مصطلح المال السياسي صار مصطلحًا مشبوهًا أو محفوفًا بالشبهات على أقل تقدير، وصار أقرب إلى شراء الذمم وتوظيفها للمصالح الخاصة أقرب منه إلى أي شيء آخر. غير أن الأخطر فى هذا المال هو ما يتجاوز المحلية إلى التحويلات الدولية لصنع جماعات، أو ولاءات، أو تنظيمات إرهابية على شاكلة داعش، والقاعدة، وأعداء بيت المقدس، أو دعم هذه الجماعات والتنظيمات ،وعلى رأسها جماعة الإخوان الإرهابية ومن يدور في فلكها من الجماعات والأشخاص المنتفعين، ويطلق على هذا المال «المال غير الأخلاقي»، وهو ما يجب على المجتمع الدولي كله، وعلى أحرار العالم ومحبي السلام فيه أن يتعاونوا على كشف مستخدميه من صانعي هذه التنظيمات الإرهابية، أعداء الحضارة، أعداء الإنسانية، أمام شعوبهم وأمام العالم، حتى يتميز الخبيث من الطيب . أما المال الوطني فهو ما يهدف إلى بناء الوطن أو الإسهام الجاد في بنائه، من خلال دعم المؤسسات الوطنية والاجتماعية والإنسانية، و بما يحقق صالح أبناء الوطن، ويخفف معاناة الفقراء والمحتاجين منهم، ويوفر لهم الحد الأدنى من الحياة الكريمة، سواء في مجال الخدمات الصحية، أم التعليمية، أم بتوفير أساسيات الحياة للفقراء والمحتاجين، أم بالمشاركة في المشروعات ذات النفع العام، فديننا قائم على التكامل والتراحم والتعاون، يقول نبينا صلى الله عليه وسلم: «في حديث أبي هريرة رضي الله عنه، عن رسول الله (صلى الله عليه وسلم)، قال: من نفس عن مؤمن كربة من كرب الدنيا نفس الله عنه كربة من كرب يوم القيامة ، ومن يسر على معسر، يسر الله عليه في الدنيا والآخرة، ومن ستر مسلما ستره الله في الدنيا والآخرة، والله في عون العبد، ما كان العبد في عون أخيه»، ويقول الحق سبحانه وتعالى: «الَّذِينَ يُنفِقُونَ أَمْوَالَهُم بِاللَّيْلِ وَالنَّهَارِ سِرّاً وَعَلاَنِيَةً فَلَهُمْ أَجْرُهُمْ عِندَ رَبِّهِمْ وَلاَ خَوْفٌ عَلَيْهِمْ وَلاَ هُمْ يَحْزَنُونَ» ، ويقول سبحانه: «مَّثَلُ الَّذِينَ يُنفِقُونَ أَمْوَالَهُمْ فِي سَبِيلِ اللّهِ كَمَثَلِ حَبَّةٍ أَنبَتَتْ سَبْعَ سَنَابِلَ فِي كُلِّ سُنبُلَةٍ مِّئَةُ حَبَّةٍ وَاللّهُ يُضَاعِفُ لِمَن يَشَاءُ وَاللّهُ وَاسِعٌ عَلِيمٌ »، ويقول عز وجل: «هَاأَنتُمْ هَؤُلَاء تُدْعَوْنَ لِتُنفِقُوا فِي سَبِيلِ اللَّهِ فَمِنكُم مَّن يَبْخَلُ وَمَن يَبْخَلْ فَإِنَّمَا يَبْخَلُ عَن نَّفْسِهِ وَاللَّهُ الْغَنِيُّ وَأَنتُمُ الْفُقَرَاء وَإِن تَتَوَلَّوْا يَسْتَبْدِلْ قَوْماً غَيْرَكُمْ ثُمَّ لَا يَكُونُوا أَمْثَالَكُمْ» . وهناك