادرتى طريق الحرير والحزام الاقتصادى. مصر الخير مجموعة أخرى من الطلاب جاءوا إلى الصين بعد الثانوية العامة لاستكمال دراستهم الجامعية فى معهد بكين لتكنولوجيا المعلومات، وهو معهد عال متخصص، بمبادرة وتمويل مشترك من جمعية مصر الخير مع الجانب الصينى، وتحت إشراف وزارة التعليم العالى المصرية، وهى مكونة من 50 طالبا وطالبة وصلوا إلى الصين على دفعتين 25 شخصا كل عام، وهم يختلفون عن غيرهم لعدة أسباب أوضحها السفير مجدى عامر، سفير مصر لدى الصين فى تصريحات خاصة ل"الأهرام"، ومنها أن هؤلاء الطلاب يدرسون باللغة الصينية، وبالتالى فهم يقضون سنتهم الأولى فى دراسة اللغة، ثم يبدأون دراستهم المتخصصة فى العام الثانى، ومن المتفق عليه أن يصل عدد الدارسين المصريين فى هذه الاتفاقية إلى 100 طالب على 4 سنوات. وأشار السفير مجدى عامر إلى أن هذه المبادرة تهدف إلى الاستفادة من التجربة الصينية الناجحة فى ربط التعليم الفنى بالصناعة، حيث إن هذه المعاهد مرتبطة بالمصانع فى الصين، والتى تشرف على مناهجها وبرامجها التعليمية واالتدريبية وتساهم فى تمويلها، وقال إن الرئيس عبد الفتاح السيسى طلب إنشاء مثل هذه المعاهد فى مصر، وقد تم بالفعل التوقيع على اتفاقية بين معهد بكين لتكنولوجيا المعلومات وجامعة قناة السويس لإنشاء معهد مماثل فى الإسماعيلية، وسيكون عدد من طلاب مصر الخير بعد تخرجهم نواة لهيئة التدريس فى هذا المعهد. اللغة والالتزام عمرو عاطف بركات، أحد طلاب الفرقة الثانية بمعهد بكين للتكنولوجيا، روى ل"الأهرام" كيفية حصوله على هذه المنحة، حيث علم بوجود هذه المنح من خلال الإنترنت، وقام بملئ الاستمارة إلكترونيا على موقع جمعية مصر الخير، قبل أن يتصلوا به لتحديد موعد للمقابلة، مشيرا إلى أنه كان من ضمن الاختبارات اختبار (IQ)، ومن الشروط الحصول كورسات فى اللغة الإنجليزية، وبعد المقابلة أبلغوه أنه تم قبوله وسافر إلى الصين. الطالبة زينب عثمان قالت إن أقارب لها حصلوا على منحة من "مصر الخير" لإيطاليا، وهو ما دفعها للتقدم لهذه المنحة بعد الحصول على الثانوية العامة وقضائها عاما كاملا فى كلية العلوم، موضحة أنه من الشروط أن يكون مجموع المتقدم للمنحة فى الثانوية العامة أكثر من 85%. الطالبة آلاء عمر الوحيدة فى مجموعة الطلاب التابعين لمصر الخير التى التحقت بالدراسة مع تحمل أسرتها للتكلفة المادية، والسبب أنها تقدمت للمنحة هى وشقيقتها إسراء، ونجحتا معا فى المقابلة، لكن القواعد لا تسمح بسفر الأشقاء، فاختارت الجمعية شقيقتها لأنها أصغر منها بعام واحد، وتكفلت أسرتها بتكلفة سفرها وتعليمها وإقامتها، والتى تبلغ حوالى 35 ألف يوان (اليوان حوالى 1.2 جنيه مصرى). الدكتور طارق حسين فرماوى، أستاذ اللغة الصينية بجامعة عين شمس، الذى يرافق طلاب مصر الخير لمساعدتهم على دراسة اللغة الصينية، أكد ل"الأهرام" أنهم يتقدمون بشكل كبير فى دراسة اللغة الصينية، وهيئة التدريس من الصينيين يعتبرون ذلك إنجازا، موضحا أن ذلك يعود لصغر سنهم وحماسهم لهذه الدراسة والتزامهم بمتابعة الدروس. لماذا الصين؟ السؤال الذى طرح نفسه بعد لقاءاتى مع عدد كبير من الطلاب المصريين الدارسين فى الصين كان ماذا تقدم الصين للطلاب الأجانب حتى تحولت إلى مركز جذب لهم؟.. وماذا يميز التعليم فى الصين عن غيره من الدول؟.. ووجدت أن الدكتور حسين إبراهيم، المستشار الثقافى والتعليمى المصرى فى بكين، أفضل من يجيب على هذا التساؤلات، ليس بحكم منصبه فقط، ولكن لأنه درس فى الصين وحصل على شهاداته العلمية من جامعة بكين. وقد أشار إلى أن سياسة الانفتاح الاقتصادى التى بدأت فى الصين عام 1980م تبعتها سياسة انفتاح ثقافى، شملت تقديم خدمات التعليم العام والعالى للأجانب، ويتميز نظام