كأن «خفى حنين» هما الإنجاز المتبقى من الربيع العربى المزعوم، الذى ريقت من أجله كل هذه الدماء، وساد الدمار كل الدول العربية، التى نالت هذا الشرف الدجال، لينتهى الأمر بأحذية تتطاير فى المؤتمرات الصحفية وفى الفضائيات والبرلمانات، وكلما نسينا حذاء طائرا، يذكرنا آخر، بما وصلنا إليه من العجز، وانهيار لغة المنطق والعقل، فالسماء العربية صفت بالأحذية الطائرة، فلا مكان لطيور(أرستوفانيس) لإقامة دولة العدل والحرية! «الطيور» فى مسرحية الكاتب الإغريقي، قررت هجر الأرض التى ملأتها الحروب والفتن وسفك الدماء وتشريد الناس وهدم المدن، فقررت معاقبة أهل الأرض، وأهل السماء، الآلهة سبب هذه الحروب والتفرقة بين الناس، فأقامت دولة عالية الأسوار فوق السحب فى السماء، لا يدخلها إلا الطيور،فيلتقطون الحب من الأرض فلا ينبت الطعام، ويحجبون أدخنة الأضاحى التى يعيش عليها الآلهة فى السماء، فيهلك الجانبان، وينتهى عذاب البشرية من الحروب وسفك الدماء، ويعيش الأخيار فى مملكة الحب والتسامح فى السماء، ويسمح الطيور لاثنين من البشر بالإقامة بمملكتهم، هما (بسثيتايروس) المفكر و (يواليبيدس) المتفائل، والمغزى واضح عند المؤلف من قبل الميلاد، أن التفكير المنطقي، بعيدا عن السفسطة والشعارات، والتفاؤل فى إقامة حياة أفضل، هما أساس إقامة دولة عادلة، فمن أين للعرب بالتفكير المنطقى وقد سادت لغة الأحذية! وتدنت لغة الخطاب العام ما يقضى على أى بارقة تفاؤل تلوح أولا بأول! عرير قناة (الجزيرة) العميلة وأخواتها من قنوات الإخوانجية، يجب ألا يأخذنا إلى تدنى مستواهم، من لغة الخطاب المنهار، لانهيار أوهامهم، التى أبقاها جهلنا وعدونا ترعى وتتفشى أكثر من 80 عاما بين جنباتنا، فعريرهم على قنوات المبكي، التى لا يتحصل إلا على الشماتة والتشفي، لأرواء الحقد والسم الذى يجرى فى عروقهم، فيتشفون، بأحط الألفاظ وأدنى مستويات التعبير للغجر المعزولين، فى كل ساقطة ولاقطة تحدث فى بلادنا، ويغفلون أى إنجاز، ولا يتوقفون إلا على التفاهات، لعلهم بها يوقظون فتنة أو أزمة، أو على الأقل يحيون الأمل فى نفوس أتباعهم المغيبين، الذين مسحوا عقولهم منذ الطفولة! قد يتصور البعض أن عرير القنوات العميلة، وأسلوب المهزومين الكذبة، يجب مواجهته بأسلوب من جنس عملهم، حتى يحد من تأثيرهم، فنواجه السباب بالسباب، والغوغائية بالغوغائية، على اعتبار أنه لا يفل الحديد إلا الحديد، ولكنى لا أعتقد أبدا أن عرير العملاء صلب، بل هو متهافت لا يفله إلا النقيض منه المضاد الحيوى له باعتماد لغة المنطق والشرح، والصبر على إفهام الناس عواقب الأمور، فالأحداث المأساوية فى بلاد العرب التى تسبب فيها هذا التيار الكاذب، هى الدليل الدامغ لكل ذى عينين على خوائهم وخيانتهم، والناس لم تعد هى الناس قبل الربيع الدامي، واشتاقت إلى الأدب والذوق وملت الفجاجة، وترييف السلوك والألفاظ، والتعبير المتدنى بالأحذية، الذى انتقل من السياسة وانتهازيتها للتعبير بكل الوسائل المشروعة وغير المشروعة، إلى برامج اجتماعية تضطر تحت زحمة البرامج، إلى لفت الأنظار بالخروج عن قواعد الذوق والإتيكيت، وهى قواعد حضارية تعلمها أسهل من التفنن فى الترييف، كما حدث من الفنانة اللطيفة (شيرين) فى برنامج ناجح بما يقدمه، ولا يحتاج إلى الحذاء ليشد الانتباه، فتعرضت لنقد لاذع قد يثنيها وغيرها عن الخروج على قواعد الذوق والإتيكيت! ،فما أنفقته من جهد ومال، لتكون وجها مشرقا للأنوثة والجمال، قد يضيع بحركة سوقية تافهة بحذائها! ترييف السلوك العام فى الشكل والألفاظ النابية والشتائم السوقية ليس إلا تعبيرا عن الإحباط فأحذية المحتجين على بوش وتونى بلير وهيلارى كلينتون وآخرها ضد حمزة الحوثى اليمنى ما هى إلا رسائل إحباط مما تسبب به هؤلاء وغيرهم من دمار لمجتمعات كانت آمنة فخربوها بلا رحمة ولم يحقق هدمها ديمقراطية إلا حرية الرشق بالأحذية المحبطة! ترييف السلوك أيضا عنوان عن العجز بالإقناع بلغة المنطق والحوار، فيلجأ سياسيون ودعاة، لهذا الأسلوب المتدني، للإلهاء والتغييب لتزييف الفكر، وتمرير أفكار ليست ذا قيمة، على أن لها قداسة تراثية موهومة، فالبعض قد يحفظ من الكتب القديمة المئات، ويظن فى نفسه العلم والتفقه بالذى يصلح لتيسير شئون الناس، وهو ليس إلا جاهلا، بالأشواط الطويلة التى قطعها العلم ويحوله الغرور والكبر اللذان يملآنه، إلى جاهل خطير.. الدواعش إحدى صوره الفجة، التى غذاها الغرب، ليبرر عداءه للإسلام السياسي. عندما قاد الملك الراحل (فاروق) حملة للقضاء على الحفاء فى القرى والمدن اقترح عليه أحد المشايخ إجبار الفلاحين على ارتداء الأحذية، مادامت توفرت لهم، بفرض عقوبات على الحفاة، الذين كانوا يفضلون الحفاء ويحملون الأحذية خوفا عليها من الاتساخ! وبعد ثورة( يوليو) أصبح أبناء الفلاحين فى أرقى المناصب، ولكن بعضهم يستخدم الأحذية فى التعبير، ولا يعرف أن قيمة الحذاء لحماية الأرجل، وليست فى الرأس بديلا عن العقل والمنطق فنحتاج حملة جديدة للاستخدام المناسب للأحذية، تحتاج استراتيجية قومية كبرى فى أصول التربية بكل مؤسسات الدولة لا تخلو من العقاب عند استخدام الحذاء فى غير موضعه! لمزيد من مقالات وفاء محمود