اشتدت الأزمة بين الحكومة ومجلس الشعب خلال الفترة الماضية لدرجة جعلت مجلس الشعب يطلب من الحكومة تقديم استقالتها بموعد غايته الأحد الماضي رغم أنه لم يتبق علي تسليم السلطة سوي أسابيع معدودة. وفي الوقت الذي أكد فيه رئيس الوزارة أن الحكومة لن تستقيل وأن الفيصل في هذا الأمر هو الإعلان الدستوري الذي لا يعطي الحق للبرلمان في سحب الثقة من الحكومة, أكد رئيس مجلس الشعب ردا علي الحكومة بأنه يمارس حقه الدستوري في مراقبة الحكومة وتوجيه الاستجوابات ثم سحب الثقة منها, موضحا أن الحكومة تعوق عمله, حيث شن بعض النواب هجوما عنيفا علي الحكومة واتهموها بالتسبب في المشكلات التي يواجهها المواطنون, وتم تصعيد الأمر لدرجة جعلت مجلس الشعب يقرر تعليق جلساته علي أن تستأنف في السادس من مايو وذلك إحتجاجا علي عدم حضور ممثلي الحكومة في الجلسة المخصصة لمناقشة بعض التشريعات وإحتجاجا علي عدم إقالة الحكومة, بعض النواب رأوا أن هذا التعليق يتسبب في إضرار مهام المجلس وتعطيل مصلحة المواطنين, وتباينت آراء خبراء القانون في مدي أحقية مجلس الشعب في سحب الثقة من الحكومة, حيث أن الاعلان الدستوري الذي تلتزم به الدولة الآن يخلو من أي نص يعطي هذا الحق لمجلس الشعب.. كما رأي البعض أنه لا يجوز سحب الثقة من الحكومة طبقا لخطاب التكليف الموجه لها من المشير بمباشرة رئيس الوزراء إختصاصات رئيس الجمهورية عدا سلطتي القضاء والجيش في الوقت نفسه يطالب المواطنون بالتهدئه, من أجل عدم اشتداد الخلاف والصراع الدائر الآن وحل هذه الأزمة في أقرب وقت حتي لا تتسبب في ضياع أحلام وطموحات ثورة الخامس والعشرين من يناير وضياع المصلحة العليا للوطن وينتفي تبعا لها استقرار البلاد كمطلب رئيسي لأبناء هذا الوطن في المرحلة القادمة. د.فوزية عبد الستار أستاذ القانون الجنائي بحقوق القاهرة ورئيس اللجنة التشريعية بمجلس الشعب سابقا تؤكد علي أن البرلمان لا يملك سحب الثقة من الحكومة لأن سحب الثقة من الحكومة إجراء إستثنائي لابد أن يكون مستندا إلي النص, والنص الذي يقضي بهذا غير موجود في الإعلان الدستوري الصادر في30 مارس2011 فليس به نص يسمح للبرلمان بسحب الثقة من الحكومة, فتحدد المادة33 من الإعلان الدستوري إختصاصات مجلس الشعب علي سبيل الحصر فتنص علي أنه يتولي مجلس الشعب فور إنتخابه سلطة التشريع ويقرر السياسة العامة للتنمية الإقتصادية والإجتماعية والموازنة العامة للدولة, كما يمارس الرقابة علي أعمال السلطة التنفيذية, والرقابة لا تعني سحب الثقة ولا حتي بالإستنتاج, فسحب الثقة يحتاج إلي نص يقرره والدليل علي هذا الكلام أن دستور1971 كان يحدد هذه الإختصاصات فالمادة(126) منها كانت تتكلم عن سحب الثقة من الوزارة وتجيز لمجلس الشعب أن يسحب الثقة من أحد نواب رئيس مجلس الوزراء أو نوابهم, ولا يجوز عرض طلب سحب الثقة إلا بعد إستجواب, وبناء علي إقتراح عشر أعضاء المجلس ولا يجوز للمجلس أن يصدر قراره في سحب الثقة قبل ثلاثة أيام علي الأقل من تقديمه, إجراءات خاصة لسحب الثقة والمادة(127) تتكلم عن أن سحب الثقة من رئيس الوزراء له إجراءات خاصة به أكثر وأشد من مجلس الوزراء, وأن علي مجلس الشعب أن يقرر بناء علي طلب عشر أعضائه مسئولية رئيس مجلس الوزراء ولا يجوز أن يصدر هذا القرار إلا