يميل المسئولون والسياسيون الالمان لوصف الآلاف من السوريين والافغان والعراقيين والافارقة الذين يعبرون الحدود النمساوية الى المانيا يوميا "باللاجئين" رغم ان شرطة الحدود الالمانية تستخدم وصف " المهاجرين" عندما تتحدث عنهم وكذلك الكثير من الخبراء والكتاب فى وسائل الاعلام، والذين يرون ان صفة اللجوء انتهت فور وصول هؤلاء لدول الجوار السورى الآمنة كتركيا او الاردنولبنان ومصر اما بالنسبة للحكومة الالمانية فالتعامل مع الوافدين -الذين تجاوز عددهم المليون شخص منذ بداية العام الحالي-" كلاجئين " فارين من حروب اهلية وصراعات دموية فى بلدانهم يتفق ومنحهم حق اللجوء الذى ينص عليه الدستور الالمانى ويمنح سياسة الابواب المفتوحة للحكومة تجاه الوافدين غطاء قانونيا. فى حين يتهم المعارضون لهذه السياسة حكومة ميركل بأنها اهدرت خلال السنوات الماضية فرصة تاريخية لوضع قانون جديد ينظم الهجرة لالمانيا ويسهل دخول " المهاجرين "الذين تحتاجهم البلاد بشدة بشكل شرعى الى البلاد وخاصة من دول حوض البحر المتوسط كمصر وتونس. والآن اصبح واضحا ان المانيا تعول على هذه الطاقة البشرية الهائلة القادمة اليها تحت غطاء اللجوء لسد النقص المتوقع فى سوق العمل بسبب شيخوخة المجتمع الالمانى وتراجع معدلات المواليد. وقد ادركت المستشارة ميركل انه حتى المانيا بما تملكه من امكانيات واقتصاد قوى لن تستطيع استيعاب هذه الاعداد خلال السنوات المقبلة وانه يجب تخفيضها بقدر الامكان وهو ما يبرر التحركات الالمانية المكثفة على كل الاصعدة سواء للتوصل لاتفاق سياسى لانهاء الصراع فى سوريا او لابرام صفقة الحد من اللاجئين مع تركيا مقابل منحها امتيازات ومساعدات بالمليارات او لزيادة الدعم للدول التى تستضيف العدد الاكبر من اللاجئين السوريين وهى لبنانوالاردن او لدعم دول شمال افريقيا التى تعتبر من اهم المحطات التى ينطلق اللاجئون او المهاجرون منها الى اوروبا وفى مقدمتها مصر وتونس والمغرب. ويعتبر وزير التعاون الدولى والتنمية الالمانى جيرد موللر والذى زار مصر منتصف ديسمبر والتقى بالرئيس السيسى من ابرز السياسيين الالمان الذين يرون ضرورة الحد من تدفق المهاجرين على المانيا وذلك بحكم انتمائه للحزب المسيحى الاجتماعى الحاكم فى ولاية بافاريا والتى تعتبر بحكم موقعها على الحدود مع النمسا المحطة الاولى لاستقبال المهاجرين واللاجئين ويطالب موللر باستخدام التعاون التنموى كوسيلة فعالة لخفض تيار المهاجرين الى المانيا، بعد ان رصدت السلطات الالمانية نسبة كبيرة من الشباب من دول شمال افريقيا يدخلون البلاد مع اللاجئين السوريين والافغان والعراقيين وغيرهم. وصرح موللر بأن من يحلم بأن يستيقظ غدا او بعد غد ليجد تيار المهاجرين لبلادنا قد توقف فانه سيحلم طويلا وعلينا ان نواجه هذا التحدى بنقل سياسة التعاون التنموى مع الدول المصدرة للاجئين ودول الترانزيت الى مستوى أخر مختلف تماما عما نفعله اليوم يشمل الاستثمار فى شباب هذه البلدان! ويولى موللر مصر تحديدا اهمية كبيرة فصرح أخيرا بأن مصر شريك مهم للغاية فى منطقة