جدول مباريات منتخب مصر في كأس أمم أفريقيا 2025    الأطباء: قبول طلاب الطب دون توفير فرص تدريب كافٍ جريمة في حق المريض والمهنة    المحكمة الإدارية العليا تؤيد استبعاد هيثم الحريرى من الترشح لمجلس النواب    رئيس الوزراء يتابع الموقف التنفيذي والمالي لمشروع المحطة النووية بالضبعة    وكيل تعليم بالغربية: تعزيز التفاعل الإيجابي داخل الفصول مع الطلاب    الحكومة تدرس إعفاء حملة وثائق صناديق الاستثمار بأنواعها من الضرائب على الأرباح    انفجار داخل مصنع وسط روسيا يسقط 10 قتلى    «إكسترا نيوز»: ما يدخل غزة لا يزال نقطة في محيط الاحتياج الإنساني| فيديو    لجنة تطوير الإعلام الخاص تعقد أولى اجتماعاتها    الزمالك يتقدم بشكوى ضد أسامة حسني للمجلس الأعلى لتنظيم الإعلام    صبري عبد المنعم في أول ظهور بعد الوعكة الصحية الأخيرة.. استأصلت جزءا كبيرا من الرئة بسبب السرطان    حنان مطاوع تكشف شعورها بعد ترشح فيلمها «هابي بيرث داي» ل الأوسكار    «في الحركة حياة» ندوة وورشة عمل بمكتبة الإسكندرية    هل تأخير صلاة الفجر عن وقتها حرام؟| أمين الفتوى يجيب    نائب وزير الصحة يوجّه بإنشاء عيادات جديدة لخدمة أهالي وسط سيناء    معجنات الجبن والخضار.. وصفة مثالية لوجبة خفيفة تجمع بين الطعم وسهولة التحضير    تمارين مثبتة علميا تساعد على زيادة طول الأطفال وتحفيز نموهم    الكشف على 1102 مواطن خلال قافلة طبية مجانية بأبو السحما بالبحيرة    وزارة التضامن تحدد آخر موعد للتقديم في حج الجمعيات الأهلية 2026    محافظ سوهاج يتفقد فعاليات وأنشطة مبادرة " أنت الحياة " بقرية نيدة بأخميم    نائب ترامب: الرئيس سيعارض ضم إسرائيل للضفة.. وذلك لن يحدث    محافظ كفر الشيخ: تسهيلات غير مسبوقة للجادين وإزالة معوقات التقنين لتسهيل الإجراءات    مساعد وزير الخارجية المصري: الاتحاد الأوروبي أصبح شريكًا اقتصاديًا بمعنى الكلمة لمصر    عبد المنعم سعيد: الحزب الجمهوري يرفض إرسال جنود أمريكيين لمناطق نزاع جديدة    الأنبا إبرهام: الوحدة المسيحية تحتاج إلى تواضع وحوار ومحبة حقيقية    الشيخ خالد الجندي: الطعن فى السنة النبوية طعن في وحي الله لنبيه    عودة موسيالا لتدريبات بايرن بعد إصابته أمام باريس في مونديال الأندية    أندية وادي دجلة تحصل على التصنيف الفضي في تقييم الاتحاد المصري للتنس    محافظ بني سويف يتفقد مستجدات الموقف التنفيذي لأعمال المرحلة الثانية من تطوير نادي سيتي كلوب    استعدادا لموسم الأمطار.. محافظ البحيرة توجه برفع كفاءة محطات الصرف وتنفيذ سيناريوهات لإدارة الأزمات    رسمياً.. الاتحاد يشكو حكم مباراته ضد الأهلي    النفط يقفز 3% بعد العقوبات الأمريكية على شركات نفط روسيا    منها «نزع ملكية عقار».. الجريدة الرسمية تنشر 5 قرارات جديدة لرئيس الوزراء (تفاصيل)    موعد مباراة منتخب مصر للكرة النسائية وغانا في تصفيات كأس الأمم الأفريقية    ب«لافتات ومؤتمرات».. بدء الدعاية الانتخابية لمرشحي مجلس النواب في الوادي الجديد (تفاصيل)    إطلاق الموسم الرابع من مبادرة «ازرع» لدعم زراعة 250 ألف فدان من القمح    العثور على جثة «مجهول الهوية» على قضبان السكة الحديد بالمنوفية    بيتصرفوا على طبيعتهم.. 