بعد إستجواب موجه إلي الحكومة وبعد ثلاثة أيام علي الأقل من تقديم الطلب في حالة تقرير المسئولية يرفع المجلس الأمر إلي رئيس الجمهورية الذي عليه إما أن يتقبل استقالة مجلس الوزارة أو أن يعيد التقرير إلي مجلس الشعب فإذا أقره بدوره بأغلبية أعضائه بما يعادل ثلثي الأعضاء فلابد أن تستقيل الوزارة وكل هذه الإجراءات توضح أن سحب الثقة ليست بالأمر الهين أو البسيط ولكن لابد من نص قانوني واستجواب ثم يمر عليه عدة أيام, وخلاصة القول إنه لابد أن تكون هناك نصوص تقرر الحق في سحب الثقة من ناحية كما تقرر إجراءات سحب الثقة من ناحية أخري وتتساءل د.فوزية عبد الستار قائلة:لماذا الإصرار علي سحب الثقة لدرجة أن البرلمان يعلق جلساته طالما أن الحق لا يوجد في الإعلان الدستوري, فلابد أن يكون هناك سند تشريعي لسحب الثقة, كما أنه بمجرد إنتخاب رئيس الجمهورية تتغير الوزارة قبل أخر شهر يونيو فلماذا العجلة ولمصلحة من ما يحدث!؟ فنحن دولة قانون يسودها مبدأ سيادة القانون وهذا المبدأ يلزم كل مواطن من أصغر صغير لأكبر كبير في الدولة أن يحترم القانون والدستور وإلا تدخل الدولة في مجال الفوضي فراغ دستوري من جانبه يوضح د.أحمد سعد أستاذ القانون المدني بجامعة القاهرة والمحامي بالنقض أن الإعلان الدستوري لم يعط سحب الثقة من الحكومة بعكس دستور1971 الذي كان يعطي الرئيس الأعلي للسلطة التنفيذية في حالة وجود صدام بين الحكومة ومجلس الشعب أن يحل مجلس الشعب الحكومة ولكن الأن نجد فراغا دستوريا إن صح التعبير من ناحية أولي لا يحق لمجلس الشعب أن يسحب الثقة من الحكومة ومن ناحية أخري لا يحق لرئيس السلطة التنفيذية أن يحل مجلس الشعب وقد كان الوضع عند إصدار دستور1971 الملغي, بأنه يعطي الحق لمجلس الشعب بإعتباره سلطة التشريع والرقابة علي الحكومة أن يسأل إبتداء بمساءلة الوزير ويستجوبه وأيضا سؤال رئيس الوزراء واستجوابه ويصل إلي سحب الثقة من الحكومة بالكامل, ثم جاء الإعلان الدستوري خاليا من هذه السلطة, وفي قناعتي أنه بما أن الإعلان الدستوري خاص بمرحلة معينة لحين وضع الدستور الدائم وإنتخاب رئيس جمهورية فبالتالي إقتضت المرحلة الحالية خلو الإعلان الدستوري من حق مجلس الشعب كسلطة تشريعية من حق إستجواب أو سحب الثقة من الحكومة, وبالتالي أصبح زمام الأمر في يد المجلس الأعلي للسلطة التنفيذية الأن وهو رئيس المجلس العسكري, ولهذا فنظرا للمرحلة الحالية وباعتبار أن رئيس المجلس العسكري هو رئيس إنتقالي فقد خلا الإعلان الدستوري من منحه حق حل السلطة التشريعية والذي كان ثابتا للرئيس الأعلي للبلاد في دستور1971( وقد حدث حل لمجلس الشعب في عامي1984,1987) ولذا كل منهما يستند إلي الحجة الدستورية التي تؤيده, فمن ناحية يلوذ مجلس الشعب بالرئيس الأعلي للبلاد باعتباره الرئيس الأعلي للسلطة التنفيذية لأنه لا يستطيع أن يحل الحكومة ومن ناحية أخري الحكومة برئاسة د.كمال الجنزوري تتمسك بعدم أحقية مجلس الشعب في طلب سحب الثقة أو طلب المجلس الأعلي للقوات المسلحة أن يستخدم سلطاته التنفيذية في حل الحكومة, اختصاصات رئيس الجمهورية وإذا عدنا إلي التاريخ القريب كما يضيف د.