على الرغم من الجهود الكبيرة التي يبذلها الأزهر ومؤسساته المختلفة لنشر الوسطية ونبذ التطرف.. فما بين قوافل دعوية بمحافظات وأقاليم مصر، وندوات للشباب بالمدارس والجامعات وغيرها، ناهيك عن البرامج واللقاءات الدينية المختلفة ما بين مسموعة ومقروءة ومرئية.. يري الأزهر أن هذا ليس بالأمر الكافي، وأنه لابد من محاصرة التطرف من جذوره منذ نعومة أظفار الناشئة في مرحلة الطفولة كان ذلك الباعث الأول لإطلاق الرابطة العالمية لخريجي الأزهر برئاسة الإمام الأكبر الدكتور أحمد الطيب، شيخ الأزهر، مجلة «نور» المتخصصة لتوعية الأطفال وتحصينهم ضد كل فكر غريب أو شاذ، إيمانا منه بأن تحصين الناشئة هو حائط الصد الأول ضد التطرف، مما يعكس الدور الشمولي الرائد الذي يلعبه الأزهر دائما في شتي المجالات عبر كل العصور. وقال شيخ الأزهر إن إصدار هذه المجلة في هذا التوقيت مهم للغاية، وهو أمر ضروري لأطفالنا الذين اختطفوا بمجلات تحمل معلومات وأفكارا استوردت إلينا بقدها وقديدها، وهي بالأساس صنعت لأطفال غير أطفالنا، وبيئات وثقافات لا تتماشي مع ثقافتنا وبيئتنا. تقول الدكتورة نهي عباس رئيس التحرير التنفيذي لمجلة «نور»: إن هدف المجلة هو ملء الفراغ الثقافي للطفل المصري، كواحد من أهم المحاور الرئيسية لمكافحة التطرف منذ الصغر أثناء التنشئة الأولي، وكانت فكرة المجلة عبارة عن توصية لي في نهاية ورقة بحثية شاركت بها في مؤتمر عن «تحصين الطفل من التطرف»، وفي مارس الماضي التقينا شيخ الأزهر للمناقشة في تصور المجلة وتبويبها فشرحت للإمام الفكرة والأبواب والأفكار والفلسفة التي تقوم عليها المجلة، وأنها ليست قصصا عشوائية، وأنها عبارة عن عالم من الشخصيات التي نقدم من خلالها للطفل قيما وأفكارا هادفة. وبالفعل تحمس الإمام الأكبر بشدة للفكرة ولولاه لما خرجت هذه المجلة للنور، رغم بعض النقد الذي وجه للمجلة في البداية، لكن رد فعل الشيخ الإيجابي بالموافقة عكس فكر فضيلته المستنير، وهذا أطلق العنان لنا كفنانين، فعملنا بحرية وخرجت المجلة بالشكل الذي نراه اليوم. فالمجلة تضمنت رسما لقصص الأطفال علي أعلي مستوي فني، حتي يجد الطفل المصري منتجا متميزا لا يختلف عن الأجنبي في الغرب، بل سيفوقه بإذن الله. وتصدر الغلاف طفل عادي ليعبر عن الغالبية العظمي من الأطفال، فمعظم الأطفال غير أزهريين، لذلك آثرت أن يكون الغلاف طفلا عاديا. وأوضحت د. نهي أن «نور» الذي تحمل اسمه المجلة وتتحدث عنه شخصية البطل فيها هو رمز لطفل مصري عادي جدا، يرمز لغالبية أطفال المجتمع ، و«نور» اسم لشخصية لها دلالة، فما أروع أن نقدم النور لأولادنا، لتكون مجلتنا شعاع نور علي عقولهم. وتضم المجلة مغامرات شائقة، لتكون قريبة من كل طفل. وتحرص دائما علي إبراز القيم الإسلامية، خاصة الانتماء والوحدة الوطنية والتعايش السلمي. وتنوعت أبواب المجلة ما بين التقليدي والجديد، ففيها: التسلية، المسابقات الخاصة للطفل، «اصنع لنفسك» وهو باب يضم مهارات مختلفة مثل الفنون والرسم والسرد التاريخي، والموسيقي، والتلوين، والزراعة، وغيرها. ولأن الطفل عبارة عن عقل وجسد، فقد راعينا الناحية الصحية له في باب (في الميزان) والذي يتناول طريقة الأكل والغذاء والشراب. وهناك أيضا باب (عربة إسعاف نور) الذي يتعلم الطفل فيه الإسعافات الأولية.. وكذا باب (سلة الأفكار) وهو يتناول الأخبار الطريفة والأفكار والابتكارات المختلفة للطفل.