إن ازدراء دور العقل في تكوين البناء المتكامل للإسلام عند المسلم وعدم وضوح مكانة الدلالة العقلية في مكونات الإسلام كدين فضلا عن التسليم بالخرافات وعدم إعطاء قانون السببية حقه في النظام الحياتي والكوني, والتقليل من قدرة القدرة علي الاستدلال بالعقل والنقل علي أصول الدين, وغير ذلك هي أخطاء كبري لا يمكن التهاون فيها ولا التقليل من شأنها. من هذا المنطلق قام الدكتور مختار محمود عطا الله مدير مركز الدراسات والبحوث الإسلامية بجامعة القاهرة- بإعداد دراسة حول غياب الرؤية الإسلامية عن الشخصية المسلمة المشكلة والحل, تناول فيها غياب الرؤية الرشيدة للكون والحياة عن الشخصية المسلمة أحد أهم الداءات التي أخذت تدب في عضد المجتمع المسلم المعاصر. وإن ما يأتي في صدارة الدور المنوط بالعلماء والمفكرين والمتخصصين في الدرس الإسلامي العقدي منه والفكري- هو محاولة وضع القصور الذي يضمن بروز هذه الرؤية المفتقدة لدي الشخصية المسلمة المعاصرة. وأكد الدكتور مختار أنه كان- ولا يزال- البناء المتكامل للإسلام هو القاعدة الأساسية التي يجب أن تنطلق منها كل محاولات التنظير لهذه الرؤية. ويعد عدم العلم بهذا البناء سببا في كثير من الأخطاء العلمية والزلات العقدية التي تعتري هذه الشخصية, وتمثل عقبات حقيقة أمام انطلاقتها الحضارية.وأوضح أنني قد تدبرت أمر أكثر المسلمين في بلادنا العربية والإسلامية فتبين لي أن مثل هذه الأخطاء في الدين, والتي لا يخلو معظمها من الفحش, فاشية فيهم, بل ويوجد ما هو أعظم منها كما وكيفا. ثم حاولت الوقوف علي السبب في ذلك, فرأيت أن النظرة الواعية والتفكير الناجذ يقضيان بضرورة مراجعة أحوال المسلمين, ومطابقتها مع ما ينبغي أن يكون عليه من واقع النصوص الشرعية وواقع البرهان العقلي, وتبين أن السبب هو تلك الفجوة الكبري الحاصلة بين الشأنين: ما هو كائن, وما ينبغي أن يكون, بدأت أتدبر تلك الفجوة, فوجدت أنها تتسع لتشمل العقيدة والشريعة معا, بحيث يصدق عليها أنها فجوة في معرفة المسلمين بالبناء المتكامل للدين الإسلامي; ترتب عليها غياب الرؤية الصحيحة للوجود والكون والحياة عن الشخصية المسلمة, فكان لزاما علي أن أضع بين يدي الشخصية المسلمة هذا البحث لأبين تماسك هذا البناء وأنه يؤدي بالضرورة إلي وضوح تلك الرؤية. وكان هدف الدكتور مختار من هذه الدراسة هو تمكين المسلم من تصور محكم لعقيدة الإسلام وشريعته يستطيع معه أن يضع كل شاردة أو واردة من الإسلام في موضعها من هذا البناء, وأن يعينه علي التفريق بين ما هو من أصول الدين وما هو من فروعه, والتفريق بين ما يجوز فيه العذر بالجهل من تعاليمه وما لا يجوز فيه ذلك, والتفريق بين ما هو معلوم من الدين بالضرورة وما لا يعلم منه علي هذا النحو, وأن يكسبه القدرة علي فهم أحكام الله التعبدية, وعلي الوصول إلي حكمه الإلهية من كل ما استعبدنا الله به اعتقادا وسلوكا. واستطاع الدكتور مختار من خلال دراسته تشبيه الإسلام بالشجرة, لما تحمله الشجرة الكاملة من معني البناء المحكم المتماسك, فلا تكون الشجرة كذلك إلا إذا أحكم بناؤها علي جذور ضاربة في أعماق الأرض, وجذع يمتد في الهواء, وفروع تتفرع عنه, وثمار تتعلق بفروعها وأغصانها. وهذا التصور( المحكم) مقصود من تلك التسمية, ولعل في القرآن الكريم إشارة إلي إحكام الوحي الإلهي والمنهج الرباني, في قوله تعالي: الر كتاب أحكمت آياته ثم فصلت من لدن حكيم خبير هود/1, مما يدل علي إتيان هذا المنهج علي وجه لا يتطرق إليه خلل أو فساد, وتفصيلا ومبينا لا يبقي معه لبس أو اشتباه, مما لا يدع مجال للشك في اشتمال هذا المنهج القويم علي ما يسعد العباد في الحال والمآل, من أمور العقائد والعبادات والمعاملات والآداب والأحكام. والشجرة مقصودة من هذه التسمية كذلك لما فيها من معني( الاكتمال) فإن الشجرة إذا جمعت كل عناصرها الأربعة السابقة الجذور والجذع والفروع والثمر كانت كاملة تؤدي مهامها كما أرادها الله لها. ولعلنا نجد في القرآن الكريم إشارة إلي هذا الكمال في الإسلام في مثل قوله تعالي( اليوم أكملت لكم دينكم وأتممت عليكم نعمتي ورضيت لكم الإسلام دينا فمن اضطر في مخمصة غير متجانف لإثم فإن الله غفور رحيم) المائدة/3. وليس من قبيل المصادفة أن يشبه الله عز وجل الكلمة الطيبة التي يكاد يجمع المفسرون علي أنها كلمة التوحيد( لا إله إلا الله محمد رسول الله) أو الإسلام نفسه بالشجرة الطيبة وذلك في قوله تعالي( ألم تر كيف ضرب الله مثلا كلمة طيبة كشجرة طيبة أصلها ثابت وفرعها في السماء* تؤتي أكلها كل حين بإذن ربها ويضرب الله الأمثال للناس لعلهم يتذكرون) إبراهيم24-25. وأجاب الدكتور مختار في دراسته عن السؤال المهم, ما هي أجزاء شجرة الإسلام ؟ موضحا أنها تتمثل في: الإيمان بالله وصفاته, حيث لا قيام لدين بغير هذه العقيدة, والجذع هو الإيمان بالنبوة وما يتصل بها من مسائل, لأن الإيمان بالنبوة مؤسس علي الإيمان بوجود إله رحيم لطيف يرسل رسله للناس ليخرجوهم من الظلمات إلي النور, والفروع هي ما يؤخذ عن النبوة وهي ثلاثة: السمعيات والعبادات والمعاملات, والثمار الناتجة عن هذا كله سعادتان إحداهما في الدنيا والثانية في الآخرة. وعلي هذا الترتيب جاءت عناصر هذه الدراسة.