أحمد سعد نجد أن الحكومة الأن برئاسة الجنزوري أصبحت لديها إختصاص رئيس الجمهورية طبقا لخطاب التكليف الموجه للحكومة من قبل المشير بأن رئيس الوزراء يباشر اختصاصات رئيس الجمهورية كاملة فيماعدا سلطتي القضاء والجيش, وبالتالي فنحن الأن في مأزق دستوري له أوجه متعددة الأول أنه لا يجوز لمجلس الشعب أن يطلب سحب الثقة من الحكومة وإقالتها لأنه طبقا لخطاب التفويض لا يملك المشير ذلك ولكن ما يملكه هو الدستور الجديد الذي سيتم وضعه, والثاني أنه في حالة سحب الثقة يعني إنحراف السلطة التنفيذية, فشتان بين الإستجواب أو المناقشة لأحد الوزراء لأحد أعضاء الحكومة أو سحب الثقة ولم يثبت شئ.. خاصة أن سحب الثقة لا يكون إلا في الحالات التي تعبر عن الخطأ الجسيم وأن الحكومة فقدت هويتها أو مصداقيتها وهذا لا يتأتي إلا باعتبار عنصر الزمن الذي يمسح لها أن تتخذ قراراتها وتنفيذ خطتها التي اعتمدتها في ضوء الظروف الاجتماعية والسياسية للبلاد والسؤال الذي يطرح نفسه ما هو الحال في تبني وجهة نظر مجلس الشعب هل سيعين حزب الحرية والعدالة الحكومة فيكون خصما وحكما في نفس الوقت؟ وقد كنا نلوم النظام السابق علي أن الورزراء يتم تعيينهم أو انتخابهم من أعضاء مجلس الشعب, فما هو التخبط الذي يحدث الآن؟ ولعلي أسأل السلطة التشريعية ورئيسها هل هذا الموقف من قبله وتعليق الجلسات يعني وقف صميم عمله فإلي أين هذا الطريق يأخذنا؟ هل هذا عدم تقدير المسئولية للمرحلة التي تمر بها البلاد؟ قولا واحدا علي مجلس الشعب أن ينأي بنفسه عن هذه المشكلات المصطنعة وأن يدير لها ظهره ويواجه المرحلة الحالية بإعتبار أن العبء الأكبر عليه لأنه السلطة الوحيدة المنتخبة, وأن يولي إهتماماته بالقضايا المتعلقة بالوطن والتي هي صميم إختصاصاته في هذه المرحلة وتسيير التشريعات الواجبة دون أن يشغل باله في تغيير الوزارة من عدمه وعليه أن يبسط رقابته علي الوزراء وأعمال الوزراء, وأري أن البلد لم تعد تتحمل تغيير الوزارة الأن خاصة وأن الوزارة بطبيعة الحال ستقدم إستقالتها عقب إنتخاب رئيس الجمهورية الرقابة تشمل سحب الثقة وعلي الجانب الأخر يري د.أنس جعفر أستاذ القانون الإداري والدستوري ومحافظ بني سويف سابقا أن من حق مجلس الشعب سحب الثقة إستنادا إلي ما ورد بالإعلان الدستوري من أن المجلس يملك حق الرقابة علي السلطة التنفيذية وكلمة الرقابة تشمل توجيه السؤال والإستجواب وسحب الثقة, فالعرف الدستوري جري منذ عام1923حتي الآن علي أن البرلمان يملك سحب الثقة من الحكومة, ولذا فإن مطلب مجلس الشعب عادل فمن حقه تقديم استجوابات وإذا لم يصل إلي نتيجة يوافق عليها المجلس ينتهي الأمر إلي سحب الثقة, وفي حالة ما إذا كان مجلس الشعب لا يملك سحب الثقة فإن رئيس الدولة أو من يقوم مقامه كما هو الحال الأن في مصر, يملك إقالة الحكومة التي لا تحوز علي ثقة نواب الشعب, وأعتقد أن هذا هو الذي سيحدث فأتوقع أن نجد المشير يصدر قرارا بالإقالة الحكومة أو تعديل وزاري يرضي البرلمان حتي لا يكون الخلاف عميق بين السلطة التشريعية والسلطة التنفيذية الذي ينعكس علي المصلحة العامة للدولة وبالتالي مصالح الأفراد. فإذا كان البرلمان متوقفا والحكومة عاجزة أو مرتعشة إذن أين العمل بالدولة, لابد أن يتدخل المجلس العسكري ليحسم الخلاف بين البرلمان والحكومة باعتباره صاحب الحق الأصيل في ادارته لشئون البلاد في هذه الفترة العصيبة التي تمر بنا.