معاناة حقيقية تلك التى يعيشها المغاربة والجزائريون منذ أن أغلقت الحدود بين البلدين فى صيف العام 1994 بأمر من الراحل الملك الحسن الثاني، بسبب اتهام المغرب آنذاك للجزائر بتفجير فندق مراكش أسني، ونتج عن ذلك فرض التأشيرة على الجزائريين لترد الجزائر بالمثل، قبل أن تقرر أيضا غلق الحدود البرية. وتبدو أكثر تأثيرا على سكان المنطقة الحدودية فى كل من «وجدة» المغربية و«مغنية» الجزائرية، وهم سكان المعبر الحدودى الذى حمل اسم «زوج بغال» أو «جوج بغال» كما هو فى النطق الشعبى المغربي، وتعنى بالعربية الفصحى «اثنان من البغال».. فما هى قصة هذا المعبر الحدودي؟، ولماذا اتَّخذٌ منه مدخلا لمناقشة تنقل الأفراد من دولة عربية إلى أخري؟. تعددت الروايات بخصوص تسمية المعبر الحدودى بين الجزائر والمغرب، ويمكن إيجازها فى أربع: الأولي، غارقة فى المحلية المغربية، كالقول «بوقوع خلاف بين قبيلة من «وجدة» وقبيلة «بنى واسين» حول قطعة أرض، فأجمع عقلاء القوم على إطلاق بغلين فى اتجاهين مختلفين فحيثما التقيا وضع الحد بين القبيلتين، وسمى «زوج بغال»، والثانية، تكشف عن المشترك التاريخى بين المغرب والجزائر، حيث تفيد بأن المعبر كان نقطة التقاء سعاة البريد بين البلدين بواسطة البغال. وتذهب الرواية الثالثة إلى تأكيد البعد العربى للمعبر من خلال الاتصال بين المشرق والمغرب، وذلك بالقول: إن رجلين، امتطى كل منهما بغلا، أحدهما قادم من الشرق وآخر آت من الغرب ، تعوَّدا على الالتقاء فى هذه النقطة ليتبادلا الطرود ورسائل التجار والأهل والعشاق وبرقيات الساسة والسفراء بين شرق العالم العربى القديم وغربه، فكانا ساعيى بريد، ولم يبق من ذلك الجهد الإنسانى والقومى للرجلين شىء، فى حين خلّد التاريخ دور البغلين أما الرواية الرابعة فتُرجع التسمية إلى الاستعمار الفرنسي، وترى أن أصل الاسم هو «جورج بيغيل» وهو أحد العسكريين الفرنسيين، وتحول مع طول الأمد إلى زوج بغال، مع أن السلطات الفرنسية أشارت إلى وجود الاسم قبل احتلالها للبلدين. وبعيدا عن الروايات السابقة الذكر، فإن المكان بما يُمثِّله من عبور فى التاريخ والجغرافيا قد استبدل اسمه باسم آخر هو «زوج فاقو» تنبهوا أو استيقظوا من طرف بعض مجاهدى المغرب والجزائر خلال سنوات النضال المشترك بينهما فى مواجهة الاحتلال الفرنسى، وتعمق ذلك وبعد مغادرة جيش الاستعمار، إذ قامت الحكومة الجزائرية بإطلاق اسم «العقيد لطفى» على المركز الحدودى فى حين ظلَّ اسمه لدى المغاربة «زوج بغال». هناك دلالة تاريخية لاطلاق الجزائرعلى المعبر الحدودى مع المغرب اسم الثائر، الشهيد العقيد لطفى اسمه الحقيقى نذير بوجانى وينحدر من أصول تركية من عائلة بودغن الاسطمبولى المعروفة بمدينة تلمسان تتمثل فى احياء التاريخ المشترك مع الأشقاء فى المغرب، هذا على مستوى التنظير، لكن ماذا عن استحضار ذلك التاريخ بينهما؟. الإجابة نراها اليوم، بغض النظر عن اجتهادات المسئولين فى