5 أبراج عفوية لا تعرف التصنع    الداعية مصطفى حسنى لطلاب جامعة القاهرة: التعرف على الدين رحلة لا تنتهى    رانيا يوسف تكشف الفرق الحقيقي في العمر بينها وبين زوجها: مش عارفة جابوا الأرقام دي منين!    السادة الأفاضل.. انتصار: الفيلم أحلى مما توقعته ولا أخشى البطولة الجماعية    النيابة العامة تنظم دورات تدريبية متخصصة لأعضاء "الأسرة".. صور    وزارة الدفاع الروسية: إسقاط 139 طائرة مسيرة أوكرانية خلال الليل    تشيلسي يكتسح أياكس امستردام بخماسية في دوري أبطال أوروبا    تعرف على مواقيت الصلاة اليوم الخميس 23-10-2025 في محافظة الأقصر    نقابة السجون الفرنسية تندد بوجود ضباط مسلحين لحراسة ساركوزي داخل السجن    البنك الأهلي يحصد شهادة التوافق لإدارة وتشغيل مركز بيانات برج العرب من معهد «Uptime»    بسعر 27 جنيهًا| التموين تعلن إضافة عبوة زيت جديدة "اعرف حصتك"    حجز الحكم على البلوجر علياء قمرون بتهمة خدش الحياء العام ل29 أكتوبر    الصحة توقع مذكرة تفاهم مع الجمعية المصرية لأمراض القلب لتعزيز الاستجابة السريعة لحالات توقف القلب المفاجئ    شبكة العباءات السوداء.. تطبيق "مساج" يفضح أكبر خدعة أخلاقية على الإنترنت    ما حكم بيع وشراء العملات والحسابات داخل الألعاب الإلكترونية؟ دار الإفتاء تجيب    محمد بن سلمان يعزى ولى عهد الكويت فى وفاة الشيخ على الأحمد الجابر الصباح    تجدد القصف الإسرائيلي على خانيونس وغزة رغم وقف إطلاق النار    محمد صلاح.. تقارير إنجليزية تكشف سر جديد وراء أزمة حذف الصورة    مقتول مع الكشكول.. تلميذ الإسماعيلية: مشيت بأشلاء زميلى فى شنطة المدرسة    مصرع فتاة بعد سقوطها من الطابق ال12 بحى غرب أسيوط    سعر اليورو مقابل الجنيه المصري اليوم الخميس 23 أكتوبر 2025 في البنوك المحلية    







شكرا على الإبلاغ!
سيتم حجب هذه الصورة تلقائيا عندما يتم الإبلاغ عنها من طرف عدة أشخاص.



دفاعا عن حرية الإبداع
نشر في الأهرام اليومي يوم 08 - 11 - 2015

رحم الله يوسف إدريس فقد كان أحد الذين حاربوا حتى اللحظة الأخيرة من أجل حرية الإبداع، ولذلك ترك لنا كلماته التى تشبه صرخة الاحتجاج التى لا تزال تتردد من زمنه إلى زمننا عندما قال: «إن كل الحرية المتاحة فى العالم العربى لا تكفى روائيا واحدا». وها نحن بعد ثورتين نرى الدنيا حولنا لا تتغير، كأننا بطل قصته القصيرة «المرتبة المقعرة». والمعروف أن الثورات تتفجر بتلهب الحرية فى النفوس والعقول والقلوب، فيتمرد الجميع على تقاليد الماضى المتحجرة، وأنظمة الاستبداد الهرمة، وآليات الحجر على حق الاختلاف والمغايرة والمغامرة الذى هو قدس أقداس الحرية الإبداعية. ولكن يبدو أننا نتقدم إلى الأمام وأعيننا فى أقفيتنا، فنتحرك خطوة إلى الأمام وعشر خطوات إلى الخلف. لقد سقط نظام سياسى قديم فاسد فى 25 يناير، وسقط مشروع دولة دينية هى نوع من الفاشية الجديدة فى 30 يونيو. ولكن يبدو أن الرياح تأتى بما لا تشتهى النفوس والقلوب والعقول الحرة، خصوصا الشباب الذين كانوا الوقود الحقيقى لكل من ثورة 25 يناير و30 يونيو على السواء.
