استضافت مملكة البحرين هذا الأسبوع الجولة الرابعة من سلسلة سباقات الجائزة الكبري للسيارات المعروفة باسم فورميولا-1 ورغم المحاولات الحثيثة من جانب بعض فصائل المعارضة لمنع إقامة السباق, إلا أن السلطات نجحت في الخروج بالسباق إلي بر الأمان. بالتوازي مع سباق الفورميولا وقبله, شهدت البحرين سباقا أكثر حدة وخشونة, بين المعارضة والسلطات الرسمية. إذ شهدت الأيام السابقة علي دوران عجلة الفورميولا تصعيدا في تحركات وإجراءات الجانبين. فنظم ائتلاف شباب 14 فبراير( حركة شبابية شيعية معارضة) تظاهرات مناوئة للأسرة الحاكمة, أعلنت فيها رفض الملكية القائمة والدعوة إلي إسقاط النظام. بينما قامت جهات رسمية بإجراءات احترازية, تضمنت اعتقال عشرات من الناشطين المعارضين, فضلا عن فض التظاهرات الرافضة لتنظيم الفورميولا بالقوة. رغم أن التداخل بين الرياضة والسياسة ليس جديدا وكثيرا ما لعبت الرياضة دورا, سواء بالتمهيد لتقارب بين دول متصارعة أو بتوتير الأجواء بين دول لم يكن بينها خلافات, لكن المشهد البحريني الحالي يجسد أحد أمثلة قليلة علي التفاعل بل والاحتكاك بين استحقاق رياضي عالمي وشأن سياسي داخلي بالأساس. وما يدعو إلي التأمل في ذلك المشهد, أن الاستحقاق الرياضي الذي جري وسط توتر أمني وسياسي, هو في ذاته منبت الصلة بالواقع السياسي البحريني. فوجه الارتباط الوحيد الظاهر بينهما أن فعالياته تجري فوق أرض البحرين. الأمر الذي يثير التساؤل حول دوافع المعارضة لرفض السباق, ومنطق الحكومة في الإصرار علي إقامته. من مواقف وتحركات بعض فصائل المعارضة التي كانت ترفض تنظيم السباق, يمكن قراءة رسالتين أساسيتين. الأولي, مفادها أن قطاعات عريضة من الشعب تعاني قهرا وقمعا ووضعا غير ديمقراطي, وربما غير إنساني في مجمله. والرسالة الثانية, أن نظاما يحكم شعبه بهذا الأسلوب, يجب ألا يسمح له باستضافة وتنظيم فعاليات رياضية عالمية مثل الفورميولا-1, لما قد يوحي به ذلك من أن الأمور في البحرين علي خير ما يرام. ولم تكن كل فصائل المعارضة ترغب في منع إقامة السباق أو تعكير صفوه, فقد كان هذا هو هدف ائتلاف14 فبراير الذي يغلب جيل الشباب علي تركيبته. أما جمعية الوفاق إحدي أقدم القوي السياسية المعارضة, فلم ترتق مطالبها إلي حد إلغاء السباق, وإنما أعلنت بشكل واضح أن هدفها هو (اسماع صوتها) وتأكيد المطالبة بالديموقراطية وضرورة إنهاء ما وصفته با لدكتاتورية. كما تفاوتت مطالب ومواقف القوي المعارضة, تدرجت أيضا تحركات وإجراءات الحكومة البحرينية, من اعتقال النشطاء لتقليص قدرة المعارضة علي الحشد والتظاهر, وصولا إلي التعامل الأمني مع التظاهرات وتفريقها بالقوة ومنعها من الوصول إلي حلبة السباق. وبدا واضحا أن السلطات البحرينية اعتبرت استضافة السباق تحديا لا بديل عن اجتيازه بنجاح, خاصة أنه تزامن مع انتقادات لحالة حقوق الإنسان والتطور السياسي الداخلي في البحرين.
بالفعل, حققت مملكة البحرين مكسبا سياسيا مهما بنجاحها في تنظيم الفورميولا-1 والظهور أمام العالم دولة قادرة علي التصدي لاستحقاقات عالمية بهذا المستوي, لكن في الوقت ذاته نجحت تحركات المعارضة في تسليط مزيد من الضوء علي ملف الداخل البحريني وتطوراته. حيث ظهر جليا أن هناك مشكلة محلية تتعلق بمطالب سياسية محددة لأعداد من المواطنين وأن الإجراءات والإصلاحات التي تقوم بها الدولة ليست كافية بعد لاستيعاب تلك المطالب وتلافي أسباب الاحتجاج. ومن شواهد ذلك البطء الذي يجري به تنفيذ ما جاء في تقرير لجنة تقصي الحقائق الدولية المحايدة التي كلفها العاهل البحريني بدراسة أحداث احتجاجات العام الماضي, التي عرفت باسم (لجنة بسيوني). مع أن ظاهرة الاحتجاج والمطالبة بالتغيير بل وإسقاط النظام في البحرين تعود إلي نحو 15 شهرا مضت, إلا أنها لا تندرج بالضرورة ضمن ثورات الربيع العربي. فهناك مطالب واحتجاجات, لكنها تظل محصورة في نطاق طائفي, قياسا علي انتماء وهوية المحتجين (شيعة بالأساس) وكذلك علي نوعية المطالب والإصلاحات التي يدعون إليها. فضلا عن أن بعضا من الطائفة الشيعية ناهيك عن غالبية الطائفة السنية- لا يقفون أصلا موقف المعارضة من النظام. لذلك فإن المرحلة المقبلة تمثل اختبارا حقيقيا لكلا الجانبين. فالمعارضة مطالبة بتنظيم نفسها وتوحيد صفوفها وتأطير مطالبها, ضمن توافق مجتمعي عام, ليس وفق منطلقات وتوجهات مذهبية أو طائفية. ما يفضي إلي بلورة مطالب موحدة عامة ووطنية, يمكن طرحها والنقاش حولها مع الدولة باسم كل طوائف ومكونات الشعب وليس لصالح طائفة بعينها. وعلي السلطة الحاكمة إدراك أن تدرج الإصلاحات لا يعني اقتطاعها, وأن اجتياز اختبار استضافة الفورميولا لا يعني التخفف من مسئولية الإصلاح أو ضرورة التعامل بجدية مع مطالب المعارضة التي تمثل شريحة لا يستهان بها من الشعب البحريني.