مضطربة غير مستقرة وان المانيا تدعم التطور الاقتصادى المصرى واضاف ان مصر دولة ترانزيت لآلاف المهاجرين فى طريقهم لاوروبا كما انها تستضيف مئات الآلاف من اللاجئين السوريين فضلا عن ان معدل البطالة بين القطاع الاكبر من سكانها وهم الشباب مرتفع للغاية ولمكافحة اسباب الهجرة لابد من توفير فرص حياة كريمة لهؤلاء الشباب فى بلدانهم تبدأ بمنحهم فرص التعليم والتأهيل المهنى والحرفى وفرص للتأهيل ولهذا كما اعلن موللر، قررت وزارة التنمية والتعاون الدولى عام 2016 اطلاق مبادرة شمال افريقيا للتأهيل المهنى وتوفير فرص العمل مع التركيز على بلدين تحديدا فى البداية وهما مصر والمغرب . وقال موللر صراحة نريد ان ننسخ نظامنا الالمانى الناجح للتعليم المهنى المزدوج فى هذه الدول بالتعاون مع شركائنا، وبذلك نساهم فى تنمية هذه البلدان وفى الحد من هجرة الشباب الينا وايضا فى مكافحة التيارات المتطرفة التى تجد فريسة سهلة بين الشباب العاطل. لهذا اتفق الوزير الالمانى خلال لقائه الرئيس السيسى على تكثيف الدعم الالمانى فى مجال التعليم المهنى للشباب المصرى وان تلعب الشركات الالمانية وبرامج التعاون مع المانيا دورا غير مسبوق فى انشاء منظومة تعليم فنى متطورة فى مصر. واضاف موللر قائلا لوسائل الاعلام الالمانية " قررنا فى المستقبل التركيز على مناطق ودول بعينها لتحسين ظروف الحياة وافاق العمل للشباب فيها وسنركز على دول الشمال الافريقى المغرب ومصر تحديدا وبعد اطلاق مبادرة للتعليم الفنى المزدوج مع مصر ستعقبها دول اخرى. ولكنى احتاج لنجاح هذه المبادرة الى دعم الاقتصاد الالمانى والشركات والمراكز الصناعية وقبل ذلك دعم المحليات. فملايين الشباب فى مصر بحاجة لمستقبل آمن ولتحقيق ذلك لابد من تزويدهم بحرفة وعمل ويعتمد الوزير الالمانى فى خطته الجديدة على الادارات المحلية الالمانية فى المدن والقرى ويرى ان لديها كل ما تحتاجه دولة نامية مثل مصر فلديها الخبرة اللازمة فى كيفية الادارة السليمة للمستشفيات وتوفير مياه الشرب والتخلص السليم من مياه الصرف الصحى ومعالجتها وكل ذلك وفق نظام رقمى حديث باحدث الاجهزة فضلا عن ان شركات ومصانع ومدارس هذه المدن والقرى الصغيرة ستدخل فى برامج شراكة مع نظيراتها فى مصر لتنقل خبرتها اليها وتأهيل الشباب المصري. ولتشجيع الشركاء الالمان على خوض مجال التعاون التنموى قررت الوزارة دعم المحليات الالمانية التى تعلن استعدادها لنقل خبرتها لمصر باربعة عشر مليون يورو مبدئيا واعلن موللر ان كل عمدة او رئيس مجلس مدينة سيتصل به للمشاركة سيجد له شريكا فى مصر وستكون هناك جهة للتنسيق بينهما. واضاف الوزير ان مبادرته هذه استقبلتها الولايات الالمانية بترحيب كبير باعتبارها شكلا مباشرا للتعاون التنموى لابد ان تتوسع فيه المانيا ثم اعلن الخبر السار وهو ان موازنة وزارة التعاون الدولى والتنمية الالمانية زادت فى عام 2016 لتصل الى 7ونصف مليار يورو بزيادة قدرها 850 مليونا عن العام الحالى وستخصص الزيادة للاسترايتيجة الجديدة لمكافحة اسباب الهجرة واللجوء فى دول الجوار.