ولا أدرى لمصلحة من تقمع العقول المبدعة لهذا الشباب الذى نعتمد عليه لفتح أبواب المستقبل الواعد. هل نريد أن نحول بين هذا الوطن وأضواء إبداع المستقبل الذى يحمل على كفيه أحلام الدولة المدنية الواعدة بالحرية والعدل، والحرية لا تتجزأ فكرا وإبداعا وموقفا سياسيا وفكرا دينيا على السواء.
فى سنة 2014- أى العام الماضي- نشرت دار نشر لمجموعة من الشباب، باسم منشورات رسوم رواية بعنوان «استخدام الحياة» تأليف أحمد ناجى ورسومات أيمن الزرقاني. والرواية فيما يسمى «الأدب التجريبي»، وتقوم على حوار بين المرسوم المتصل بفن الكوميكس والمقروء الذى ينبنى على طرائق مبتكرة فى القص وجرأة فى تناول الموضوعات. ومضى على طبع الرواية عام كما قلت، وقامت بتوزيعها «دار التنوير»، وهى دار نشر محترمة، تهدف إلى تنوير العقول، ولها فروعها فى القاهرة وبيروت وتونس. وحصلت إحدى رواياتها على جائزة بوكر العربية فى العام الماضي.
ويبدو أن الأستاذ طارق الطاهر رئيس تحرير «أخبار الأدب»- وهى أهم جرنال أدبى يصدر فى العالم العربي، وله دوره الفاعل فى تشجيع التجارب الطليعية فى الأدب- عرض عليه أن ينشر فصلا من رواية أحمد ناجي، فوافق تشجيعا للتجريب والمغامرة، وهما جناحا الأدب فى التغير الخلاق. ونشرت «أخبار الأدب» بالفعل فصلا من رواية «استخدام الحياة». وتصادف أن قرأ العدد الأستاذ هانى صالح توفيق، ويبدو أن خبرته بالأدب محدودة جدا، ففهم الفصل من الرواية الخيالية على أنه مقال، فانفعل وغضب لما رآه فى المقال الذى هو فصل من رواية خيالية، وتقدم بشكوى إلى النيابة، وذهب فى بلاغه إلى أنه عندما قرأ المقال المنشور لأحمد ناجى حصل له اضطراب فى ضربات القلب، وإعياء شديد، وانخفاض حاد فى الضغط. وما كان من النيابة إلا أن أحالت البلاغ إلى قضية (رقم 1945 لسنة 2015 إدارى بولاق أبو العلا)، وجاء فى أمر إحالة المتهمين أحمد ناجى وطارق الطاهر «إن المتهم- أحمد ناجي- نشر مادة كتابية نفث فيها شهوة فانية ولذة زائلة، وأجّر عقله وقلمه لتوجه خبيث، حمل انتهاكا لحرمة الآداب العامة وحسن الأخلاق والإغراء بالعهر، خروجا على عاطفة الحياء»، والحق أننى ترددت فى كتابة الجملة الأخيرة، لكنها هكذا وردت فيما قدم لى تصويرا عن جريدة التحرير 2/11/2015.
