يبحث البشر منذ بدء الخلق عن السلام وسبل تحقيقه والحفاظ عليه ولكن وعلى مر التاريخ تظهر قوى "مكافحة السلام" وتبذل كل ما فى وسعها للقضاء على السلام والأمن والإستقرار فى أى مجتمع أو أمة. ولم تكن جنوب السودان بعيدة عن نشاط قوى "مكافحة السلام" التى طاردت عملية السلام بأعمال العنف ونشر الكراهية ووصل الأمر إلى الدخول فى مواجهات ضد بعثة الأممالمتحدة فى جنوب السودان مما ينبئ بتأزم العلاقة بين أطراف النزاع بجنوب السودان من جانب والعالم ممثلا فى الأممالمتحدة والاتحاد الافريقى من جانب آخر!! وكان 18 من الأفراد النظاميين ببعثة الأممالمتحدةبجنوب السودان و 12من المتعاقدين يقومون بنقل الوقود من ملكال إلى قاعدة البعثة فى الرنك عندما أوقفهم ما يقرب من مائة جندى من جنود الجيش الشعبى لتحرير السودان فى كاكا فى مقاطعة مانيو. وتمكنت البعثة بعد مباحثات مع قيادة المعارضة، من الإفراج عن 18فردا. وعندها دعت مبعوثة الأممالمتحدة إلى جنوب السودان، ايلين مارجريت لوى، إلى الإفراج الفورى عن ال 12متعاقدا الباقين ً، محذرة من أن ذلك يمكن أن يعتبر "جريمة حرب" تتطلب فرض عقوبات. وفى 2نوفمبر تم الإفراج عن الجميع. وجاءت تلك التحركات المضادة للسلام فى وقت له مغزاه. فقد تبنى مجلس الأمن الدولى فى أكتوبر الماضى القرار 2241 (بموجب الفصل السابع) الذى قضى بتمديد مهام بعثة حفظ السلام بجنوب السودان حتى يوم 15 ديسمبر القادم. وجاء به: "..وإذ يقرر أن الحالة فى جنوب السودان ما زالت تشكل خطراً يهدد السلام والأمن الدوليين فى المنطقة، وإذ يتصرف بموجب الفصل السابع من ميثاق الأممالمتحدة..". وأعرب مجلس الأمن فى قراره عن اعتزامه النظر فى جميع التدابير المناسبة التى يمكن اتخاذها ضد من يقومون بأعمال تقوض سلام جنوب السودان واستقراره وأمنه، بمن فيهم من يمنعون تنفيذ الاتفاقين اللذين ترتكز عليهما عملية تحقيق السلام فى جنوب السودان وهما : اتفاق وقف الأعمال العدائية الذى قبله ووقّع عليه كل من حكومة جنوب السودان والحركة الشعبية/الجيش الشعبى لتحرير السودان (التيار المعارض) فى 23يناير2014، و"اتفاق تسوية الأزمة فى جنوب السودان" فى 26 أغسطس عام 2015 حينما توصل سلفا كير وريك مشار الى اتفاق سلام نص على وقف لإطلاق النار وآلية لتقاسم السلطة. وبالفعل وقبل نهاية شهر أكتوبر وصل ثلاثة من أعضاء بعثة تقييم قوامها عشرة أفراد، مكلفة من قبل مجلس حقوق الإنسان فى الأممالمتحدة، إلى جوبا لبحث آثار انتهاكات حقوق الإنسان على المدنيين المتضررين منذ اندلاع أعمال العنف فى البلاد فى ديسمبرعام 2013. وستقدم البعثة تقرير التقييم إلى مجلس حقوق الإنسان فى دورته القادمة مارس 2016 متضمنا نتائج تحقيق البعثة فى انتهاكات الجهات الفاعلة من كلا جانبى الخصومة السياسية. وفى ذات التوقيت صدر تقرير لجنة التحقيق التابعة للاتحاد الأفريقى المشفوع برأى مستقل، وذلك بناء على البيان الصادر عن مجلس السلم والأمن التابع للاتحاد الأفريقى فى سبتمبر 2015. وأكد تقرير الاتحاد الإفريقى أن أكل لحوم البشر القسرى وبتر الأعضاء البشرية وتجنيد الأطفال وانتهاكات أخرى كانت السمة التى اتصفت بها حرب جنوب السودان. ووجدت اللجنة التى أعدت التقرير(بقيادة الرئيس النيجيرى السابق أولوسيجون أوباسانجو) حالات من "القسوة المفرطة" فى العاصمة جوبا شملت "بتر أعضاء بشرية" وحرق جثث وتصفية دماء القتلى وإجبار آخرين على شرب هذه الدماء أو أكل لحم بشرى محترق". وأشار التقرير إلى وجود "أسباب معقولة تدعو للاعتقاد بأن الطرفين فى النزاع ارتكبا تلك الإنتهاكات". وكانت الأممالمتحدة قد رصدت اجتياح العنف المتفاقم المنطقة الوسطى فى جنوب السودان على مدى الأشهر الماضية، واستهداف المدنيين بشكل ممنهج. ففى ولاية الوحدة الجنوبية وحدها، تم اختطاف 1600 امرأة قسرا منذ مايو، وقتل أكثر من ألف مدنى، وتم اغتصاب1300 امرأة وفتاة، وتم تجنيد أكثر من 15 ألف طفل فى الجماعات