يبدو أن عملية اختزال مصر في المدن أو المحافظات هي آفة من الآفات التي تنخر في عظامنا, حيث نهمل إهمالا شديدا تاريخ القري والكفور والنجوع والعزب.. ولا نكاد نلقي بالا للأهالي الذين يسكنون هذه المناطق النائية وبدا هذا الإهمال وكأنه إرث ينتقل الينا من السلف الي الخلف الي ان صدرت موسوعة البلدان المصرية لمؤلفها جمال مشعل, هذا الموظف الصغير بوزارة الشباب والرياضة في مركز شربين دقهلية الذي سلخ من عمره نحو عشر سنوات لكي يرصد لنا تاريخ المدن والقري معا, الحضر والريف, وكان شاقا علي جسمه النحيل وجيبه الخاوي ان يتنقل بين قري القطر المصري ومدنها نحو30 ألف قرية وعزبة لك يضع لنا مخططا عاما لموسوعته التي تضم خمسة مجلدات( صدر منها الأول فقط عن المجلس الأعلي للثقافة) يقول: لقد أرهقني هذا العمل, لكن ما حيلتي وأنا أعشق التاريخ للأماكن, وكان آخر من سبقني هو محمد رمزي صاحب القاموس الجغرافي الذي صدر عام1945, ويضيف لقد ذقت الأمرين في سبيل تجميع وتنقيح وتصوير هذه الموسوعة التي أقوم فيها بالتأريخ لكل شيء يتحرك فوق أرض مصر عبر29 محافظة, و30 ألف عزبة, و4650 قرية, و250 مدينة, وما أعلمه ان جمال مشعل كان يقتر علي نفسه وبيته وأهله من أجل أن يوفر ما ينفقه علي هذه الموسوعة الضخمة التي اعتقد ان من حقه علينا ان تفوز بإحدي الجوائز الأدبية والثقافية مثل جائزة التفوق.. والهدف من ذلك ان نؤكد للمؤلف ان مصر لا تنسي ابناءها الدءوبين الذين لم يمنعهم ضيق ذات اليد عن تحقيق حلم للاجيال في ان نعرف كل صغيرة وكبيرة عن قرانا وأقاليمنا, فالدقهلية ليست مثلا مدينة المنصورة, والشرقية ليست فقط مدينة الزقازيق, وكلنا يذكر ان القامات الكبري في حياتنا الفكرية والأدبية جاءت الينا من هذه العزب المتناهية الصغر, فطه حسين جاء من قرية الكيلو في المنيا, و الشاعر الهمشري جاءنا من قرية نوسا في الدقهلية, ولا ننسي ان هذه الموسوعة التي يصل فيها جمال مشعل القديم بالجديد لا تنهض بها إلا مؤسسة كاملة, فاذا به يسبق الجميع اليها راسما بقلمه التطورات التي عاشتها هذه المناطق.. باختصار جمال مشعل يستحق التكريم بعد ان نرفع له القبعة احتراما وتقديرا.