«تأخر كثيرا».. مطالب برلمانية بقانون شامل للصيادلة    بعد إعلانه رسميًا.. جدول امتحانات الصف الخامس الابتدائي بأسوان (تفاصيل)    محافظ المنوفية يتابع الموجة ال26 لإزالة التعديات على الأراضي الزراعية    أسعار الخضار والفاكهة اليوم الإثنين 12 مايو 2025    النواب يعترضون على كلمة مؤسس اتحاد مستأجري مصر.. الجعار يستخدم آية قرآنية ويستشهد بالمادة الثانية من الدستور    رئيس وزراء فلسطين: فصول النكبة وشواهدها تتجدد في غزة والضفة    البيت الأبيض يؤكد: قطر عرضت إهداء طائرة لصالح وزارة الدفاع الأمريكية    مصر في المجموعة الثانية بتصفيات كأس العالم لكرة السلة 3×3 للسيدات    وصول لاعبي الفراعنة إلى ملعب مباراة غانا    طارق سليمان: أبلغت محمد يوسف ان سيحا هو الأفضل.. قولتله "خده على ضمانتي"    الصور الأولى لحريق الغابات الشجرية في قنا    دفاعا عن زوجته.. إصابة 3 على يد عاطلين في مشاجرة ببولاق الدكرور    مصرع وإصابة 10 أشخاص في حادثين بالشرقية    "شبكة تجفيف العملة".. تأجيل أولى جلسات محاكمة 9 متهمين بينهم كويتي بتهمة ضرب الاقتصاد الوطني    مهرجان القاهرة السينمائي الدولي يستعد لمشاركة استثنائية في مهرجان كان السينمائي 2025    «الإفتاء» تُنهي استعداداتها لعَقد مؤتمرها العالمي العاشر    الفنانة جوري بكر تواجه إسقاط الحضانة    «زواج وعلاقات».. ماذا يخشى برج السرطان؟    نقابة الأطباء تحتفل ب"يوم الطبيب المصري".. وتكرم المتميزين في مختلف التخصصات الطبية.. "عميرة": نسعى للنهوض بالخدمات الصحية المقدمة للمواطنين    فان دايك: أنا ومحمد صلاح كنا في موقف أرنولد.. وعلى الجميع أن يحترم قراره    الكرملين: بوتين حدد موقفه بشكل واضح بشأن استئناف المفاوضات مع أوكرانيا    اعتماد أوروبي لقصر العيني كمركز متخصص في رعاية مرضى قصور القلب    اختيار الدكتور محمود ممتاز خريج الجامعة الألمانية بالقاهرة بعضوية المجلس المُسيِّر لشبكة المنافسة الدولية    منظمة الصحة العالمية تطلق تقرير حالة التمريض في العالم لعام 2025    ضبط شخص يدير كيانا تعليميا لتزوير الشهادات الدراسية في الجيزة    براتب 6500.. فرص عمل في شركة مقاولات بالسعودية    أشرف العربى إطلاق تقرير "حالة التنمية في مصر" 18 مايو بشراكة مع "الإسكوا"    العراق يتسلم رئاسة القمة العربية التنموية الاقتصادية والاجتماعية من لبنان    رسميًّا.. 30 فرصة عمل في شركة مقاولات بالسعودية -تفاصيل    إعلام عبرى: قوات من الجيش ودبابات وناقلات جند تمركزت قرب نقطة تسليم عيدان    الجمهور يفاجئ صناع سيكو سيكو بعد 40 ليلة عرض.. تعرف على السبب    أحمد زايد: تطوير الأداء بمكتبة الإسكندرية لمواكبة تحديات الذكاء الاصطناعى    ب9 عروض مجانية.. «ثقافة الشرقية» تستضيف المهرجان الإقليمي الختامي لشرائح المسرح    موعد وقفة عرفة 2025.. فضل صيامها والأعمال والأدعية المستحبة بها    تأجيل محاكمة عاطل بتهمة قتل سيدة فى القناطر الخيرية للخميس المقبل    «بعبع» تسريب امتحانات الثانوية العامة.. هل يتكرر في 2025؟| ننشر خطة «التعليم» كاملة    عاجل.. الأرصاد تحذر من موجة حارة جديدة في هذا الموعد    استمرار حملة "تأمين شامل لجيل آمن" للتعريف بالمنظومة الصحية الجديدة بأسوان    توافق على تسهيل دخول اللبنانيين إلى الكويت وعودة الكويتيين للبنان    فابريزيو: ألونسو يوقع عقود تدريب ريال مدريد    حسام المندوه يكشف تفاصيل الوعكة الصحية لحسين لبيب    مصروفات كلية الطب البشري بالجامعات الخاصة والأهلية 2025-2026    تداول 14 ألف طن بضائع عامة ومتنوعة بموانئ البحر الأحمر    في اليوم العالمي للتمريض.. من هي فلورنس نايتنجيل؟    