وهناك باب (خير أجناد الأرض) وهذا الباب خصصناه لتعزيز الانتماء لدي الطفل منذ الصغر وتثقيفه بقيمة جيشه. ولا ننسي أيضا بلدنا الحبيب مصر فلها خصصنا باب (أم الدنيا) ذلك اللقب الذي صار يتهكم عليه شباب اليوم عند مقارنة بلدهم بغيره من البلدان، مع أن مصر هي أم الحضارات، ولكنهم يتهكمون لأنهم لا يعرفون شيئا عن التاريخ العظيم لمصر، لذا فالمجلة تحرص في كل عدد علي أن تكشف شيئا من التاريخ في قالب قصصي شائق، لأن من لم يعرف تاريخه وماضيه لن يعرف كيف يبني مستقبله. وأضافت رئيس التحرير التنفيذي ل «نور»: تضمنت المجلة أيضا بابا عن الأزهر الشريف تلك المؤسسة العريقة لتعزيز الانتماء للأزهر كقلعة للعلم ومركز للوسطية والاعتدال، هذا الباب من شأنه إبراز مكانة شيوخ وعلماء الأزهر الأجلاء والتصدي للهجوم عليهم، في شكل مسابقة تدفع الطفل للقراءة والمعرفة البناءة للفوز بإحدي جوائز المسابقة، والحمد لله وجدنا تجاوبا وتفاعلا غير متوقع من الأطفال مع المجلة. من خلال مراسلاتهم لنا بعد صدور العدد الأول الذي صدر قبل بضعة أيام. مجلة كل المصريين من جانبه، أشاد الدكتور عمرو عبد العاطي صالح مدرس مساعد بجامعة الأزهر بالمجلة وتنوع أبوابها وقال إنها إضافة جديدة للأزهر وانطلاقة قوية في سبيل إعداد الناشئة وتحصينهم ضد الغلو والتطرف، كما أن مجرد انبثاقها عن الأزهر سيعطي القارئ وأولياء الأمور ثقة كبيرة بأن تكون بين أيدي أطفالهم دون تردد، لأن الأزهر لن يقدم إلا كل مفيد وبناء، وأوضح أن «نور» تعد البديل الآمن لغيرها من المجلات ومصادر التثقيف والترفيه المختلفة التي لا تتسق وثقافتنا. وأشار الدكتور نبيل السمالوطي أستاذ علم الاجتماع والعميد الأسبق لكلية الدراسات الإنسانية إلى أنه من خلال الدراسات المقارنة ثبت أن مرحلة الطفولة لو تم تأسيس الطفل فيها تأسيسا سليما علي صحيح الإسلام وقيمه، فإنه من الصعب جدا تغييره أو التأثير فيه سلبيا. وأشار السمالوطي إلي أن هذا جهد يحسب للأزهر، ونحن بحاجة ماسة للتركيز علي قيم الأطفال وتنشئتهم تنشئة سليمة، فالمشكلة في مجتمعاتنا أن القيم سقطت لدي قلة، وهذه القلة للأسف هي ذات الصوت الأعلي، وهي المتسببة في ارتفاع معدلات الجريمة وإحداث فتن وارتباكات متنوعة في المجتمع. كما أن نسبة كبيرة من الناس لديهم سلبية ونفعية وعدم الولاء الكامل للوطن، فالولاء للذات وفقط، وهذا خطأ، فنحن نريد إعلاء الولاء للدين أولا ومنه يكون الولاء للوطن ثم الولاء للبلدة الصغيرة ثم الولاء للعائلة ثم الأسرة الصغيرة وهكذا، بحيث لا يطغي ولاء علي آخر.. وهذا ما يجب أن نربي عليه أولادنا ومن الوسائل المساعدة في التربية والتوجيه الإعلام، ومنه بالطبع إصدار للأطفال كمجلة صادرة عن مؤسسة معتدلة كالأزهر.