دفعت وسائل التكنولوجيا الحديثة، وما يرتبط بها مما يسمى ب «الجرائم الإلكترونية»، الكثير من أولياء الأمور إلى البحث عن أساليب رقابية لمراقبة سلوكيات أبنائهم، كزرع كاميرات مراقبة دقيقة داخل المنازل لمراقبة الأبناء والزوجات فى غيبة ولى الأمر، وتشغيل برامج تسجيل بالهواتف النقالة والحواسب الإلكترونية دون علم من صاحبها .. الأمر الذى أثار تساؤلا: هل يجوز ذلك من الناحية الشرعية؟ وهل تفلح مثل تلك البرامج فى تقويم الأسر وحماية الأبناء من الانحراف؟ يقول الدكتور عبد الفتاح إدريس، أستاذ الفقه المقارن بجامعة الأزهر، إن غرس كاميرات مراقبة بالمنازل أسلوب رديء في التعامل بين البشر ولا يجوز من الناحية الشرعية والأخلاقية أن يضع الرجل كاميرا مراقبة لأبنائه أو زوجته، بدعوي تقويمهم والاطمئنان إلي سلوكهم، حتى لو شك في سلوك أحدهم، فالشك لا يبرر ذلك، لأنه نوع من التجسس، الذي حرمه الإسلام، ومن ثم لا يجوز تقويم سلوك الأسرة بمحرم، فالغاية هنا لا تبرر الوسيلة، لأنه يخالف قول الله تعالي في كتابه العزيز «..ولا تجسسوا..»، والنبي صلي الله عليه وسلم نهي عن التجسس بل والتحسس أيضا فقال «ولا تجسسوا ولا تحسسوا»، وهذا الأمر من شأنه نزع الثقة بين أفراد الأسرة، ذلك أن مثل هذه البرامج سيتم كشفها يوما ما أو سيعلن عنها صاحبها حال مواجهة من يريد كشف انحرافه، فتعيش الأسر وكأنهم في حصار بوليسي، والكل يتفنن في الحصول علي تقنية أفضل أو برامج تجهض المراقبة، وهكذا. وأوضح إدريس أن الأصل في المسلم أن يحسن الظن بمن حوله، أما أن يتتبع ويخترق خصوصياتهم من غير علم منهم فذلك قد يكشف له عورات لا يجوز له الاطلاع عليها، والأولي بأرباب الأسر وأولياء الأمور والأزواج أن يشغلوا أنفسهم بما يقوى في النفس الخوف من الله وتقواه لأن تقوي الله تحفظ المرء من الانزلاق في الخطأ، أما الخوف من البشر فيغيب بغياب الرقيب البشري. حتى لا تقع الكارثة وأضاف: إن التقنيات الحديثة تضع أولياء الأمور في مهمة ثقيلة عليهم أن يكثفوا من مراقبتهم لأبنائهم وبناتهم، لا أن ينتظروا حتى تقع الكارثة وهم لا يعلمون شيئا عن بناتهم، بل الواجب علي كل ولي أمر أن يكون ملما بتصرفات ابنه: أين يذهب ومن يصاحب، ومع من يسهر؟ وأن يتابع بين الحين والحين حسابات ابنه علي «الفيس بوك» وغيره وطلبات الصداقة والمواقع التي يتردد عليها والأسلوب الذي يتبعه في الدردشة ونحو ذلك، وأن يكون صديقا لابنه قبل أن يكون مقوما له، فإذا اقترب الأب من ابنه أمكنه مراقبته مراقبة مشروعة وتوجيهه التوجيه المطلوب في حينه. أما إذا شك ولي الأمر في ابنه فعليه أن يكثف مراقبته لسلوكه حتى يتبين حقيقة الأمر، كما كان يفعل الصحابة، فعندما ارتاب عمر بن الخطاب في سلوك أحد أبنائه وظن أنه يشرب شيئا غريبا، اقترب عمر من الابن وشم رائحة فمه وسأله: ما هذا، فقال له ابنه: يا أبت هذه ابتلاء، وعندما سأل عمر الصحابة عن هذا المشروب الذي كان لا يعرفه أخبروه أنه نوع من الخمر، فأقام عليه حد شرب الخمر وجلده. فبدلا من الانشغال بالبحث عن برامج التجسس وكاميرات المراقبة يجب أن ننشغل بتربية أبنائنا التربية السليمة علي تقوى الله وحب وإتباع سنة رسوله صلي الله عليه وسلم، وأن نغرس فيهم أن الله عز وجل مطلع علي كل تصرفاتهم وحركاتهم وسكناتهم، فإذا كانت كاميرات المراقبة تنجح في مراقبة بعض الأماكن أو الأشخاص فهناك رقيب لا يخلو منه مكان ولا يهرب منه إنسان، وهو الله سبحانه وتعالي. الرقابة الذاتية الأمر نفسه يؤكده الدكتور ناصر محمود وهدان، أستاذ الدراسات الإسلامية المساعد بجامعة قناة السويس، لافتا إلي أن المسلم الحق هو الذي يراقب الله في كل أحواله وتصرفاته، في سره وعلانيته، ومن ثم فلا ينتظر إلي من يرقب تصرفاته وسلوكياته حتى يلتزم، وحري بالأسر التي تحاول أن تراقب سلوكيات أبنائها بمثل تلك البرامج أن ينشئوهم ويربوهم علي الرقابة الذاتية وتقوي الله في السر والعلن، فأي وسائل رقابية خارجية يسهل اختراقها والتحايل عليها، لأن من صنعها بشر ومن يمكنه التحايل عليها أيضا بشر.. كما أن الإنسان مهما بلغ من حرص لا يستطيع أن يراقب سلوكيات من حوله كل الوقت. وأضاف: إن علي أولياء الأمور والأزواج عدم التساهل في توفير وسائل التكنولوجيا لحاجة وبغير حاجة، حتى صارت ترفا لا فكاك منه، بل يجب التعامل مع التكنولوجيا بحسب الحاجة فقط، مع المتابعة الدائمة، فلا يليق برب الأسرة أن يترك زوجته أو بناته أمام الفيس بوك ساعات طويلة يوميا، ثم يبحث عن وسيلة لمراقبتهم بدعوي أنه لا يدري عنهم شيئا، ويخشي انحرافهم، فالأولي به أن ينظر أولا في احتياجهم ويحاول إقناعهم بأهمية كذا أو عدم جدوي كذا، وأن يتابع معهم أولا بأول، ومن كان في غير حاجة أو ظن منه سوء استخدام عليه أن يحجم استخدامه بالاستعانة بمتخصصين في هذا المجال، بما يمنعه من ارتياد المواقع المحظورة والمشبوهة. وليعلم كل من يتعامل مع وسائل التكنولوجيا أن تلك الوسائل لها وجهان الأول إيجابي والثاني سلبي وهدام، فليحذر الجميع الجانب السلبي الذي طالما خرب بيوتا وهدم أسرا وفرق أزواجا بسبب علاقات محرمة بدأت بطلب صداقة، وانتهت بخراب البيت.