عاجل- رئيس الوزراء يتابع ملفات الاتصالات.. ومبادرة "الرواد الرقميون" في صدارة المشهد    هل يجوز للحامل والمرضع أداء فريضة الحج؟    جامعة المنيا: الكشف على 570 مواطنًا بالقافلة المتكاملة فى قرية بني خيار    براتب يصل ل 500 دينار.. 45 فرصة عمل بالأردن في شركات زراعية وغذائية وصناعات خشبية (قدم الآن)    الصين وأمريكا تتفقان على خفض الرسوم الجمركية لمدة 90 يوما    لماذا يرتدي الحجاج "إزار ورداء" ولا يلبسون المخيط؟.. د. أحمد الرخ يجيب    محافظ أسيوط: توفير 706 فرصة عمل لشباب الخريجين بمراكز المحافظة    البنك الأهلي يرغب في ضم كريم نيدفيد    انطلاق فعاليات الدورة التدريبية الرابعة بجامعة القاهرة لأئمة وواعظات الأوقاف    ما حكم الأضحية إذا تبين حملها؟.. الأزهر يوضح    أكبر صندوق سيادي بالعالم يسحب استثماراته من شركة إسرائيلية بسبب المستوطنات    ما شروط وجوب الحج؟.. مركز الأزهر للفتوى يوضح    المجلس الوطني الفلسطيني: قرار الاحتلال استئناف تسوية الأراضي في الضفة يرسخ الاستعمار    أمام العروبة.. الهلال يبحث عن انتصاره الثاني مع الشلهوب    







شكرا على الإبلاغ!
سيتم حجب هذه الصورة تلقائيا عندما يتم الإبلاغ عنها من طرف عدة أشخاص.



لن يجيئوا!

إن التاريخ لا يكرر نفسه، ولكن السوابق كاشفة تنير الطريق وتوسع الإدراك، خاصة إذا كانت مرتبطة بمصالح أجنبية ثابتة ومخططات لا تنتهي.
أقول هذا الكلام بمناسبة الكلام الذى نسمعه منذ قيام ثورة 25 يناير عن الاستثمار الأجنبى والخوف من هروبه، كلما أتخذ إجراء قانونى فى مصلحة مصر؛ سواء ضد الإرهاب أو الفساد أو الإهمال أو الجهل!
ونفس المنطق أيضا أناقش به إحجام رأس المال المصرى الخاص الكبير المستغل عن الاشتراك فى تنمية الوطن فى الظروف الحالية، كما بدا من مشروع «تحيا مصر»؛ وكأنهم فى الانتظار حتى تعود الظروف الى سالف عهدها قبل الثورة، وتفتح أمامهم بالفساد أبواب المليارات!
ولنرجع الى ثورة 23 يوليو 1952، ماذا حدث؟
بعد فترة قصيرة تمت فيها حركة تطهير من الفساد فى الحكومة، وطبق فيها قانون تحديد الملكية الذى هدف الى القضاء على الاقطاع، وإعادة الأرض المسلوبة الى الفلاحين الذين حرموا لقرون طويلة، فتح قادة الثورة الباب للاستثمار الأجنبى والوطنى لتنمية الاقتصاد المصرى المتهالك فى ذلك الوقت؛ لرفع مستوى معيشة الشعب.
هل هذا تحقق؟
بالنسبة للاستثمار الوطنى تحالف أغلبية الرأسماليين مع الاقطاعيين وناصبوا الثورة العداء، وبالتالى لم يساهموا فى نهضة الاقتصاد القومي، ولم يتخذوا من طلعت حرب مثلا يحتذي؛ فى حب مصر والرغبة فى رفعة شعبها.
وهنا كان التعارض بين مصالح هذه الطبقات المستغلة والمصلحة القومية. لقد كان هدف هؤلاء أن تفشل الثورة وتعود الأمور الى عادتها؛ فى ظل نظام ملكى مهترئ، واحتلال يستند دائما الى الأثرياء وأصحاب المصالح، والأحزاب المتصارعة التى تبدى المصلحة الحزبية على الأهداف الوطنية!
وقد ثبت هذا فى 30 أكتوبر 1956، عندما أرسل الانجليز والفرنسيون إنذارهم المتغطرس الى عبد الناصر يطلبون استسلام مصر!
ماذا كانت النتيجة؟
رفض عبد الناصر إنذار الدول الكبري، ودعا الشعب الى النضال ومقاومة المعتدين.
