لا يمكن لى وأنا أتناول مبادرة السلام العربية أن أكون منفصلاً عن الواقع الحالى الذى نعيشه ونعانى فيه إرهابا أسود غادرا يضرب بلا رحمة ويقتل بدمٍ بارد , والسؤال الممهم هنا كيف يمكن أن تكون هذه المبادرة أحد المداخل الرئيسية لمواجهة الإرهاب ؟؟ ومن هذا المنطلق لا بد لى أن أقف عند خلاصة العديد من تصريحات السيد / الرئيس عبد الفتاح السيسى تجاه القضية الفلسطينية ومفادها أن حل هذه القضية يعد أساس الاستقرار فى المنطقة وسيجعلها أكثر أمناً , وأن هذا الحل سيقضى على الذرائع لاستقطاب الشباب للانضمام إلى الجماعات الإرهابية . وهنا لابد لى من أن ألقى الضوء على مبادرة السلام العربية فهى مبادرة طرحها العاهل السعودى الراحل الملك عبد الله فى القمة الرابعة عشرة التى عقدت فى بيروت فى مارس 2002 , والمبادرة باختصار شديد ترجمة عملية لمبدأ الأرض مقابل السلام . لم يكن الرد الإسرائيلى على المبادرة مشجعا كى تستمر الدول العربية فى مواصلة مساعيها لتسويق المبادرة فقد رفضها رئيس الوزراء الأسبق شارون فى حين رأى رئيس الوزراء السابق أولمرت أن بها بعض النقاط الإيجابية مع تحفظه على حل مشكلة اللاجئين طبقاً لما جاء بها , ثم جاء نيتانياهو ليغلق أي إمكان للقبول بها أو حتى بغيرها , أما المجتمع الدولى بما فى ذلك الولاياتالمتحدة فقد كان موقفه مؤيداً للمبادرة ومرحباً بها باعتبارها تفتح المجال أمام تسوية القضية , ولكن كان ذلك من الناحية النظرية فقط أما من الناحية العملية فقد ظل المجتمع الدولى محدود القدرات للغاية أمام إمكان فرض أي حلول لا تقبلها إسرائيل . وفى محاولتى لتقييم مبادرة السلام العربية بعد هذه السنوات الطوال من طرحها فلن أكون مبالغاً إذا قلت إنها من أفضل الحلول المطروحة أخذاً فى الاعتبار أن السعودية هى صاحبة المقترح وهو ما يعنى أنها رؤية عربية متكاملة تأتى لتستكمل دائرة السلام مع إسرائيل التى بدأت بمعاهدة السلام المصرية الإسرائيلية عام 1979ومعاهدة السلام الأردنية الإسرائيلية عام 1994 , وهى هنا تمنح إسرائيل السلام الشامل الذى يجب أن يكون حلمها المنشود مقابل أن تنسحب من المناطق العربية المحتلة , وتلك معادلة شديدة الوضوح ولا تحتاج إلا لإرادة سياسية من جانب إسرائيل تتعدى حواجز الأمن وهواجس الشك وتنطلق نحو أيادٍ عربية لا تزال ممتدة إليها رغم كل سياساتها المتطرفة . وحتى أكون أكثر واقعية فلاشك أن هناك العديد من المتغيرات التى حدثت فى المنطقة منذ طرح المبادرة وحتى الآن أهمها تزايد الإرهاب والمشكلات والحروب المستعرة التى تشهدها بعض الدول العربية من بينها سوريا التى تعتبر دولة مواجهة مع إسرائيل , ومن البديهى أن جميع هذه الأحداث تخضع للبحث الدقيق تحت المجهر الإسرائيلى لاستخلاص الدروس المستفادة منها حتى لا تعانى تأثيرات هذه المتغيرات عليها بأي شكل من الأشكال لاسيما وأننا نعلم أن العامل الأمنى لديها يتعدى ما دونه من اعتبارت , ومن