في ذكرى العدوان الثلاثي على مصر والذي بدأ في 29 اكتوبر 1956 وانتهى بمارس 1957 ؛ لابد ان نرى الحقيقة مجردة مبنية على المنطق والعقل والمصلحة العليا للوطن. فعندما نعلم انه تم بدء حفر قناة السويس عام 1859 بموجب امتياز لشركة فرنسية لمدة 99عاما وأن الرئيس الراحل جمال عبد الناصر في يوليو عام 1956 بعد شهر من توليه الحكم بشكل رسمي بعد استفتاء شعبي في يونيو 1956 ، قام بتأميم شركة قناة السويس قبل انتهاء مدة الامتياز بسنوات قليلة للغاية لا تتعدى 12 عاما وذلك اذا حسبنا الفترة منذ افتتاح قناة السويس في عام 1869 وليس منذ بدء حفر القناة عام 1859 ؛ مما تسبب في التالي : 1 - إعلان بريطانيا وفرنسا وإسرائيل الحرب على مصر ضمن العدوان الثلاثي 2- دفع تعويضات مالية ضخمة لحملة الأسهم من الفرنسيين والبريطانيين 3- القبول بنشر قوات دولية للطوارىء في سيناء تدفع نفقاتها مصر 4- شن إسرائيل الحرب على مصر 1967 في عهد عبد الناصر وتكبد مصر بعد هزيمتها خسائر بشرية ومادية وضياع سيناء وقطاع غزة والضفة الغربية والجولان 5 - اعطاء حق مرور السفن الاسرائيلية فى مضايق تيران وخليج العقبة لابد لنا ان نعترف بفداحة خطأ قرار عبد الناصر والذي لم يصب في مصلحة الوطن على الاطلاق وفيما يخص التبريرات المضللة لهذا القرار بأنه كان بسبب رغبة تمديد الشركة الفرنسية لحق الامتياز ؛ فالكلام مردود عليه بأنه في عام 1905 حاولت الشركة تمديد حق الامتياز 50 عاماً إضافية إلا أن المحاولة فشلت والتبرير الثاني الشهير بأن عبد الناصر اضطر لتأميم قناة السويس لبناء السد العالي ؛ فقد كان عليه تمويل بناء السد العالي بزيادة الانتاج الزراعي والصناعي أو كان عليه الانتظار حتى تنتهي مدة الامتياز حتى لا نتكبد دفع تعويضات مالية ضخمة لحملة الأسهم وإعادة قوات اجنبية لمصر ندفع نفقاتها هذه المرة وهزيمة بحرب 1967 . ومن القرارات الخاطئة لعبد الناصر تغييبه لشمس الديمقراطية حيث كان النظام المصري قبل حقبة عبد الناصر يقوم على النموذج الديمقراطي الغربى المعمول به في معظم دول اوروبا الغربية ؛ بما يتضمنه من وجود ملك، ووزارة، وبرلمان، وأحزاب سياسية مختلفة تسمح بتداول سلمي للسلطة وكانت مصر بها احزاب قوية معارضة وليس احزاب كارتونية ولكن بعد يوليو 52 تم الغاء الأحزاب وكان الفساد فى مصر نسبته ضئيلة للغاية بالنسبة للفساد الذى شهدته مصر بعد 1952 ، حتى حدود مصر تقلصت اثناء حقبة عبد الناصربعدما كانت تشمل في عهد الملك فاروق : السودان ( العمق الاستراتيجي والحل الأمثل للاكتفاء الذاتي الغذائي لمصر والوطن العربي ) كما كانت تشمل حدود مصر غزة وجزء من ليبيا وجزء من تشاد واوغندا التي طلبت رسميا من الملك فاروق الانضمام لمصر عام 1950 . وكذلك فعل ناصر بمنظومة التعليم التي كانت في مصر قبل يوليو 1952( تواكب نظم التعليم فى الدول المتقدمة ) علما بان النهضة الصناعية تبنى وتعتمد اركانها على العمالة الفنية والصناعية وليس فقط على جيوش الموظفين خريجي الجامعات والمدارس المتدنية تعليميا وثقافيا واخلاقيا . ويكفي أن أقول لك أن مصر واليابان بعد الحرب العالمية الثانية كانتا مرشحتين من قبَل هيئة الأممالمتحدة وهيئاتها لأن تلحقا بدول العالم الأول ، وجاء فى هذا التقرير أن فرصة مصر أعظم كثيراً بسب الدمار الذى لحق باليابان أثناء الحرب العالمية الثانية وكانت اليابان ترسل بعثات لمصر للتعلم من نهضتها آنذاك !! واذا كنت ستقول لي الجملة الشهيرة وهى انه لولا عبد الناصر لما تعلم أحدا من ابناء الفقراء ؛ فإليك هذه