إذا سلمنا بمقولة إن الدراما مرآة الواقع، فإن شعارات ريادة الدراما العربية ستتلاشى شيئا فشيئا أمام الزحف الدرامي التركي شديد العمق والتألق على كل المستويات، ففي الوقت الذي حاولت فيه الكاتبة اللبنانية كلوديا مرشيليان تقديم المسلسل المكسيكي "روبي" في قالب درامي لبناني بنفس الاسم، وفي حلقات طويلة اقتداءً بالمسلسلات الغربية التي يرتبط بها مشاهديها، نكتشف أن روبي قد وقعت في مأزق حقيقي لما تعكسه من حالة الانقسام السياسي الذي تعيشه لبنان منذ سنوات طويلة، ورغم محاولات المخرج السوري رامي حنا للتغلب على هذه الحالة بالاستعانة بممثلين مصريين وسوريين مع زملائهم اللبنانيين، إلا أنه يظل المسلسل الأفقر إنتاجا والأضعف دراميا – نستثني من ذلك الممثلة اللبنانية تقلا شمعون صاحبة الأداء المميز جدا يحتاج لمقال منفصل- خاصة وأن حظه العثر جعل توقيت عرضه بالتزامن مع المسلسل التركي فاطمة، والذي يعكس عمقا شديدا سواء على المستوى الدرامي أو الاجتماعي أو حتى البعد السياسي الذي يحمله العمل، فبينما ركز "روبي" على البعد الاجتماعي لشخصية الفتاة الفقيرة المعقدة نفسيا الباحثة عن الحب والمال أينما وجدا، تجاهل المخرج تماما بعدا جماليا شديد الأهمية، ألا وهو التجول بعدسة الكاميرا في شوارع بيروت مثلا أو حتى في المناظر الخلابة بمدينة شرم الشيخ خلال المشاهد الدرامية هناك ليمنح المشاهد المتعة البصرية من جهة ولاستغلال الدراما في الترويج السياحي من جهة أخرى فجاءت أغلب المشاهد في الغرف المغلقة وحواري بيروت وما شابه ناهيك عن التطويل المسف في الحوار نتيجة تقديم العمل في تسعين حلقة. وعلى الجانب الآخر جاء مسلسل فاطمة ضاربا المثل في الدراما المثيرة والدليل على ذلك نسب المشاهدة المرتفعة تليفزيونيا وعبر الانترنت، فالمسلسل في ظاهره يتناول مأساة فاطمة التي تتعرض للاغتصاب وتسعى طوال الحلقات للتغلب على انكسارها النفسي والعودة لمضمار الحياة الطبيعي، ولكن المسلسل يتعمق إلى أكثر من ذلك، حيث يطرح الثغرات الموجودة في القانون التركي بضياع حقوق من يتعرضن للاغتصاب من خلال الزواج بمن يغتصبهن لفترة ما ثم يهجرهن الزوج المغتصب بورقة طلاق، ليتحرر بذلك من العقاب الجنائي، والأكثر من ذلك أنه يعكس سياسات حزب العدالة والتنمية الذي يترأسه رئيس الوزراء التركي رجب طيب أردوغان، بالنهوض المستمر بتركيا، على كل المستويات، فالعمل يقدم صورة مكتملة الملامح لتركيا الفاضلة التي وقف ساركوزي في طريق انضمامها للاتحاد الأوروبي، وكأنه –مثله في ذلك مثل كل الأعمال الدرامية التركية- يرسخ لمقولة وزير خارجيتهم أحمد داود أوغلو "نحن ننفتح على العالم كله، حتى في شمال إفريقيا، والدول العظمى تتابعنا بدهشة وتعجب.. لقد أعطيت أوامري إلى الخارجية التركية بأن يجد ساركوزي كلما رفع رأسه في إفريقيا سفارة تركية وعليها العلم التركي، وأكدت على أن تكون سفاراتنا في أحسن المواقع داخل الدول الإفريقية." إنه أحد الدروس التركية لدول المنطقة فخلال السنوات الأخيرة استطاع أردوغان أن يؤكد حرصه على الفصل بين الدين والسياسة، من خلال سياسات عملية تنبذ فكرة أسلمة مجتمعه بما لا يقلل من شأنه، بل يثبت انها التجربة الأنجح في سبيل نهضة البلاد، وهو ما تؤكد عليه الدراما التركية بشكل غير مباشر من خلال تقديم رسالة ترحيب للسائحين أيا كانت دياناتهم ومعتقداتهم.. عدم التركير على أية مشاهد دينية بما يعد ليّا لعنق الدراما، والأهم من ذلك طرح فكرة رأسمالية السوق، الذي نراه متمثلا في الحياة اليومية التركية في سهولة ويسر فتح أي مواطن لمحل في قلب العاصمة اسطنبول بلا أي تعقيدات أو روتين إداري، وهو ما يعكس سياسة الدولة في التعامل مع دول العالم.. فهل نتعلم الدرس؟ [email protected] المزيد من مقالات باسم صادق