الارهاب ليس- فقط ترويع الامنين وتفجير المساكن وتهديد ارواح البشر .. الارهاب له مفهوم اوسع.. يشمل الابتزاز وزرع الرعب فى داخل انسان ما للحصول على مكاسب مالية بدون وجه حق.. فالطبيب الذى يوهمك بانك فى حاجة لجراحة فورا ويهددك بان التاخير قد يصيبك بالعمى.. عندما تكتشف انه كان يضغط عليك وانك لاتعانى من اية امراض تستوجب اية جراحة ,فبماذا تسمى هذا العمل غير انه يصب فى خانة الارهاب ؟ ..هذه قصة حقيقة عاشها صديق نسردها فى ثلاثة مشاهد تعكس الحال الذى وصل اليه بعض الاطباء فى بلادنا أولا:فى مستشفى خيرى ذهب احد المصريين للعلاج من ألم بالعين اليمنى مصحوب بدموع غزيرة احيانا ..كعادتنا نحن المصريين واعتبرها مسألة بسيطة ولاتحتاج استشاريا ولاطبيبا كبيرا .. اكتفى بمستشفى خيرى .. قيمة الكشف 20 جنيها وهو أقل من ربع قيمة مايدفعه المريض فى العيادة الخاصة لطبيب غير مشهور ..خمسة جنيهات اخفاها فى يد الممرض ليتخلص من طريقته الغريبة فى الترحيب والدعوات بالشفاء وطول العمر ..وهو تصرف لابد ان تواجهه فى اى مكان تقضى فيه مصلحة حكومية او تشترى شيئا .. الجنيهات الخمسة كان لها فعل السحر فلم تمض دقائق حتى وجد نفسه امام طبيب العيون .. شاب يشع حيوية تشعرك انه فى شهور العمل الاولى .. العيادة متواضعة بالقياس للحالة الاجتماعية والاجهزة ليست قديمة مما يشعرك بان المستشفى على درجة معقولة من الجودة .. بكلمات غاية فى الادب والاحترام اجرى فحص قاع العين وقياس المسافات وقوة النظر ..ثم اعتدل على كرسيه وهو يمسك قلما ليكتب العلاج قائلا : عندك فيروس فى العين اليمنى وبداية مياه بيضاء فى اليسرى ..اصابتنه الصدمة ..لكن الطبيب اكمل: هاكتب لك مرهم عبارة عن مضاد حيوى للعين اليمنى .. اما المياه البضاء فلابد من عملية جراحية .. انتبه فقط على الكلمة الاخيرة (عملية جراحية).. اما التفاصيل فكانت مشهدا مختلفا ثانيا : تجارة المستشفيات الخاصة لما لاحظ الطبيب الشاب قلق صاحبنا المريض الذى كان فى عمر والده ..قال :لاتقلق الحمد لله اكتشفنا المياه البيضاء فى بدايتها.. والجراحة لاتستغرق غير ساعات قليلة يعنى تخرج من المستشفى فى نفس اليوم .. سأله "الجراحة هنا .؟. اجاب على الفور: لا طبعا المستشفى الخيرى غير مجهز .. واخرج الكارت الخاص به ليقرأ اسمه ويعرف انه معيد بكلية الطب ..وانه اخصائي العيون بمستشفى خاص فى ضاحية راقية بمصر الجديدة .. لاحقه بالترغيب قبل ان يتردد بأن عنوان المستشفى بالكارت .. وان حجز العمليات لابد ان يكون عن طريقه .. يعنى لابد من دفع عربون له لكى يحجز له غرفة العمليات .. سأله صاحبنا الاربعينى المريض: كم تتكلف الجراحة؟ قال :ثلاثة الاف جنيه شاملة اجر الطبيب .. ولما لاحظ تردده والدهشة على وجهه قال :عموما فكر فى الامر والكارت به رقم التليفون ولاتطيل التفكير حتى لاتزحف المياه البيضاء على العين كلها .. خرج صاحبنا المريض من مكتبه مندهشا من طريقة استغلال المستشفيات الخيرية لبعض المرضى ..وجذبهم الى المستشفيات الخاصة بالتخويف من زحف المياه البيضاء على العين والاصابة بالعمى .. وقفز السؤال فى ذهنه مالفرق اذن بين هذا التخويف والترويع وبين مايفعله الارهابى الذى يهدد حياتنا بعيدا عن الامراض ..انه الارهاب بعينه مع الفارق بين من يستغل خوفك من المرض ويحاصرك بالتخويف والترهيب من التأخير وأن عدم استماع نصائحه الصادقة فيها هلاكك وبين من يحمل السلاح لاجبارك على تنفيذ مايريده بالترهيب والتخويف ايضا ثالثا: الضمير اشتري صاحبنا الاربعينى المضاد الحيوى الذى كتبه الطبيب واجل الحديث عن المياه البيضاء الى مابعد فترة العلاج تاركا الهواجس والرعب من عدم تنفيذ ما اشار به الطبيب الذى تقمص دور الناصح الامين..وذات يوم نصحه احد الاصدقاء بألا يستجيب بسهولة لرأى الاطباء وخاصة فى العمليات الجراحية .. بل لابد اولا من استشارة طبيب اكبر سنا وخبرة وقبل ذلك لديه ضمير يقظ .. وروى صديقه كيف ان تحاليل طبية اجراها دفعت الطبيب المعالج له الى ان يؤكد له انه مصاب بالسرطان ولابد من بدء جلسات الكيماوى فورا دون تأخير .. ولكنه سافر الى باريس بحثا عن علاج افضل بدلا من الكيماوى .. فوجئ بالطبيب الفرنسى يقطع التحليل الذى قدمه له ويلقيه بالقمامه وطلب منه اجراء تحاليل جديدة .. وكانت المفاجأة ان التحاليل الفرنسية خلت تماما من السرطان.. وعاد الرجل الى مصر ليقول لكل من يراه مريضا الا يكتفى بكلام طبيب واحد ..اقتنع صديقى بكلامه وذهب الى مستشفى متخصص فى العيون ..دفع مائة جنيه ليقوم استشارى فى العيون بفحص عينه .. وكانت المفاجأة انه يعانى من جفاف فى العين وان العلاج (قطرة ) ثمنها 20 جنيها فقط .. سأل صديقى الاستشارى بتردد: الا توجد مياه بيضاء . اجاب :ابدا.. كل ماعندك جفاف فى حدقة العين وهذه القطرات استخدمها لمدة شهرين ولن تحتاج لأى شيء اخر غير ارتداء نظارة للمسافات واخرى للقراءة .. راح صاحبنا المريض يتذكر الطبيب الشاب فى المستشفى الخيرى .. و يتحسر على كثيرين خدعهم هذا الطبيب وربما يكون قد اصابهم بالعمى .. ولعل كل طبيب يتخلى عن ضميرة يدرك ان الله سوف يحاسبه .. وان يخلص لمهنته ويتقى الله فى نفسه وعمله وقبلهم فى وطنهالذى يضع ثقته وأمله ويسلم ابنائه اخوتك ايها الطبيب ولو فى البشرية والانسانية وفى الوطن الذى يقسم معك الرغيف والموارد على قلتها ويدعوالله ان يحفظ هذا البلد الذى ذكره الله وابنائه فى الكتاب الخالد الى ان يرث الله الارض ومن عليها اعنى القرآن الكريم مرورا بقسم ابى قراط الذى اقسمت عليه لتكون انسانا مسئولا لا تاجرا معدوم الضمير والانسانية والمواطنة معا؟!. لمزيد من مقالات ياسر عبيدو