برغم أن التكنولوجيا قصرت المسافات بين البشر إلا انها أصبحت أداة لاختراق الخصوصية أيضا, لدرجة جعلت البعض يسمح لنفسه بمراقبة أقرب الناس إليه والتجسس عليهم, كالزوج والزوجة.. وقبلهما الأبناء, غافلين الآثار السلبية علي العلاقات الإنسانية, مهتمين فقط بالحصول علي المعلومة التي ينشدونها. د.مديحة الصفتي أستاذ علم الاجتماع بالجامعة الأمريكية تشير إلي خطورة مثل هذا السلوك قائلة: بالنسبة للأبناء يجب اللجوء إلي التربية السليمة المبنية علي العلاقات المستمرة والمصارحة من الجانبين لكسب الثقة, وذلك مع المتابعة الدائمة بمعرفة مسار حياتهم اليومي والتعرف بل التقرب من أصدقائهم, وإعطاء الأبناء الشعور بالثقة والقدرة علي التفهم والتسامح لأن ذلك يساعد علي أن يكون لديهم الشجاعة علي المصارحة طوال الوقت. فعلي سبيل المثال مراقبة الإنترنت بعد استخدام الأبناء له لن يحقق للآباء النتيجة المرجوة لأنه ببساطة لا يمكن عمل رقابة كاملة, بالإضافة إلي أن الجيل الجديد أكثر دراية بالتكنولوجيا الحديثة, بل ربما يستطيع البعض أن يخفي أي أثر إذا شعر أو حتي شك في مراقبة ممن حوله, والأفضل هو تعليمهم بالقدوة أهمية وقيمة السلوك السليم والتفريق بين الصواب والخطأ. أما عن الأزواج فالوصول لمثل تلك الأساليب من التعامل لا يدل إلا علي خلل في العلاقة من الأساس إلا في حالات استثنائية, كأن يكون الزوج شديد الهوس بالنساء وتصرفاته مبالغا فيها, وهنا أيضا يكون التجسس مرفوضا لأنه لن يحل المشكلة الأصلية, لذا كل أنواع الرقابة والتجسس مرفوض, فالأساس في أي علاقة أيا كانت هو الثقة المتبادلة, أما العلاقات المبنية علي عدم الثقة فمصيرها الفشل وإن تعددت أشكاله. د.طارق عكاشة أستاذ الطب النفسي بجامعة عين شمس يؤكد أن وجود بعض من الخصوصية للأبناء جزء من التربية الصحيحة موضحا: مفهوم الخصوصية هنا هو تمضية وقت خاص بذاته يمارس فيه الاإبن هواية أو ما شابه دون إزعاج الآخرين, لكن التكنولوجيا تدخلت في الخصوصية وهذا أمر مرفوض.. فالأب والأم يجب أن يكونا علي علم بأين يذهب أبنائهما, ومعرفة من يصادقون, ومن عائلات هؤلاء الأصدقاء, لكن كل هذا لا ينفي أهمية أن يكون لكل طرف من أطراف الأسرة مساحة من الخصوصية, لأنه من المفترض أن الآباء يعلمون كيف ربوا أبناءهم وعلي أي قيم, كما يعرف الزوج من اختار كزوجة, والتي بالطبع تعلم أي شريك لحياتها انتقت. المشكلة الحقيقية في التكنولوجيا- كما يري د.عكاشة- تتلخص في أن أهل البيت الواحد يتحدثون عبر الإنترنت مما يزيد من وحدة الإنسان والذي بطبعه كائن إجتماعي, أما التواصل عبر الكاميرا والشات والتويتر فيلغي كل أشكال التواصل الإنساني والاجتماعي والتفاعلي مما يؤثر علي العلاقات الإنسانية والنمو لدي الأطفال والمراهقين.ويضيف: لابد أن نتذكر أن الهدف من التكنولوجيا هو راحة الإنسان وليس التحكم في حياته, فنحن للأسف نري أسرة مكونة من أب وأم وثلاثة أبناء يجلسون بأحد المطاعم يوم الجمعة كل منهم لا يتحدث إلي الأخر إنما يتابع عبر الموبايل الفيس بوك أو تويتر أو الأخبار السريعة وما إلي ذلك, وهو الأمر الأخطر, حيث إن التواصل المستمر يعد أهم من الرقابة, بل هو مفتاح التقرب بين جميع الأطراف ويكسر كل الحواجز بدلا من التجسس, فلابد من إيجاد الوقت لكل الأنشطة بدلا من الانفصال مع التكنولوجيا, كوقت للمجهود الذهني في العمل أوالدراسة, ووقت للمجهود البدني في الرياضة, ووقت للاختلاط الاجتماعي بالتواصل المباشر مع الآخرين, ووقت لممارسة الهواية لإشباع الجانب النفسي, فلا يمكن الاستغناء عن كل هذه العوامل بالموبايل واللاب توب فقط.