يا أيُّها البلد المحاصر بالتتارْ من كلًّ ناحيةٍ يجىء صهيل خيلهمُ ويرتفع الغبارْفي كلَّ ناصيةٍ تضىء سيوفهم مثل البروق بليلةٍ شتويَّةٍ وصياحهم كالرعد مفتَتَحٌ لسيمْفونيَّة الدم والدمارْوالفرقة السريَّةُ المايسترو تحتلُّ حفرتها العميقة دونهُ وعصاه تحت الأرض تبدأ بالإشارة للزلازلِ ثمَّ تدفع بالبراكين المدمدمة الأوارْ حتي تهدَّ ممالكاً وتفتَّت المطلوب فيها أن يُفتَّتَ مثل ذرَّاتٍ تواصل الانْشطار فالانْشطارْ
يا أيُّها البلد المحاصر بالتتارْ يا أجمل الغزلان يا بلدي أنا تمشي الهويني تقطع الغيطان مزهوًّا بقدًّكَ يا رشيق القدَّ بين دكرنسٍ وبني مزارْ تستعرض الصفصاف والجمَّيزَ ترمي قبلةً للسرو أو للسيسبانِ وتحتسي الرشفات من قطر الندي فوق الغصون وفوق قضبان القطارْ تخطو خفيفاً مطمئنّاً في المزارعِ طاعماً فولاً حراتيّاً وملتقماً هنا وهناكَ عوديْ خسَّةٍ ريَّانة الأوراق بضَّةِ الاخْضرارْ ماذا فعلتَ لهم غزالي كي يمدُّوا حولكَ الشرَكَ المفخَّخ بالعبارات البذيئةِ والمسامير الصديئةِ والزجاجات ( الملُوتوف ) المليئةِ بالكراهية الشديدة الانْفجارْ ماذا فعلتَ لهم غزالي غير أنكَ كنتَ محتفياً بآيات الحياةِ تجليَّات الله في خلق الفراشات ( الهليكوبْترْ ) تحلّق في مجال الزهر يرشدها الشذي لتحطَّ سالمةً علي أرض المطارْ ماذا فعلتَ لهم غزالي غير أنكَ كنتَ محتفلاً - حبيبي - بالوجودِ وبالسجود علي حصير العشبِ تلثم برعماً غضّاً فيأخذ في التثاؤب والتمطّي ينفض النوم المغطّي جفنه بيدٍ .. ويبدأ الازْدهارْ ما إن مشيتَ علي رخامٍ يا غزال البرَّ أثمر إثركَ المانجو وأزهر من خطاكَ الجلّنارْ في كلَّ دربٍ من دروبكَ زفَّةُ الصَّبيان من بعد الختانِ وحلقة الحاوي وأسبوع الوليد ( مغاتهُ ) يهتزُّ في الفنجان من طربٍ وفرحة ليلة الحنَّا وزحمة مولدٍ ريفيَّةٌ حول المقامِ وحضرةٌ للذكْر .. أو دقَّات زارْ في كلَّ بيتٍ من بيوتكَ وقفةٌ للعيدِ يأبي العيد فيها كي يواتينا مجرَّد الانْتظارْ فإذا بثومةَ ( أمَّ كلثومٍ ) تغنّينا : ( يا ليلة العيدْ أنستينا وجّّددت الأملْ فينا ) وفينا لا يعيش سوي الشغوف بالانْبهارْ نحيا الحياة بسيطةً لا طعمَ فيها غير ما نضفي عليها من طرائفَ كالبهارْ رغم المصاعب والمصائبِ فالحياةُ لدي عموم الناس في بلدي ابْتكارْ يا أجمل البلدان يا بلدي أنا يا أجمل الغزلان قاطبةً علي وجه البسيطةِ جئتَ من قلب الصعيدِ أتيتَ من (منشيَّة ) الإسكندريَّةِ من شِتا أسوانَ من شجن السواقي السبع في الفيُّومِ من طابا ومن بوَّابة السلُّومِ من كلَّ الربوع أتيتَ تخطرُ في دلالٍ ليس يخلو من وقارْ يا أشجع الغزلانِ كنتَ علي صيامٍ حين حوّلتَ الهزيمة لانْتصارٍ في مدي ستًّ من السنواتِ ضمَّدتَ الجروحَ ورحتَ تقفز فوق خطّ النار عابراً القناةَ لكي تردَّ لكلَّ شبرٍ في بلادي الاعْتبارْ أسداً هصوراً يلبس ( الكاكي ) غزالي كنتَ والفئران دونكَ فارةٌ ترجو السلامة من براثنكَ المهيبة في الفرارْ يا أجمل الغزلان قاطبةً وأعجبها جميعاً حين أنتَ ترقُّ تصبحُ مثل عصفوريْ كنا ريّ ٍ بحال الوصلِ أو زوجيْ هزارْ وإذا ظُلمتَ تثورُ ثمَّ تثورُ بين الثورتينِ تزغرد الأمُّ العجوزُ وترقص البنتُ الحييَّةُ رقصةً لا إثمَ فيها حيث يضبط وحدةَ الإيقاعِ تصفيق الصغارْ لكنهم لا يدركون من الغزال جمالهُ لا يبصرون سوي تراث اللحمِ مصلوباً علي سيخٍ حديديّ ٍ وتحت السيخ نارْ وظللتَ تزرع ثمَّ تحصدُ ثمَّ تزرع ثمًّ نحصدُ مثل شمس لا تغيب سوي لتشرقَ كي تعول بنيكَ حتي لا يدقُّوا حولكَ الأبوابَ باباً بعد بابٍ يسألون عن الفتات علي الموائد كلَّ جارْ ماذا فعلتَ سوي اهتمامكَ بالفلاحة يا غزالاً سندسيّاً كي تؤمّن