وفى نفس الوقت اجتمع السياسيون القدامى وبدأوا فى الاستعداد لاستلام السلطة! وقرروا أن يرسلوا وفدا منهم لمقابلة عبد الناصر ليطلبوا منه الامتثال لرغبات المعتدي!
ثار عبد الناصر وقال: «إن من يتقدم الى حديقة مجلس الوزراء من هؤلاء، سوف أضربه بالرصاص»! لقد اعتبرها خيانة وممالأة للمحتل البغيض الذى جثم على صدور المصريين أكثر من 75 عاما.
ما الذى دفع الرأسمالية المصرية المستغلة والاقطاع الى اتخاذ هذا الموقف المناوئ للأمانى القومية؟
إنها المصالح! فقد كانت أهداف ثورة 23 يوليو.. القضاء على الاقطاع والقضاء على الاحتكار وسيطرة رأس المال على الحكم وتحقيق العدالة الاجتماعية، وكلها تتعارض مع مصالح هؤلاء!
أما بالنسبة للاستثمار الأجنبى فقصته تكاد تتكرر فى أيامنا هذه، فماذا حدث؟
فتحت ثورة 23 يوليو الباب للاستثمار الأجنبى وشجعته، ووفرت جميع التسهيلات والضمانات للمستثمرين الأجانب، وأصدرت قانونا فى 1953 بشأن الفائدة التى يمكن الحصول عليها خارج البلاد، وشروط اشتراك رأس المال الأجنبى فى المشروعات المصرية.. إلخ.
ولكن المستثمرين الأجانب لم يحضروا! كل ذلك لأسباب سياسية.
ولنتساءل.. من هم المستثمرون الأجانب؟ والى أى البلاد كانوا ينتمون؟
إنهم كانوا أساسا من الغرب الذى كان يعادى النظام المصرى الجديد..
-لأنه كان ضد الاستعمار منذ أول يوم، وألح فى طلب جلاء القوات البريطانية عن مصر وتسليم قاعدة قناة السويس الى أبنائها.
- لأن نظام الثورة حجّم نفوذ الطبقة القديمة من السياسيين والأثرياء الذين كان من السهل على الاستعمار أن يتعاون معهم؛ على أساس تبادل المصالح!
- لأنه أعلن سياسة الاستقلال الذاتى السياسى والاقتصادى ورفض الأحلاف العسكرية؛ مبديا المصالح الوطنية، ومقوضا بذلك النظام الغربى للدفاع فى مواجهة الاتحاد السوفيتي.
- لأنه دعا الى سياسة الحياد وعدم الانحياز فى باندونج فى إبريل 1955، وشجع البلاد الإفريقية الآسيوية المقهورة على الانضمام اليها.
كان ذلك كله جديدا فى ذلك الوقت، ومضادا للمصالح الغربية التى قامت حضارتها فى الماضى على الاستعمار واستغلال شعوب العالم الثالث.
وإذا كان هناك اعتقاد أن رأس المال الغربى حر، فذلك وهم كبير خبرته من دراستى لوثائق الدول الغربية، فقد ثبت أنها تلعب دورا كبيرا فى توجيه الاستثمارات الخارجية لشركاتها، كما أنها تتحكم فى المعونات الاقتصادية وتسخرها لأغراض سياسية.
والآن ماذا تم فى مجال الاستثمار الخارجى يعد ثورة 23 يوليو؟
انتظر قادة الثورة من 1953 وحتى 1957، ولم يأت رأس المال الأجنبي!
وأدرك عبد الناصر أن معاداة الغرب لاستقلال مصر ليست فقط سياسية ولكن أيضا اقتصادية. وقد تأكد ذلك من الإجراءات التى اتخذت بتجميد الأموال المصرية فى بريطانيا وفرنسا والولايات المتحدة بعد تأميم قناة السويس.
وقد شرح عبد الناصر موقفه من استثمار رأس المال الخاص الأجنبي، فى حديث مع وفد الصحفيين الألمان الذى رافق إيرهارد وزير الاقتصاد الألماني، فقال: «إننا فى الحقيقة نعطى الأولوية لرأس المال الوطني، ونفضل فى تعاملنا مع رأس المال الأجنبى أن نحصل على قروض، وبعد ذلك نستطيع أن نحصل على رأس المال الخاص...
وكانت مصر قبل تأميم قناة السويس تحول لرأس المال الأجنبى فوائد تقدر بعشرين مليونا من الجنيهات، وكل هذا المبلغ يحول إلى الخارج فى شكل عملات أجنبية، وبعد تمصير بعض المؤسسات البريطانية والفرنسية بعد حرب السويس؛ تضاءل ما نحوله من أرباح رأس المال الأجنبى الى الخارج الى مليونين من الجنيهات فقط؛ وبذلك وفرنا داخل البلاد 18 مليونا من الجنيهات كانت تخرج بالعملات الأجنبية كل عام... تلك فوائد الممتلكات التى لم نمصرها.
