كثرت الترهات والمزايدات في بلادنا, وهي في أغلب الظن نتيجة طبيعية لحالة المراهقة السياسية والانفعالية الثورية التي ضربت عقول العديد من السياسيين والقوي الحزبية فراحوا يعترضون ويرفضون ويحتجون ويعتصمون ويهددون ببذل الغالي والنفيس في سبيل تحقيق أهداف وتبني مواقف قد لاتحقق مصالح وطنية عليا ولا حتي شخصية, فقط يكفي الاعتراض للاعتراض, ومن تلك الترهات والمزايدات ردود الفعل الصاخبة والصارخة التي جاءت في أعقاب زيارة مفتي الديار المصرية إلي القدس الشريف وتراوحت بين الدعوة إلي إقالته والمطالبة باستقالته بل ومحاكمته إذا لزم الأمر. وبنظرة متأنية بعيدة عن التشنج والانفعال المبالغ فيه قد نستنتج أن زيارة المفتي لم يكن لها مبرر وما كان لها أهمية أو ضرورة من الأساس, ولكن كل هذه الاستنتاجات لا تبرر علي الإطلاق ردود الفعل التالية للزيارة التي لا يمكن إدراجها بأي شكل من الأشكال تحت بند التطبيع مع العدو الإسرائيلي حيث كان طرفها الأساسي هم الأخوة الفلسطينيون, ولم يكن الجانب الإسرائيلي حاضرا في المشهد علي الإطلاق, ودعونا نسأل بهدوء ماذا ربحت إسرائيل وماذا خسرت القدس من زيارة مفتي الديار المصرية ؟ لم تربح إسرائيل شيئا وكذلك لم تخسر القدس, ومن ثم فأن معظم ردود الفعل الداخلية جانبها الصواب, بل أنها جاءت لتكشف عن كثير من المزايدات لبعض التيارات الدينية التي رأت في الزيارة فرصة للمتاجرة بمشاعر المواطنين استمرارا لنهجها الأخير في ممارسة العمل السياسي وأبرز معالمه الواضحة تلك المليونيات الجديدة التي تكرس شهوتهم للسلطة ولو بشتي الالاعيب والمناورات, وبالتالي ليس مستغربا أن يخرج واحد منهم هاتفا يسقط.. يسقط مفتي العسكر بينما المخاطر التي تمر بها البلاد عديدة وجسيمة وتحتاج إلي برامج إنقاذ حقيقية بدلا من ترديد الهتافات الجوفاء ليل نهار والانصراف إلي قضايا أخري علي سبيل المتاجرة ودغدغة مشاعر الجماهير التي مازالت بالفعل تعاني من مراحل المراهقة السياسية. المزيد من أعمدة عماد عريان