والسؤال الآن: هل يستحق نشر فصل من رواية تجريبية، لا يقرؤها إلا الخاصة من المثقفين، الإحالة إلى محكمة الجنايات. وهب أن قارئا استفزه ما قرأ، ولم يستطع التمييز بين القص الخيالى والمقال، فهل من حقه أن يقدم بلاغا إلى النيابة. وهل يعنى قبول البلاغ أننا عدنا إلى كارثة زمن الحسبة التى أدت إلى كارثة نصر أبو زيد وأمثاله. وماذا عن المواد الخاصة بحرية التفكير والإبداع والنشر فى الدستور المصرى الذى أقره الشعب بعد ثورة 30 يونيو، خصوصا المواد 65، 66، 67. وتؤكد المادة (65) أن حرية الرأى والفكر مكفولة، ولكل إنسان حق التعبير عن رأيه بالقول أو التصوير أو غير ذلك من وسائل التعبير. أما المادة (67) فهى حاسمة فى النص على أن حرية الإبداع الفنى والأدبى مكفولة، وتلتزم الدولة بالنهوض بالفنون والآداب، ورعاية المبدعين وحماية إبداعاتهم، وتوفير وسائل التشجيع اللازمة لذلك. ولا يجوز رفع أو تحريك الدعاوى لوقف أو مصادرة الأعمال الفنية والأدبية والفكرية أو ضد مبدعيها إلا عن طريق النيابة. ولا توقع عقوبة سالبة للحرية فى الجرائم التى ترتكب بسبب علانية المنتج الفنى أو الأدبى أو الفكري...»، وواضح مما تنص عليه المادة أن واجب الدولة رعاية المبدعين وحماية إبداعاتهم. وهذا لا يكون إلا بإشاعة مناخ من الحرية يتيح للمبدعين حقهم فى المغامرة والتجريب دون عوائق أو قيود أو خوف من عقول مظلمة وعقليات تنتسب إلى سلفية وهابية هى أعدى أعداء الإبداع. وقد كتبت وقلت مرارا وتكرارا إن أعدى أعداء الإبداع الفنى والأدبى والفكرى عدوان: أولهما الاستبداد السياسى الذى يكمم أفواه المبدعين، ويشيع طبائع الاستبداد فى الأمة، وثانيهما: الانغلاق الفكرى والتعصب الدينى الذى صنع محاكم التفتيش بكل فظائعها فى أوربا، وحرق الكتب والمفكرين من أمثال الإيطالى جيوردانو برونو. ويبدو أن ما يحدث حولنا، والسنة الكئيبة التى حكمنا فيها الإخوان، فضلا عن السلفية الوهابية التى لا تزال تعيش بين ظهرانينا تخلق مناخا من الانغلاق بين طوائف لا تزال لا تعرف الفارق بين فصل فى رواية خيالية ومقال فكري.
مؤكد أننا فى حاجة إلى نشر وإشاعة ثقافة الاستنارة التى تحول دون أن يقرأ قارئ فصلا فى رواية، فيبلغ به سوء الظن إلى تقديم بلاغ إلى النيابة، فتقوم النيابة بتحويل رئيس تحرير محترم من حقه أن ينشر ما يراه إبداعا حتى ولو خالف القراء فى الرأي. أما هذا القارئ الذى سارع بالمبالغة بإساءة الظن فى كاتب عمل تجريبي، ولم يعرف الفارق بين المقال والقصة، فحسبى أن أذكره بالقول المنسوب إلى الإمام مالك: «إذا ورد قول من قائل يحتمل الكفر من تسعة وتسعين وجها، ويحتمل الإيمان من وجه واحد، حمل على الإيمان، ولم يحمل على الكفر.» والروائى الشاب الواعد أحمد ناجى لم يقل ما يحتمل الكفر، بل خرج على الأخلاق التقليدية الجامدة. ويقينى أن كل مثقفى مصر الشرفاء معك يا أحمد أنت وطارق، فقضيتكما هى قضية مستقبل الثقافة فى مصر. ولحسن الحظ، عندنا قضاء مستنير وقضاة يعرفون قيمة الأدب وقيمة التجريب والمغامرة فى الأدب، خصوصا إبداع الشباب صانع مستقبل هذا الوطن الحزين الذى ابتلاه الله بمتعصبين لا يدركون معنى الأدب ولا معنى التجريب الأدبي.
لمزيد من مقالات جابر عصفور


انقر هنا لقراءة الخبر من مصدره.