على الرغم من التقدم العالمي في إدارة الكوارث الطبيعية وغير الطبيعية، لا يزال من الصعب التنبؤ بالكوارث أو توقعها، لكن أصبح من اليسير فهمها، والتعامل معها والتحسب لأخطارها وتقليص خسائرها على نحو علمي أكثر انضباطا. ومقارنة بين حجم الخسائر التي نتجت عن الكوارث الطبيعية في النصف الثاني من القرن العشرين والخمسة عشر عاما الماضية، بحجم الخسائر التي نتجت عن تلك الكوارث في القرون السالفة، تكشف مدى التقدم المحرز على الصعيد الدولي في احتواء تأثيراتها، سواء البشرية أو المادية. وتقدم الدول والمجتمعات خبرات متفاوتة في التعامل مع الكوارث، وتلعب الاعتبارات الناتجة عن الثقافة الشعبية والتقاليد والدين وعادات مثل السحر والشعوذة دورا في قدرة المجتمعات على التعاطي مع الكوارث، ومازالت بعض الثقافات تتعامل مع الكوارث على أنها قضاء وقدر، وتفسرها بعض التأويلات الدينية بأنها عقاب من الله، وهو ما يخالف المفاهيم العلمية الحديثة التي تقدم إمكانات جديدة في التشخيص والتنبؤ والتدريب على الحد من الخسائر. ولا تقتصر هذه المفاهيم الثقافية على الدول النامية، وإنما تتخطاها إلى شعوب ومجتمعات أخرى، فبعد كارثة تسونامي 2004، اعتقد كثير من الناس في أندونيسيا أن الله عاقبهم بسبب السماح بالسياحة، كما انتشرت معتقدات على نطاق واسع في أمريكا بشأن إعصار كاترينا 2005، تشير إلى غضب الله من سلوكيات سكان نيو أورليانز. مراكز إدارة الكوارث أقدمت معظم دول العالم على إنشاء مراكز للطوارئ وإدارة الكوارث، وهناك العشرات من هذه المراكز عبر العالم خصوصا في الولاياتالمتحدة، وفي دول جنوب شرق آسيا، التي تعاني من وقوع الكوارث بشكل مستمر، حيث شهدت هذه الدول تطورا كبيرا في مواجهة الكوارث سواء قبل الكارثة أو أثنائها أو بعدها، وهناك مراكز طوارئ وإدارة الأزمات على الصعيد الوطني وأفرع لها على الصعيد المحلي، تعمل جميعها بشكل متسق ومتناغم. وتهدف هذه المراكز على حد ذكرها إلى دعم قدرات مواجهة الكوارث، وبناء مجتمعات آمنة، وخلق مجتمع يمكن فيه تحقيق التنمية المستدامة. وعلى سبيل المثال، فإن مركز تخفيف الكوارث Asian Disaster Reduction Center الذي يضم في عضويته عشرات الدول الآسيوية، يعمل على بناء مجتمعات ذات قدرة على مواجهة الكوارث، وإنشاء شبكات بين الدول من خلال العديد من البرامج، بما في ذلك تبادل الموظفين في هذا المجال. ويتناول المركز إدارة الكوارث من منظور عالمي بالتعاون مع مجموعة متنوعة من وكالات الأممالمتحدة والمنظمات والمبادرات الدولية، مثل الاستراتيجية الدولية للحد من الكوارث (ISDR)، ومكتب تنسيق الشئون الإنسانية (OCHA)، ومنظمة الأممالمتحدة للتربية والعلم والثقافة (اليونسكو)، ولجنة الأممالمتحدة الاقتصادية والاجتماعية لآسيا والباسيفك، والمنظمة العالمية للأرصاد الجوية (WMO)، والمكتب الإقليمي لمنظمة الصحة العالمية لغرب المحيط الهادئ. كما أن مركز الكوارث الباسيفيكي Pacific Disaster Center (PDC) يقدم معلومات وتقديرات شاملة حول الكوارث، والأدوات والخدمات المطلوبة للحد من مخاطرها، ويكرس جهوده للتخفيف من آثار الكوارث وتعزيز قدرات التأهب والاستجابة، والتعافي من خلال رصد الأخطار المتعددة للكوارث، والإنذار المبكر، وأنظمة دعم القرار، وكذلك من خلال تقييم المخاطر الاجتماعية والاقتصادية للكوارث. ويدعم المركز اتخاذ القرارات المبنية على الأدلة في كل فترات دورة الكارثة، مما يجعل المعلومات ذات جودة عالية من مصادر موثوقة متوافرة بشكل آمن ويمكن الوصول إليها. وضع سقف للخسائر وتؤكد التجربة الصينية محورية التعامل العلمي مع إدارة الكوارث. فلقد «تعلمت الصين من خبرة سنوات عديدة مليئة بالخسائر البشرية والاقتصادية الفادحة مدى أهمية وضع سقف للخسائر السنوية المقبولة، إذا قُدر