هنا يجب أن نتنبه إلى المنطق الذى تتبعه إسرائيل وتسعى لتسويقه للعالم حول مبررات رفضها مبادرة السلام العربية وغيرها انتظارا لما سوف تسفر عنه تطورات الأوضاع فى المنطقة خلال المرحلة المقبلة . ولكن يظل السؤال مطروحا ومشروعا وهو إلى متى سنكون نحن العرب أسرى لمواقف تحددها إسرائيل ثم لا نتحرك انتظاراً لضغوط أمريكية أو حتى قررارات دولية قد تثنيها عن سياساتها المتشددة ونحن نعلم أن إسرائيل لا تعير لذلك أى اهتمام بل انها تضمن الفيتو الأمريكى فى مجلس الأمن إذا ما تجرأ أحد على المساس بها , إذن فهذا الوضع يفرض علينا الانتقال من مربع رد الفعل إلى مربع الفعل وأن نستخدم سياسة هجوم السلام بطريقة واقعية ومدروسة حيث إن سياسة الترقب لن تجلب لنا سوى مزيد من القوة والغطرسة الإسرائيلية وتزايد سيطرتها على الأرض العربية ولنا فى مدينة القدسالشرقية خير نموذج لكيفية تطبيق خطة تهويد المدينة على مراحل . وهنا نأتى إلى مقترح أراه قد يكون مفيداً لتفعيل المبادرة العربية ومفاده تشكيل لجنة عربية فى أسرع وقت تكون مهمتها إعادة بحث تفاصيل المبادرة ارتباطاً بالواقع الحالى على أن يتم فى ضوء نتائج ما تسفر عنه أعمال اللجنة إما إدخال تعديلات على المبادرة بشرط رئيسى وهو أن تحظى بإجماع عربى وألا تمس الثوابت المعروفة , أو استمرار المبادرة كما هى مطروحة الآن دون تعديل , وفى كلتا الحالتين يجب أن يتم تحديد آليات واقعية للتحرك لكيفية تنفيذ المبادرة بجدول زمنى قدر المستطاع استناداً إلى ثلاثة عوامل أولها أن المبادرة تحظى بإجماع عربى لمبدأ الأرض مقابل السلام , وثانيها أن تنفيذها سيساعد على مواجهة الإرهاب المتصاعد فى المنطقة ونزع فتيل أزمة قائمة قابلة للانفجار فى أى وقت , وثالثها أن الوضع فى المناطق الفلسطينية يشهد صحوة شعبية متواصلة لابد أن يكون نتاجها حلا سياسيا ولدينا فى المبادرة العربية للسلام ترجمة حقيقية لما يجب أن يتم لحل هذه القضية التى تزداد تعقيداً . إذن فالأمر يستوجب أن نقوم بتغيير التكتيك الذى نتبعه ونتحول من سياسة الترقب والشجب إلى سياسة النفس الطويل ومبدأ هجوم السلام على إسرائيل Peace Offensive , ولا يجب أن نخضع أو نقنع بمقولة إن الوقت غير ملائم لمثل هذا التحرك العربى أو أن العالم منشغل بمحاربة الإرهاب ولا مكان لتسويات سياسية فى الوقت الحالى , وعلينا أن نعلم أن إسرائيل لا تعرف سياسة الانتظار فهى لاتزال تنفذ مخططاتها بكل حرفية وعلنية دون اكتراث بأى مواقف مضادة لها , فهل التوجه السلمى المتحضر الذى سوف ننتهجه يعد كثيراً علينا ؟؟ وفى النهاية أود أن أنوه إلى أن قدرتنا أيضاً على الربط بين حل القضية الفلسطينية وبين الحد من مخاطر الإرهاب فى المنطقة ونزع ذرائعه يمثل تحديا مهما وليس أمامنا إلا أن ننجح فى صياغته وتسويقه فمازالت الفرصة سانحة أمامنا فهيا إلى التحرك . عضو المجلس المصرى للشئون الخارجية لمزيد من مقالات اللواء. محمد إبراهيم