سريعا، استبدلت تركيا السلاح الذى تنوى الرد به على العقوبات الروسية التى دخلت حيز التنفيذ مع مطلع العام الجارى عقب إسقاط الطائرة "سو-24.فبعد محاولات إثارة وتجييش الرأى العام العالمى على ما وصفته ب"مجازر" روسية ضد تركمان سوريا، بدأت تركيا مؤخرا فى محاولة إثارة مشاعر عداء الماضى لدى تتار القرم ضد السلطات الروسية، بحجة ارتكابها سياسة تطهير جديدة فى حقهم. وعلى عكس تصريحات التهدئة الرسمية الصادرة من أنقرة، كشف لينور إسلاموف أحد زعماء ما يسمى ب"مجلس تتار القرم" الرافض لانضمام شبه جزيرة القرم إلى روسيا الاتحادية عقب استفتاء مارس2014، عن أن وزارة الدفاع التركية بدأت تقديم الدعم العسكرى لما يسمى ب"كتيبة نعمان تشلبى جيهان"، ويشير إلى أن تمويل "الكتيبة" يقتصر فى الوقت الراهن على المتبرعين، فيما تأخذ أنقرة على عاتقها مسائل الإمداد، حيث من المنتظر فى القريب وصول الزى العسكرى الرسمى للكتيبة من تركيا. ويشير إسلاموف إلى أن الكتيبة التى ما زالت قيد التشكيل، سوف تضم نحو 560 فردا، وأنه سيتم منح الكتيبة رقما حربيا، لتصبح وحدة عسكرية رسمية فى الجيش الأوكرانى يوم 15 يناير الجاري، ويضيف أن المهمة الرئيسية للكتيبة ستتلخص فى "إعادة شبه جزيرة القرم إلى أوكرانيا مرة أخرى"، مشيرا إلى أنه من بين مهامها أيضا "توجيه ضربات للسلطات الروسية لا يعرف مكانها سوى أفراد الكتيبة نفسها". وفى هذا السياق، تقول وكالة "الأناضول" التركية الرسمية إن مصطفى جميليوف رئيس مجلس تتار القرم سابقا طرح فكرة تشكيل الكتيبة الجديدة خلال لقائه مع الرئيس التركى رجب طيب أردوغان يوم 18 ديسمبر الماضي، موضحا أن المجلس عرض خضوع الكتيبة الجديدة لأوامره مباشرة، وقد جرى الاجتماع فى أحد فنادق مدينة قونية التركية، واستمر نحو 40 دقيقة، وحضره نائب رئيس الوزراء يالجين أكدوجان. وتأتى خطوة تشكيل الكتيبة فى إطار ما أعلن عنه مجلس "تتار القرم" مطلع ديسمبر الماضى عن حملة لفرض الحصار على القرم وعزلها عن العالم، ومن ثم إعادتها إلى كييف، وقد بدأت الحملة بالفعل بتنفيذ حصار غذائي، حيث تم حظر حركة نقل البضائع من الأراضى الأوكرانية إلى شبه الجزيرة، بالإضافة إلى حصار الطاقة، من خلال تفجير أبراج خطوط الضغط العالى وعرقلة عملية إصلاحها، فيما أعلن بعدها عن بدء حصار بحري. وفى الوقت الذى نفت فيه وزارة الخارجية التركية تقديم أنقرة لأى تمويل لما يسمى بكتيبة تتار القرم، أعلنت السلطات الروسية حالة الطواريء فى المدن الكبرى فى شبه الجزيرة، كما تم تحويل جميع المواقع الحيوية كالمستشفيات والدوائر الرسمية للتزود بالتيار الكهربائى من مصادر احتياطية، كالمحطات والمحولات المتنقلة والثابتة. وفى إطار خطة استغناء القرم عن الطاقة الكهربائية من أوكرانيا، حيث كانت كييف تتلقى الفحم من موسكو مقابل توريد الطاقة الكهربائية إلى القرم، دشن الرئيس الروسى فلاديمير بوتين الخط الأول من جسر الطاقة إلى القرم الشهر الماضي، كما أعطى إشارة البدء لتشغيل خط ثان لربط شبه الجزيرة بشبكة الكهرباء الروسية عبر قاع مضيق "كيرتش" فى البحر الأسود دون المرور بالأراضى الأوكرانية، كما يتضمن المشروع بناء محطات لتوليد الكهرباء تعمل على الغاز الطبيعى بقدرة 500 ميجاوات. ومن جانبه، نفى سيرجى أكسيونوف رئيس وزراء جمهورية القرم ادعاءات نظيره التركى أحمد داود أوغلو بالتمييز الروسى ضد تتار القرم، معتبرا أن "أولئك الذين ينشرون مثل هذه الأكاذيب لم يزوروا القرم أبدا"، ومشيرا فى الوقت نفسه إلى أن السلطات الروسية أعلنت لغة تتار القرم (الذين يمثلون نحو 15% من سكان الجمهورية) كإحدى اللغات الثلاث الرسمية، بالإضافة إلى الروسية والأوكرانية، كما سمحت كذلك باستخدام اللغة فى التعليم الدراسي، وهو الأمر الذى كان محظورا من جانب السلطات فى أوكرانيا. وأعلن أكسيونوف أن خمس مدن فى القرم قررت قطع علاقات التآخى مع مثيلاتها فى تركيا، وأوضح أن بلدية مدينة يالطا الشهيرة التى تعتبر كبرى المدن السياحية فى جنوبروسيا، اتخذت قرارا بفسخ علاقات التآخى مع أنطاليا التركية التى كان السائحون الروس يتوافدون عليها بكثرة حتى الآونة الأخيرة. وفى تعليقها على العلاقات الروسية التركية وتصريحات المسئولين الأتراك بشأن رغبتهم فى إعادة العلاقات إلى طبيعتها، قالت صحيفة "نيزافيسيمايا جازيتا" إن الأتراك يطعنون روسيا فى الظهر فى شبه جزيرة القرم. ولفتت الصحيفة إلى إمكانية رد موسكو بالمثل على خطوة دعم أنقرة مختلف المجموعات التخريبية التى تنشط فى شبه جزيرة القرم من خلال دعم الأكراد، وأشارت إلى زيارة صلاح الدين ديمرتاش رئيس حزب الشعوب الديمقراطية الكردى موسكو رغم معارضة أنقرة ولقائه مع وزير الخارجية الروسى سيرجى لافروف. هكذا تبدو محاولات الرد التركية الفاشلة على العقوبات الروسية، والتى لا تعكس فقط سياسات إردوغان الطائشة، مثلما وضح فى محاولة التدخل العسكرى فى شمال العراق، من ثم قرار الانسحاب مجددا، بل عكست كذلك عدم الاستيعاب التركى لحجم المتغيرات الطارئة على ميزان القوى الدولى خلال السنوات الأخيرة.