طين واديك الخصيبَ امام زحف الرمل أو غزو القفارْ ماذا فعلتَ سوي غرامكَ بالبناءِ بنيتَ أهراماً لتطلق للسماء مراكباً شمسيَّةً فوق المتون بها دعاءٌ : أن يصون الله مصرَ فلا تزلُّ .. ولا تُذلُّ و لا تُضام .. ولا تُضارْ نابا ( دراكْيولا ) اسْتباحا كلَّ شريانٍ بعاتقنا فأضحي العالم العربيُّ نقشاً باهتاً أثراً علي حجرٍ قديم الاصفرارْ العالم العربيُّ جرُّوا فوقه جنزير دبَّاباتهم حتي تهشَّمت العظام علي العظامِ كمثل تهشيم الجرار علي الجرارْ قد أصبح العرب الهنود الحمر في العصر الجديدِ وليس من هندٍ تلوح علي شبابيك الخريطةِ أو سعادُ تبين من خلف الستارْ يا أيُّها البلد المحاصر بالتتارْ هم يعلمون بأنكَ الوتد الأخيرُ لخيمة العربيّ فوق الأرضِ فانقضُّوا عليكَ كمثل قطعان الضباعِ تكالبوا نهشاً وتقطيعاً كأنَّ لهم بلحمكَ يا غزالاً فاطميّاً ألف ثارْ ماذا فعلتَ لكي تصير غزاليَ البلديَّ جائزةً لهم كبري يصفُّون المدافع في اتَّجاهكَ يضبطون لساعة الصفر العقارب في زنودهمُ إذا ما العمُّ ( سامْ ) أعطي إشارته لهم عبر البحارْ في التوّ يخرج من جراب السمّ ثعبانٌ سداسيُّ النيوبِ يلفُّ فوق رقابنا لفًّا ويبدأ في مهمة الاعْتصارْ يا أيُّها البلد المحاصر بالتتارْ من كلَّ ناحية يجىء صهيل خيلهمُ وظهركَ يا غزالي للجدارْ وعيونكَ الخضراءُ تطفر بالدموع السودِ أنهاراً من الكحل الحزين الإنهمارْ والسهمُ تلو السهم يُرسلُ في ضلوعكَ والدم المدرارُ ينشرِ مسْكهُ في كلَّ منعطفٍ تمرُّ بهِ ودارْ المِسْك دلَّ علي دماكَ مطارديكَ تتبَّعوكَ وبعض بعض مطارديكَ بنوكَ هبُّوا بالحجارة يرجمون القلب منكَ بمن إذن هو يستجير إذا استجارْ ؟ يدعو الإله لهم ولا يدعو عليهم رغم أنّ إصابة الشريان تعني القتلَ لكنْ رحتَ تبتلع الدموع دماً خفيًّاً هكذا قدر الكبارْ من يتَّقي عنك الرماح الخارجيَّة يا غزالي والجراح الداخليَّة في توالي من تكافح أيُّها البلد الطعينُ من اليمين أو اليسارْ هم أعملوا كلّ المخالب فيكَ من قطرٍ لأنقرةٍ لتلَّ أبيبَ فافْتحْ يا غضنفرُ جيّدا عينيك َ يهربْ من أمامكَ كلُّ فارْ الأمر أكثر من طبيعيّ ٍ إذا الأعداء عادونا ولكن كيف يكفر بالأبوَّة والأخوَّةِ بعض أبناء الديارْ إن لم يكن هذا انْتحاراً كيف يمكن أن يكون الانتحارْ ؟ يا بعض بعض بني بلادي مصرُ تسألكم إلام الخلف بينكمُ علام الحربُ أو فيم الشجارْ ؟ ثوبوا إلي الرشد .. استردُّوا عقلكم من خاطفيهِ تبيَّنوا خطأ التمادي في الخطيئةِ أدركوا معني شجاعة الاعْتذارْ ولتعلموا أن الرجوع إلي منابتكم رجوع الفرع للجذع المثبَّت في قرار الأرضِ دون قرار أرضكمُ فليس لكم قرارْ ولتعلموا أن البلاد عقيدةٌ أصليَّةٌ إن ضُيّعت بدداً فليس لها بأيّ وكالةٍ قطع الغيارْ عودوا لمصرَ فإنها دوماً ستعفو عن بنيها التائبينَ وكلُّ عاقّ ٍ حين يرجع عن عقوق الأمّ بارْ يا أيُّها البلد المحاصر بالتتارْ سنصدُّ هجمتهم بأيدينا سنجعل من أصابعنا أصابع دينميتٍ بل سنجعل من جماجمنا قنابلَ إذ يحتّم الاضْطرارْ سنصدُّ هجمتهم وندفع عنكَ شرَّ الكسر يا بلدي فلا عاشوا ولا كنَّا إذا شاءوا لظهركَ الانْكسارْ سنصدُّهم ونردُّهم فالمدُّ يعقب عصفه الهمجيَّ لابدَّ انْحسارْ والأمَّة العظمي تفيق من الحريقِ كطائر الفينيقِ بين جناحها الضوئيّ والحلم المعلَّق في السماوات العلا عقد احْتكارْ في آخر الأيام من يونيو لمحنا نجمةً لمعت علي كتف المدي في ذات ليل مدلهِمٍّ نحوها رحنا حثيثاً والسفينة إذ تضل سبيلها في البحرِ يهديها الفنار
يا أيُّها البلد المحاصرُ هل يفيد مع الشذي والنور والنغم الحصارْ؟ أنتَ الشذي والنور والنغم الأصيلُ تعيش يا بلدي أنا ويموت للأبد التتارْ .