الدراسة الجامعية فى الصين بالتنوع فى العديد من المجالات العلمية والأدبية والفنية، من أهمها هندسة الطيران، وهندسة الفضاء، وهندسة البترول، وهندسة الكهرباء، وهندسة الإلكترونات، والهندسة المعمارية، والهندسة المدنية، والهندسة الميكانيكية، والهندسة الزراعية، والطب العام الغربى، والطب التقليدى الصينيى، والاقتصاد، والتجارة الدولية، والقانون، والآداب، والجيولوجيا، وغيرها الكثير من التخصصات المختلفة. وأوضح أن الجامعات الصينية تحظى بمكانة عالية، لأنها تلعب دورا كبيرا فى دعم عجلة التطور الحضارى والعلمى والصناعى فى الصين، حيث تعتمد الحكومة الصينية فى رسم سياساتها واتخاذ قراراتها على المراكز البحثية بالجامعات الصينية، والتى تعمل بها كوادر متخصصون من الأكاديميين فى جميع مجالات المعرفة. وأرجع الدكتور حسين إبراهيم إقبال الطلاب الأجانب ومن بينهم المصريون على الدراسة بالصين وأهميتها بالنسبة لمصر إلى عدة أسباب منها: 1- الدراسة فى بلد حقق تطورا هائلا فى جميع قطاعات المعرفة والاقتصاد. 2- الجامعات التى نتعامل معها جميعها ذات ترتيب ممتاز وتعمل وفقا لقوانين وزارة التعليم العالى فى الصين. 3- الصين بيئة آمنة وجميلة. 4- جامعات ذات اعتراف دولى وسمعة ممتازة. 5- أسعار الدراسة والمعيشة معقولة جدا مقارنة بباقى دول العالم، خصوصا الدول الغربية. 6- هناك خيارات واسعة من التخصصات فى الصين. 7- لغة التدريس هى اللغة الانجليزية، لكن يتعلم الطالب اللغة الصينية كإحدى المواد الدراسية. 8- يدرس الطالب الأجنبى جنبا إلى جنب مع الطالب الصينى داخل قاعات الدرس ويتلقى جميع البرامج الدراسية لتأهيله، كما أن هناك بحثا علميا يقدم فى السنة الأخيرة من الدراسة كاستيفاء جزئى لنيل درجة البكالوريوس، كما أن فترة الدراسة للحصول على الماجستير يمكن أن تقتصر على سنتين بدلا من ثلاث سنوات فى بعض التخصصات. 9- تمتلك الجامعات الصينية كل ما تحتاجه الجامعات الحديثة من وسائل تعليمية ومختبرات علمية وإنترنت. 10- يوجد لدى معظم الجامعات الصينية مكتب خاص لمساعدة الطلاب الأجانب لإدارة شئونهم الدراسية والأمور المتعلقة بالسكن والتأشيرة. ألف طالب مصرى الطالب يمكن أن يذهب إلى الصين للدراسة من خلال التبادل التعليمى الحكومى، أو التبادل بين الجامعات، أو من خلال التقدم فرديا، حسب تأكيد المستشار الثقافى والتعليمى المصرى بالصين، مشيرا إلى أن عدد الطلاب المصريين الذين يدرسون فى الصين يقدر فى الوقت الحالى بحوالى ألف طالب وطالبة موزعين فى أنحاء المقاطعات الصينية، ومقسمين ما بين منح البرنامج التنفيذى للتعاون التعليمى بين البلدين ومنح معاهد كونفوشيوس ومنح حكومة البلدية للمقاطعة ومنح الجامعات الصينية ومهام علمية لأعضاء هيئة التدريس ومنح الإشراف المشترك والمهام العلمية التدريبية التى تقدمها وزارة العلوم والتكنولوجيا الصينية فى المراكز البحثية الصينية المتخصصة، علاوة على عدد من الطلاب الذين يدرسون على نفقاتهم الخاصة. وقال الدكتور حسين إبراهيم إنه فى إطار البرنامج التنفيذى للتعاون الثقافى بين الحكومة المصرية وحكومة الصين يقدم الجانب الصينى 20 منحة دراسية للحصول على الدكتوراة، بحيث لا يتجاوز العدد الإجمالى لطلاب المنح المصريين المتواجدين بالصين 20 طالبا فى كل سنة، كما يقدم المجلس الوطنى لتعليم اللغة الصينية للأجانب المعروف ب"الخانبان" من خلال معاهد كونفوشيوس فى مصر أكثر من 200 منحة سنوية لدراسة اللغة الصينية وآدابها وثقافتها لمدة عام، وبكالوريوس وماجستير ودكتوراة، ومن المنتظر اثناء زيارة الرئيس الصينى لمصر توقيع اتفاق تعاون بين وزارة التعليم العالى المصرية ووزارة التعليم الصينية، تقدم الصين من خلاله لمصر 500 منحة تقسم على 5 سنوات.