لها أن تنجح في حماية تنميتها الاقتصادية والاجتماعية. وهي تستهدف الآن عدم زيادة الخسائر الناجمة عن الكوارث عن 1.5 بالمائة من الناتج المحلي الإجمالي». وهي بذلك تعد أول دولة في العالم تعلن عن مثل هذه الخطوة. وتتضمن الخطة الصينية تحديد أهداف قابلة للقياس، وإدراج الحد من مخاطر الكوارث ضمن خطط التنمية الأوسع نطاقاً التي تعدها الحكومة. وتشير الخبرة الدولية في إدارة الكوارث إلى ما يلي: (*) الإنذار المبكر: فالنجاح الرئيسي في مواجهة الكوارث في العالم يتجه إلى الكوارث المفاجئة وغير الاعتيادية، أما الأزمات والكوارث غير المفاجئة، فإن القصور في مواجهتها لا يشير إلا إلى القصور البيروقراطي، فإذا كانت الكوارث من النوع الاعتيادي الذي تواجهه منطقة ما في وقت معين في كل عام، أو على نحو موسمي أو دوري، فإنها تشكك في قدرة الجهاز البيروقراطي، ومعالجة ذلك لا تخص علم إدارة الكوارث. تخفيف المخاطر التقدم الكبير على المستوى الدولي تركز بشكل رئيسي على مجهودات توقع الكوارث وتخفيف آثارها عند وقوعها وبعده. ولعل تسليط الضوء على تعامل إدارة بوش مع إعصار كاترينا 2005 وتعامل إدارة أوباما مع إعصار ساندي 2012 يشير إلى مدى قدرة علم إدارة الكوارث على تخفيف مخاطر الكوارث والحد منها، حيث تعاملت إدارة أوباما في مواجهة إعصار ساندي بشكل علمي مدروس، حيث بدأت في إدارة الأزمة مبكرا عقب التنبؤ باقتراب ساندي من الأراضي الأمريكية، وتم الإجلاء المؤقت لمئات الآلاف من السكان الذين يقطنون في المدن التي تقع في مسار الإعصار المتوقع. (*) التوزيع الميداني المسبق: وفقا للتوقع بالكارثة والتنبؤ بها، يجري توزيع المهام بشكل محدد على الأجهزة وفرق العمل فيما يسمى بالاستعداد والتأهب، وذلك إدراكا لخطورة وأهمية عنصر الوقت في إدارة الكارثة، وفي الأغلب تكون خطط إدارة الكوارث معدة سلفا، ويكون قد تم التدريب عليها بين أجهزة الدولة بقطاعاتها المختلفة سواء العسكرية أو المدنية، ويكون لدى كل إدارة روشتة عمل محددة ومعروفة، تقوم بتنفيذها أثناء الأزمة بالاشتراك بين رجال الأمن والإطفاء والإسعاف والمسئولين عن شبكات الكهرباء والماء.. وغيرها. ولا يدع هذا النهج من الترتيب المسبق أي مجال للمفاجآت إلا في حدود ما لا يمكن توقعه علميا. ويساعد ذلك على التعرف على المهام والتدريب عليها، ويعزز تناغم العمل بين الوحدات والفرق العاملة على مستويات متنوعة قبل التطبيق الحقيقي. (*) المصداقية والمعلومة: يصعب التعامل مع كارثة لا تتوافر معلومات صحيحة عنها، وهو ما يحدث ارتباكا في صفوف المجتمع والعاملين الميدانيين على الأرض، ومهما بلغت جسامة الكارثة القومية، ومهما كانت الاعتبارات التي تعلي من أهمية بث الثقة وطمأنة المواطنين عبر الصحافة ووسائل الإعلام، فلا يجب أن يدفع ذلك إلى إنكار المعلومة، وإنما تقديم إعلام شفاف وصادق يتضامن مع الهدف القومي للدولة ويعكس إدراكه لحجم المأساة. تجنب رسائل الطمأنة ومن المهم أن تكون هذه هي قناعات أجهزة الطوارئ والعمل الميدانية على الأرض، كما على كل منها التقدير الصحيح لاحتياجه لمواجهة الأزمة، فرسائل التطمين التي ترد للمسئولين على الصعيد القومي -من دون أساس واقعي- تنتهي إلى كوارث أكبر. وفي المثال سالف الذكر لإعصار ساندي قام الإعلام والمجتمع المدني بتوعية المواطنين بخطورة الحدث والإجراءات السليمة التي يجب عليهم اتباعها للخروج بأقل الخسائر، وصارح المسئولون المواطنين بالأضرار والخسائر التي يتوقع حدوثها وبدأت حملة جمع تبرعات عاجلة، مع إعلان الحكومة الفيدرالية دعمها المادي الكامل لكل المضارين. (*) التكامل القومي: لا تعمل مؤسسات الدول في مواجهة الكوارث القومية بشكل انفرادي، ولا تتجه الأجهزة إلى كسب أوراق في مقابل أجهزة أخرى، في سياق من المنافسة المضرة