المسلحة!! وقد رصدت التقارير أن أعداد المشردين تجاوزت 2مليون ومائتى ألف مشرد!! وفيما يتعلق بالتضييق على بعثة الأممالمتحدة فقد أعرب مجلس الأمن فى قراره رقم 2241 عن بالغ القلق إزاء استمرار القيود المفروضة على حركة بعثة الأممالمتحدة وعلى عملياتها. وأدان مجلس الأمن بشدة الهجمات التى تشنها القوات الحكومية وقوات المعارضة والجماعات الأخرى على أفراد ومرافق الأممالمتحدة والهيئة الحكومية الدولية المعنية بالتنمية، بما فى ذلك حادثة إسقاط الجيش الشعبى لتحرير السودان طائرة عمودية تابعة للأمم المتحدة فى ديسمبر 2012، والهجوم الذى تعرضت له قافلة تابعة للأمم المتحدة فى أبريل 2013، والهجوم الذى تعرض له معسكر البعثة فى أكوبو فى ديسمبر 2013، وحادثة إسقاط جماعات مسلحة غير محددة الهوية لطائرة عمودية تابعة للأمم المتحدة فى أغسطس 2014، وتوقيف واحتجاز فريق للرصد والتحقق تابع للهيئة الحكومية الدولية المعنية بالتنمية فى أغسطس 2014، واحتجاز واختطاف موظفين تابعين للأمم المتحدة وأفراد مرتبطين بها، والهجمات المتكررة التى تتعرض لها معسكرات البعثة فى بور وبانتيو وملكال وملوت، واختفاء ثلاثة من الموظفين الوطنيين المرتبطين بالأممالمتحدة وأحد المتعاقدين الوطنيين ووفاتهم، وطالب حكومة جنوب السودان باستكمال التحقيق فى هذه الهجمات بشكل سريع وواف ومحاسبة المسئول عنها. وأعرب مجلس الأمن عن بالغ القلق إزاء الخطر الذى يتهدد السلام والأمن فى المنطقة نتيجة للنقل غير المشروع للأسلحة الصغيرة والأسلحة الخفيفة وتخزينها مما يضر بالاستقرار. وأدان المجلس بشدة جميع انتهاكات وتجاوزات حقوق الإنسان، وانتهاكات القانون الدولى الإنسانى، بما فى ذلك ما يتصل منها بأعمال القتل خارج نطاق القضاء، والعنف الموجه ضد جماعات عرقية بعينها، والاغتصاب، والهجمات على المدارس ودور العبادة والمستشفيات وعلى أفراد الأممالمتحدة والأفراد المرتبطين ببعثات حفظ السلام، التى يرتكبها جميع الأطراف، بما فيها الجماعات المسلحة وقوات الأمن الوطنية، وكذا التحريض على ارتكاب هذه التجاوزات والانتهاكات. وشدد على أهمية محاسبة المسئولين عن تلك الانتهاكات. ولم يخف مجلس الأمن رغبته فى ملاحقة جرائم الحرب ومرتكبيها فى جنوب السودان حيث أعرب عن بالغ قلقه لأنه وفقا لما ورد فى بعض التقارير الدولية ، هناك ما يدعو إلى الاعتقاد بأن الحكومة وقوات المعارضة قد ارتكب كلاهما جرائم حرب وجرائم ضد الإنسانية، مشيرا إلى أن مثل هذه الجرائم تشكل أعمالا تهدد السلام والأمن والاستقرار فى جنوب السودان. وعن دور الإعلام فى إشعال العنف وروح الكراهية أدان مجلس الأمن بشدة استخدام وسائط الإعلام لنشر خطاب الكراهية وتوجيه رسائل تحرض على ممارسة العنف ضد جماعات عرقية بعينها، مما قد يكون له دور مؤثر فى نشر العنف الجماعى وتفاقم النزاع، وطالب حكومة جنوب السودان باتخاذ التدابير الملائمة لردع هذه الأنشطة، ووقفها والمساهمة بدلا من ذلك فى الترويج للسلام والمصالحة بين الطوائف. وأكد مجلس الأمن أنه يجوز تحديد المسئول من الأفراد والكيانات عن الإجراءات أو السياسات التى تهدد السلام أو الأمن أو الاستقرار، أو المشاركين والضالعين بصورة مباشرة أو غير مباشرة، لفرض جزاءات عليهم بموجب القانون، منبها إلى استعداده لفرض جزاءات محددة الهدف اسوة بمجلس السلم والأمن التابع للاتحاد الأفريقى الذى صمم على ملاحقة جميع من يعوقون تنفيذ اتفاق التسوية. وتجدر الإشارة إلى أن إندلاع الحرب الأهلية فى جنوب السودان وقع فى ديسمبر 2013 بعد اتهام رئيس البلاد "سيلفا كير ميارديت"، نائبه فى ذلك الوقت "رياك مشار"، بالتخطيط لانقلاب ضده، ما دفع البلاد نحو سلسلة من أعمال عنف وانقسام عرقى. وهكذا يستمر الصراع بين قوات مكافحة السلام من جانب وبعثة وقوات حفظ ومراقبة السلام من جانب آخر بينما يظل الشعب المكون من المدنيين العزل منتظرا للفرصة والأمل فى شروق شمس السلام والتنمية على المنطقة.