استوقفنى ما يدور على صفحات التواصل الاجتماعى حول ابن المنصورة المخترع الصغير الطالب مصطفى الصاوى، واتهام بعضهم له بالخيانة لقبوله التجنس بجنسية دولة الإمارات العربية. ولست مع الذين يهاجمون الشاب صغير السن أو أسرته، فقد دُفع دفعًا لاتخاذ هذا القرار، بعدما عانى الأمرين فى بحثه عن جهة مصرية ترعى نبوغه، وتساعده فى إخراج أفكاره إلى النور. إذ عومل بتجاهل ولم يشفع له حصوله عام 2014م فقط على المركز الأول من منظمة الأممالمتحدة كأفضل مخترع على مستوى العالم، وجائزة المخترع الأول على مستوى الشرق الأوسط من الكويت، والمركز الأول كأفضل مخترع فى المهرجان الدولى للموهوبين بلندن، وبحث عمن يعينه على مواصلة اختراعاته، فوجد أذنًا من طين وأخرى من عجين، ولم يستجب له سوى الدكتور السيد عبد الخالق وزير التعليم العالى السابق، واللواء عمر الشوادفى محافظ الدقهلية، وبالتغيير الوزارى فقد من تحمس له ورعاه، فى وقت سعت الإمارات إلى تبنيه واهتمت به واختراعاته، فكان القرار الصعب بالتجنس، وترك وطن عقه وتقاعس عن رعايته. ومن الخطأ، اعتبار مشكلة مصطفى حالة فردية، فهناك آلافا مثله، عقتهم مصر فتركوها بحثًا عن مستقبلهم، ويكفى أن ندرس حكاية نبوغ طبيب القلب المصرى العالمى د. مجدى يعقوب لندرك مدى الإحباط الذى يلحق بالعباقرة فى مصر، إذ حين تخرج تقدم للعمل معيدًا، إلا أن اللجنة التى امتحنته رفضت تعيينه بحجة ضعف مستواه، فكانت هجرته إلى بريطانيا ونبوغه فيها، وزار مصر بعد سنوات ليحاضر على الأساتذة الذين استبعدوه، ويترأسهم فى غرف العمليات، ولا أعتقد أن قصص نجاح وهجرة الكيميائى العالمى د. أحمد زويل، أو عالم الفضاء والجيولوجيا د. فاروق الباز، أو العالم الفيزيائى د. مصطفى السيد تختلف فى أسبابها عن حكاية د. مجدى يعقوب وإن اختلفت التفاصيل، فأساليب التعامل مع النابهين فى مصر تدفعهم للهرب والهجرة، وتفقد البلاد نوابغ من الممكن أن يسهموا فى رقى الوطن وتنميته، ووفقا لما أعلنه الجهاز المركزى للتعبئة العامة والإحصاء فقد وصل عدد العقول المصرية المهاجرة إلى أوروبا واستراليا والولايات المتحدةالأمريكية وكندا إلى 824 ألفًا، ومن هؤلاء 10 آلاف عالم فى مجالات العلوم الطبية والهندسية والإنسانية والزراعية. وهناك عوامل متنوعة تسببت فى هجرة هذه العقول، منها البيروقراطية التى تعشعش فى الجهاز الإداري، ومنها الغيرة والحسد وخوف بعضهم من تأثير نجاح الآخرين على مواقعهم الوظيفية، إلا أن أهم الأسباب يتمثل فى ضعف حجم الإنفاق على البحث العلمى فى مصر، حث لا يتجاوز 0.6% من إجمالى الدخل القومى وهى نسبة ضئيلة للغاية لا تكفى لصناعة مستقبل علمى فى دولة بحجم مصر، تكشف ضآلتها مجرد مقارنة يسيرة بدولة حديثة الخوض فى مجال العلوم مثل السعودية التى تخصص 3.4% من إجمالى دخلها القومى لرعاية البحث العلمي، وبدويلة لقيطة لا يصل عمرها إلى ثلاثة أرباع القرن مثل إسرائيل التى تخصص 2.2% من دخلها لهذه الغاية، لهذا تتقدم علميًا ونتأخر نحن. إننا بحاجة إلى خطة وطنية توقف نزيف العقول والأدمغة المصرية وهجرتها إلى الخارج، وتشجع الطيور المهاجرة على العودة إلى الوطن، عبر الاستفادة من الارتباط القوى الذى يشد المهاجرين إلى الوطن وايجاد قناة تواصل معهم، وتوفير ما يحتاجونه من مراكز البحث ونوادِى العلوم، وتجهيزها بالأجهزة والمعدات التى يحتاجها الباحث، وأيضًا اعتمادات مالية كافية للبحث العلمى ، وإعداد استراتيجيات وسياسات واضحة لتشجيع البحث العلمي، وحمايته من الروتين الذى يعرقل نموه. لمزيد من مقالات أسامة الالفى