نوع آخر من المال يمكن أن يطلق عليه المال الإنساني، وهو ما يوجه لخدمة الإنسانية، وخدمة الإنسان من حيث كونه إنسانًا بغض النظر عن دينه أو جنسه أو لونه، فقد كرم الله عز وجل الإنسان على إطلاق إنسانيته، فقال سبحانه وتعالى:س وَلَقَدْ كَرَّمْنَا بَنِي آدَمَ وَحَمَلْنَاهُمْ فِي الْبَرِّ وَالْبَحْرِ وَرَزَقْنَاهُم مِّنَ الطَّيِّبَاتِ وَفَضَّلْنَاهُمْ عَلَى كَثِيرٍ مِّمَّنْ خَلَقْنَا تَفْضِيلاً ز، ولما مرت جنازة على سيدنا رسول الله ( صلى الله عليه وسلم ) وقف لها، فقيل: إنها جنازة يهودي، فقال ( صلى الله عليه وسلم ): «أليست نفسًا ؟». فإغاثة الناس كل الناس، ولا سيما في أوقات الكوارث والنكبات والأزمات يعد أمرًا إنسانيًا لا ينفك عن تعاليم ديننا السمح الذى يدعو إلى إطعام كل جائع، وكساء كل عارِ، ومداواة كل مريض، وإغاثة كل ملهوف على أرضية إنسانية، حيث أرسل الله (عز وجل) محمد بن عبد الله صلى الله عليه وسلم، رحمة للعالمين جميعًا، ولم يرسله رحمة للمسلمين وحدهم، ولا للمؤمنين وحدهم، ولا للموحدين وحدهم، فقال سبحانه وتعالى: «وَمَا أَرْسَلْنَاكَ إِلا رَحْمَةً لِّلْعَالَمِينَ». ولا شك أننا إذا أقمنا علاقاتنا الدولية على أسس إنسانية خالصة وصادقة سنجنب البشرية كثيرًا من ويلات الصراع غير الحضاري، وغير الإنساني، ونرسخ بديلًا عن ذلك ما يعرف بالحوار الحضاري، والتواصل الإنساني، وفقه التعايش السلمي بين البشر جميعًا. وهناك المال الطيب المبارك الذي اكتسبه صاحبه من حلال خالص وأنفقه في طاعة الله (عز وجل) ومرضاته، حيث يقول الحق سبحانه: «وَيُطْعِمُونَ الطَّعَامَ عَلَى حُبِّهِ مِسْكِيناً وَيَتِيماً وَأَسِيراً * إِنَّمَا نُطْعِمُكُمْ لِوَجْهِ اللَّهِ لا نُرِيدُ مِنكُمْ جَزَاء وَلا شُكُوراً * إِنَّا نَخَافُ مِن رَّبِّنَا يَوْماً عَبُوساً قَمْطَرِيراً * فَوَقَاهُمُ اللَّهُ شَرَّ ذَلِكَ الْيَوْمِ وَلَقَّاهُمْ نَضْرَةً وَسُرُوراً * وَجَزَاهُم بِمَا صَبَرُوا جَنَّةً وَحَرِيراً»، ويقول نبينا (صلى الله عليه وسلم) «مَنْ تَصَدَّقَ بِعَدْلِ تَمْرَةٍ مِنْ كَسْبٍ طَيِّبٍ وَلَا يَقْبَلُ اللَّهُ إِلَّا الطَّيِّبَ ، وَإِنَّ اللَّهَ يَتَقَبَّلُهَا بِيَمِينِهِ ، ثُمَّ يُرَبِّيهَا لِصَاحِبِهِ كَمَا يُرَبِّي أَحَدُكُمْ فَلُوَّهُ حَتَّى تَكُونَ مِثْلَ الْجَبَلِ» ، والمراد بالفلو (هنا) ولد الناقة ، والمقصود أن الصدقة الحلال مهما كان قدرها فإن الله عز وجل يتقبلها وينميها لصاحبها حتى تكون مثل الجبل . لمزيد من مقالات د . محمد مختار جمعة