مر شهر ديسمبر محتفلا بالذكرى 104 لميلاد الأديب العالمى نجيب محفوظ، وتوالت خلال هذا الشهر حفلات التأبين والدراسات والقراءات المسرحية لأعماله الأدبية. لكن لا يلبث العام الجديد أن يبدأ الا وهو يكمل احتفاءه بنجيب محفوظ مرة أخري. لكننا هنا لسنا بصدد عرض مسرحى يتناول نصوصه الروائية أو قراءة لأعماله المسرحية. فالتجربة هنا مغايرة تماما، يتجدد فيها نجيب محفوظ مسرحيا من خلال نصه «النجاة» من إعداد وإخراج محمود سيد، وسينوغرافيا عمر المعتز بالله وأداء فرقة نمط المسرحية المستقلة وذلك بمركز اوزيريس بقصر العيني. كتب نجيب محفوظ نص النجاة فى نهاية الستينيات ضمن مجموعة مسرحيات قصيرة ذات الفصل الواحد متأثرا فيها بكتاب مسرح العبث، مبتعدا فيها عن واقعية الرواية ومعبرا أكثر عن عبثية تلك المرحلة خاصة بعد هزيمة 1967. فى «النجاة» نجد امرأة شابة تقتحم شقة رجل أعزب هاربة من الشرطة دون أن تكشف عن جريمتها وتهدد الشاب بالانتحار والفضيحة إذا حاول الإبلاغ عنها. تحاصر الشرطة المبنى فى انتظار المجرم الذى لم يتم تحديد هويته طوال العرض... وتحت وطأة مشاعر الخوف والقلق والهروب والمطاردة يتجاذب الاثنان أطراف الحديث، وتتحول المناقشة إلى جدل عبثى وشجار عنيف تختلط فيه المشاعر لتكتشف عن علاقة حب تنشأ بينهما. أثار نص النجاة بما فيه من رمزية وجدلية وإسقاط سياسى المخرج محمود سيد وتناول هذا النص من قبل فى معالجة بسيطة باللغة الإنجليزية عرضها فى مهرجان أدنبرة عام 2013. لكن فى تجربته الجديدة يحاول محمود سيد مع الممثلين الشباب أدهم عثمان، آيات مجدي، منى سليمان واحمد السقا البحث عن علاقات جديدة بين المتفرج والعرض المسرحى ويدعو الجمهور إلى استكشاف ديكورات وإكسسوارات العرض واختيار ومتابعة الشخصيات بحرية والتجول معهم أينما ذهبوا. ووفقا للمخرج فالعرض يجمع بين الSite specific theater وهو المسرح الذى يخرج عن الشكل التقليدى ويستغل الفضاء المحيط فى العرض وال Promenade theater أى المسرح المتجول الذى يسمح للجمهور بالمشاهدة وقوفا والتجول مع الممثلين أثناء العرض. يقدم العرض مرتين متواليتين ويحتضن فى كل مرة 25 متفرجا داعيا إياهم إلى ممارسة تجربة سينمائية حية. حيث يحدد الجمهور زوايا متابعته للعرض الذى يتخذ من الفضاء المحيط منزلا يتنقل فيه الممثلون بين غرفة وأخرى وبين صالة وأخري. استطاع المخرج مع عبثية الحوار فى كثير من المشاهد أن يلعب على عبثية الشكل المسرحى أيضا وأن يقدم صورة مسرحية مليئة بأكثر من مشهد فى آن واحد، محدثا إيقاعا مختلفا وجديدا بعيدا عن التسلسل التقليدى للمشاهد وتاركا للمتفرج حرية التصرف والاختيار والاستكشاف. ف «النجاة» هى تجربة مسرحية تعيد لنا نجيب محفوظ كاتبا مسرحيا وتكشف عن مغامرة جديدة لفريق العمل.