الحقيقة التاريخية وهى أن التعليم الابتدائى فى مصر كان مجانيا منذ عام 1944 وذلك في حكومة النحاس باشا رئيس حزب الوفد ووزير المعارف احمد نجيب الهلالى والدكتور طه حسين المستشار الفني للوزارة كما تقررت مجانية التعليم الثانوى عام 1950 في حكومة الوفد كشرط لقبول الدكتور طه حسين تولي مسئولية وزارة المعارف ولكن عبد الناصر أسهم فى مجانية التعليم الجامعى لا غير بقرار اتخذه بعد 10 سنوات من الحركة المباركة أى عام 1962 ؛ علما بأن اللوائح المعمول بها قبل 52 كانت تمنح الحاصلين على الثانوية العامة ،أو التوجيهية وقتها، بمجموع 60% فما فوق المجانية ويظل الطالب محتفظا بها إذا حصل على تقدير جيد بالسنوات الدراسية بالجامعة وهذا بدوره يحافظ على جودة التعليم والتوازن بين حاجة السوق للموظفين وللعمالة الفنية والصناعية التي تقوم عليها نهضة الامم ؛ ثم أن الجامعات بوجه بحري وقبلي والقاهرة قد تم بناءها قبل 1952 جامعة فاروق الأول "جامعة الاسكندرية حاليا" وجامعة فؤاد "جامعة القاهرة حاليا " وجامعة إبراهيم باشا الكبير "جامعة عين شمس حاليا" وجامعة محمد علي " جامعة اسيوط حاليا " وبعد 1952 انخفضت جودة التعليم وزادت اعداد الخريجين الغير مؤهلين علميا وثقافيا وتربويا في مقابل انخفاض اعداد الفنيين والصناعيين وتدني المستوي التعليمي الفني والصناعي. اما من الناحية الاقتصادية فحدث ولا حرج ، فبداية بقانون الاصلاح الزراعي الذي اخذ الأراضى الزراعية من ملاكها الاصليين عدوانا وظلما وفتت الأراضي الزراعية (طبقا للدراسات الحديثة فأن من أخطر المحافظات تعرضا لتفتيت الحيازة جراء قانون الاصلاح الزراعي والتوريث للأراضي الزراعية المفتتة جراء هذا القانون : محافظاتالمنوفيةوالغربية والقليوبية بالوجه البحرى، حيث يمثل نسبة المساحة لأقل من فدان نحو 33.9%، 28.4% من اجمالي مساحة الحائزين كذلك بالنسبة للوجه القبلى بمحافظاتسوهاج والمنيا تمثل نسبة المساحة أقل من فدان 28.6% ، 24.3% من إجمالى مساحة الحائزين ) ومرورا بقانون الايجار القديم الذي جعل الفقراء يسكنون مساكن الاغنياء الى يومنا هذا مقابل حفنة من الجنيهات لملاكها الاصليين ظلما وعدوانا. والأهم مما سبق هو ان مصر كانت تُقرض المملكة البريطانية دولة الانتداب قبل حقبة عبد الناصر وتعطي معونات اقتصادية لدول اوروبية وتصدر افخر انواع القطن على مستوى العالم حيث أنشىء في عام 1927 في وزارة عبد الخالق باشا ثروت أكبر مصنع للغزل والنسيج في الشرق الأوسط كإحدى شركات بنك مصر برأس مال قدره حينذاك ثلاثمائة ألف جنيه مصري ووفرت الشركة للعاملين مساكن وملاعب ومطعما وناديا ومستشفى على أعلى مستوى وأقامت مغاسل وحمامات ومسارح وسينما للترفيه على العاملين ومكتبة بالإضافة الى افتتاح العديد من المصانع بالمحلة الكبرى عام 1944 كما تم افتتاح دار لكفالة ورعاية اطفال عمال المحلة الكبرى حينذاك ، وكذلك أنشأت مصر أول محطة للطاقة الشمسية في العالم عام 1913 وانتجت مصر اول فيلم للرسوم المتحركة عام 1935ومعدل البطالة كان لا يتجاوز 2% والقاهرة كانت من اجمل مدن العالم وفوق كل هذا وذاك كان سعر صرف الجنيه المصري قبل 52 قيمته تساوي 4 دولارات أمريكية والجنيه الذهب كان يساوي 98 قرشا ؛ ثم بدأ التراجع للجنيه المصري أمام الدولار الأمريكي في الفترة "1954 1970"، 2.5 دولارا ؛ اى انخفض الى النصف تقريبا وذلك دون انتصارات عسكرية او تحقيق اكتفاء ذاتي زراعي او صناعي مدني او عسكري حققه عبد الناصر . [email protected] لمزيد من مقالات نهى الشرنوبي