بالوطن والصورة القومية، وإنما تتكامل جهود الأجهزة وفق الخطة المشتركة، وتعمل كافة المستويات من الصعيد القومي إلى الصعيد المناطقي إلى الصعيد المحلي الأصغر والأصغر، وفق الخطة المرسومة. دعم المجتمع المحلي فمهما بلغت درجة المركزية والقدرة القومية للدول فإن أجهزتها وقيادتها القومية لا يمكنها تحمل مواجهة الكارثة من دون الشركاء المحليين وهيئات الإدارة الأدنى التي هي أدرى بأحوال واحتياجات وقضايا المجتمع المحلي. فالتعويل على الدولة في حل كل القضايا هو نتاج مرحلة الحكم الاشتراكي والمركزي، ولم يعد يناسب العالم الجديد، لذلك يبقى دعم الشركاء المحليين أساسيا من: جمعيات أهلية، وقطاع خاص، ورجال أعمال، وعمل الطوارئ، والمرأة، وشبكات المتطوعين، والعاملين الصحيين المحليين، والمجتمعات المحلية المتضررة، والهيئات المحلية الأصغر. ولعل ذلك ما أكد عليه تقرير الكوارث الدولي 2015 World Disasters Report الصادر عن جمعيات الصليب الأحمر والهلال الأحمر، الذي أتى عنوانه الفرعي لافتا (التركيز على الفاعلين المحليين هو المفتاح للفاعلية في تقديم الخدمات الإنسانية Focus on local actors, the key to humanitarian effectiveness)، والذي أشار إلى مشاركة هؤلاء الحاسمة في التخفيف من الأزمات والكوارث العالمية في السنوات الأخيرة، خصوصا في غرب أفريقيا، ونيبال، وسوريا، وألمانيا والولاياتالمتحدة. وصحيح أن دور القيادة القومي في إدارة الكوارث هو أمر مهم في كل الدول، لأنه يعزز الروح الوطنية العامة، ولكن يتعذر أن تنجح جهود إغاثة أو طوارئ أو إدارة كوارث لا تحظى بدعم المجتمع المحلي، وهو الأمر غير المتوافر في مصر، مع شيوع نماذج للسلوك اللامبالي والشامت وغير المسئول. (*) النظرية والتطبيق: لا تفتقد مصر لوجود هيئات وأجهزة الطوارئ والكوارث، ويضم الإطار المؤسسي لإدارة الأزمات والكوارث والحد من أخطارها في مصر: اللجنة الوزارية العليا لإدارة الأزمات والكوارث والحدّ من أخطارها، برئاسة رئيس مجلس الوزراء وعضوية بعض الوزارات الرئيسية المعنية، واللجنة القومية لإدارة الأزمات والكوارث والحدّ من أخطارها، واللجنة الاستشارية لإدارة الأزمات والكوارث والحدّ من أخطارها، وقطاع إدارة الأزمات والكوارث والحد من أخطارها بمركز المعلومات ودعم اتخاذ القرار برئاسة مجلس الوزراء. داء البيروقراطية ولكن المشكلة في البيروقراطية التي جعلت بعض هذه الهيئات يصاب بالداء العضال للبيروقراطية المصرية، على الرغم من الخصوصية المفترضة والمطلوبة في إدارة الكوارث. كما أن النجاح الرئيسي لبعض أجهزتنا المتعلقة بإدارة الكوارث ينصب بالأساس على النجاح النظري في إعداد الخطط والاستراتيجيات، وليس في الإدارة والعمل على الأرض. وعلى سبيل المثال، فإن «تقرير التقدُّم المُحرز في مجال تنفيذ إطار عمل هيوجو»، والذي أشار إلى أهم الإنجازات التي تمت خلال الفترة 2009 -2011، لم يشر إلى تطوير قدرات التنفيذ وإنما إلى تطوير استراتيجيات وطنية نظرية أعدها باحثون وخبراء جالسون في الغرف المكيفة وعلى المكاتب. لذلك لم يكن غريبا أن يعتبر التقرير أن أهم الإنجازات والأنشطة في مجال إدارة الأزمات والكوارث والحدّ من أخطارها في مصر، هي القيام بإعداد: الإستراتيجية الوطنية لإدارة الأزمات والكوارث والحد من أخطارها، والإستراتيجية القومية لرفع الوعي المجتمعي في مجال الحد من المخاطر ومواجهة الأزمات والكوارث، وخطة العمل الوطنية للتدريب لتنمية القدرات في مجال إدارة الأزمات والكوارث والحدّ من أخطارها، والإستراتيجية الوطنية للتكيُّف مع التغيرات المناخية والحدّ من أخطار الكوارث الناجمة عنها. ويفتقد كل ذلك إلى أدوات التحرك العملية ووسائل المحاكاة اللازمة للاستعداد للتنفيذ الميداني اللازم لمواجهة كوارث القرن الحادي والعشرين.