واستطرد عبد الناصر.. «وإذا فتحنا هذا الباب الآن للاستثمارات الأجنبية فماذا ستكون النتيجة؟
ستكون النتيجة أننا سنعطيهم كل عام مبالغ كبيرة من المال على شكل أرباح، كما أنه يجب علينا أن نقدم هذه المبالغ بالنقد الأجنبي، وإذا حصلنا على قروض فإننا سندفع هذه القروض، ولن نستمر فى الدفع الى الأبد، أما إذا كان هناك استثمار أجنبى كبير فإننا سندفع الفوائد إلى الأبد!
ولكن هذا لا يعنى أننا ضد الاستثمارات الأجنبية على الإطلاق؛ فلقد وافقنا مثلا بالنسبة لبعض الشركات الطبية على السماح لها بالمساهمة فى إنشاء مصانع للأدوية؛ لأننا بهذه الطريقة سنحصل على المساعدة الفنية والتعاون الفني، وستعود علينا فائدة ما تقوم به هذه الشركات فى مجالات البحث. وبالنسبة لمصنع الحديد والصلب فقد وافقنا كذلك على إعطاء شركة ديماج نصيبا فى الاستثمار.
والخلاصة.. أن الاستثمارات الأجنبية لا تأتى الى بلد إلا إذا توافقت مصالح دولة المنشأ مع سياسته.
والآن.. هل نحن فى اتفاق مع الغرب الذى يتحكم فى تحركات المستثمرين الأجانب «المنتظرين»؟!
بالطبع لا.. فما حدث بعد ثورة 23 يوليو 1952 يعاد الآن، بغض النظر عن مقولة إن «التاريخ لا يكرر نفسه»! فالمصالح ثابتة، والمنطقة العربية يحاول الغرب أن يلوى ذراعها لأكثر من 60 عاما بلا فائدة!
وأخيرا قررت الدول الاستعمارية القديمة أن تعمل على تفتيت الدول العربية لتقضى على قوميتها، على أساس أنها عندما تقسم يسهل إخضاعها!
وبدأت المؤامرة بالعراق ثم ليبيا وسوريا، ولكن عندما وصلوا الى مصر وجدوا شعبا صلبا عنيدا يقاوم الإرهاب والفساد والخيانة. وحمدا لله أن جيشنا استمر نقيا وطنيا خالصا كما عهدناه منذ عرابي، فاستجاب لوقفة الشعب فى 30 يونيو وأطاح بالعملاء الخونة.
وكعادة مصر.. أدهشت العالم! وبدأ الغرب يحاربها بكل الطرق المعهودة السياسية والاقتصادية؛ وطبعا من بينها تأليب أصحاب شركاتهم على مصر، وتشكيكهم فى ظروف الاستثمار فيها. وإذا كانت هناك الآن جهود بريطانية فى مجال البترول فى مصر، فهى بالدرجة الأولى لمصلحتهم!
وذهب الغرب الى أبعد من ذلك؛ فحارب الاقتصاد المصرى فى واحدة من أهم قطاعاته.. السياحة، وهو ما نشهده هذه الأيام.
ومن حظنا أن وقف اخواننا العرب الى جانبنا كالعادة وتدفق استثماراتهم فى بلدنا ومساندتهم الاقتصادية الأخوية سدت الفجوة التى نتجت عن محاولات الغرب الفاشلة لتأديب الشعب المصري!
ماذا بعد؟
ليس أمامنا من طريق إلا الاعتماد على أنفسنا، وممكن الالتجاء الى القروض التى توجه الى المشروعات الانتاجية التى تدر عائدا على الاقتصاد القومى وتفتح مجال العمل أمام الشباب، وذلك على نهج الخمسينيات والستينيات.
وفى الواقع.. إننى متفائلة، وأشجع تكرار الأسلوب الذى اتبع فى تمويل مشروع قناة السويس الجديدة، فتحدد الدولة مجالات محددة للاستثمار يكون لها عائد مضمون، وتدعو المواطنين للمشاركة. وإننى واثقة من استجابتهم، ليس فقط بدافع الوطنية والحماس وإنما فى نفس الوقت لأن المكسب مجز.
نحن شعب صلب، أثبت ذلك فى الأزمات على مدى التاريخ، ومصر ستظل دائما فى الصدارة، متقدمة دائما، تجهض مؤامرات أعداء القومية العربية.
لمزيد من مقالات د.هدى جمال عبدالناصر


انقر هنا لقراءة الخبر من مصدره.