الدولتين، وهى اجتهادات تختصر العلاقة فى تفعيل الكراهية بدل المحبة، والابتعاد بل الاقتراب، والإختلاف بدل الاتفاق، وهى علاقة لا تعنى الشعبين فى الغالب، بدليل الصلات الحميمة بين المغاربة والجزائريين فى أوروبا، حيث العيش المشترك بعيدا عن الصخب الإعلامى للدولتين، أو التأثير السياسى لهما، كما هو الأمر فى الداخل، والأكثر من هذا أن معظم عناصر النخبة المغربية والجزائرية تتفادى الحديث عن أى خلاف بين الدولتين حين تلتقى فى الندوات والمؤتمرات. ومهما يكن فإن الغالبية من الشعبين الجزائرى والمغربي، خارج الصندوق الأسود الهاص بالنظامين، بل وبصران على ألا يكونا ضمن سياسة «زوج بغال» التى تُكرّس منطق الحدود العربية فى التعامل مع الشعوب، خاصة وهى ترى أن اغلاق الحدود يخصها هى فقط، بدليل الزيارة المتبادلة الظاهرة والخفلية بين المسئولين فى البلدين، كما تشهد مرور خط الغار الجزائرى عبر التراب المغربى إلى أوروبا، إسبانيا تحديدا، وكما تابعت أيضا السماح بمرور القافلة الطبية التى نظّمها النائب البريطانى جورج غالاوى عام 2002 لمساعدة أطفال العراق، والثانية لمرور المساعد التى أرسلها المغرب إلى الجزائر بعد فيضانات 2003. الاحساس بالألم والمرارة لم يعد خاصا بالسياسيين والمثقفين المغاربة، الذين يطالبون بتغيير اسم المعبر الحدودى كونه يحمل حسب رأيهم معنى قدحيا عمل المستعمر الفرنسى على ترسيخه، ولأن هناك دوافع دموية ومعيشية بين الشعبين لا يكمن قياسها بمنطق الأقل أو الأكثر ضررا، ولكن أيضا بالنسبة لنا نحن الجزائريين فأخوُّتنا للمغاربة أكبر من إرادة السياسيين فى الدولتين، وهى مصير وحياة وتاريخ وجغرافيا، وهى على الصعيد القومي، هى فض اشتباك بين أجنحة الأمة. هكذا إذن تبدو الصورة بين الجزائر والمغرب من خلال المعبر الحدودى المشترك بينهما، وهى صورة كاشفة، ومهما يكن انتقادنا لها، فهى على رأى المثل المصرى «جابت من الآخر»، ذاك لأن كل الدول العربية تسير فى الوقت الراهن، على نفس المنوال، فهى تكرس واقعا مأساويا، فدول الاستقرار إن كان هناك استقرار مُتخوّفة من دول الثورات، ودول الأمان معادية لدول الإرهاب، والدول الفقيرة تنظر بعين الكراهية للدول الغنية، والكل خائف من الكل، والشعوب تدفع الثمن فى حلها وترحالها، وتواجه خطر الفناء داخل دولها. ليس معبر «زوج بغال» حالة جزائرية مغربية فقط، إنما هو وضع عربى عام، يجد فيه السياسيون مبررا للبقاء، بل إنه برنامج كل الذين مروا والذين يحكمون اليوم، وقد يكون برنامج القادمين من الغيب.. سباق سريع نحو الفناء لا ينقذنا منه إلا أمل الأجيال الجديدة فى التغيير، مُستفيدة من وسائل عصرها، لكنها ستجعل من الانتماء حالة فردية فوق المعابر والحدود، وسيظل الهم القومى انتظارا وإنهاء فى أيدى الذين يتحكم فى قرارتهم ماضيهم العدائي، وحاضرهم الخاضع لضغوط الخارج وإرهاب الداخل، وما أكثر جماعاته. كاتب وصجفى جزائري لمزيد من مقالات خالد عمر بن ققه