ليس بحملات الدعاية والحشد أو حُسن التنظيم وارتفاع مستوى التعليم فقط تزيد نسبة الإقبال على التصويت،إنما الأهم شعور الناخب بأنه لن يتم تزييف رأيه وبأن من بين المرشحين واحداً على الأقل يمكن انتخابه لأنه يستطيع تلبية احتياجاته أو بعضها وليس مجرد اعتلاء سدة كرسى الرئاسة من باب الوجاهة أوالحصول على الحصانة التى تفتح له الأبواب المغلقة للتربح بكل وسيلة ممكنة. أثبتت انتخابات تنزانياوغينيا كوناكرى وساحل العاج صحة تلك الفرضية خلال الانتخابات التى أجريت قبل أيام حيث شهدت إقبالاً كبيراً من الناخبين الذين وقفوا فى طوابير طويلة منذ طلوع الفجر أمام مراكز الاقتراع فتراوحت نسبة الإقبال بين 54% و68%، وذلك على العكس مما حدث فى الانتخابات البرلمانية المصرية التى لم تتجاوز نسبة التصويت فى مرحلتها الأولى 27%، فالناخب فى الدول الثلاث لم تمنعه أُميَّتُه أو فقره، أو حتى تهديدات البعض عن التصويت وشعر بأن صوته سيتم احترامه وبأن بين المرشحين مَن يتوسم فيه القدرة على تحويل أمنياته إلى حقائق ملموسة. لم يَقُل مُسبقاً إن الانتخابات سيتم تزويرها لصالح مرشح أومرشحى الجكومة ولا فائدة من تضييع الوقت فى التصويت ولم ييأس أوينصرف إذا لم يجد اسمه بجدول الانتخاب. العكس حدث فى مصر،فرغم توافر شرط احترام إرادة الناخب هذه المرة ربما أكثر من أى انتخابات برلمانية سابقة إلاّ أن عدم وجود صنف المرشح الذى يتوسم فيه الناخب خيراً كان سبباً رئيسياً فى انصرافه عن التصويت. الدليل على ذلك ارتفاع نسبة التصويت فى انتخابات الرئاسة التى فاز بها عبدالفتاح السيسي، وتلك التى فاز فيها محمد مرسى، والانتخابات البرلمانية التى احتدمت فيها المنافسة بين الإخوان وحلفائهم من جانب وبين الأحزاب والتيارات السياسية الأخرى من جانب آخر حيث لم تتوان الأغلبية عن الإدلاء بأصواتهم رغم الزحام والطوابير الطويلة. فى تنزانيا إحدى واحات الاستقرار فى شرق إفريقيا تنافس مرشح حزب الثورة الحاكم جون ماجوفولى على الرئاسة مع مرشح تحالف المعارضة إدوارد لواسا دون أن يتهم أحدهما الآخر بشىء ولا يدَّعى مسبقاً أن النتائج سيتم تزويرها ليحفظ ماء وجهه إذا خسر. على العكس من ذلك قال مرشح المعارضة إنه إذا هُزم سيعود إلى قريته ليرعى ماشيته رغم أنه سياسى مخضرم ورئيس وزراء سابق، وإن كان قد رفض النتيجة بعد ذلك وقال إن عدد الأًصوات بواسطة مندوبيه أكد أنه فاز بنسبة 62%.وحتى كتابة هذه السطور تم الإعلان عن فقد تسعة من أعضاء الحكومة مقاعدهم فى البرلمان فيما وُصف بلطمة قوية للحزب الحاكم منذ 54 عاماً رغم فوز مرشحه بنسبة 58%. وفى غينيا أقبل الناخبون على التصويت بكثافة فى انتخابات الرئاسة رغم أنها ثانى انتخابات تعددية فقط تُجرى منذ الاستقلال قبل نحو 60 عاماً وبلغت نسبة التصويت 68%. ولكن على العكس مما حدث فى تنزانيا ومع أن الرئيس ألفا كوندى لم يفز سوى بنسبة 58% من الأصوات اتهم منافسه الرئيسى سيلو دالين ديالو الذى حصل على 31% السلطات بتزوير النتائج وأعلن انسحابه حتى قبل إعلان النتيجة ودعا أنصاره للاحتجاج سلمياً رغم تأكيد المراقبين الأوروبيين أنها تمت بصورة صحيحة ولم تشُبها سوى بعض المشكلات اللوجستية.ولم يستجب لدعوته الغالبية العظمى لافتقارها إلى المنطق. وفى ساحل العاج جرت انتخابات رئاسية هى الأولى من نوعها منذ انتهاء الحرب الأهلية عام 2011 فاز فيها الرئيس المنتهية ولايته الحسن وتارا بنسبة 84% مقابل 9% لباسكال نجوسان مرشح حزب الجبهة الشعبية وأبرز مرشحى المعارضة الثمانية. أقبل الناخبون على التصويت بحماس رغم إعلان ثلاثة مرشحين انسحابهم زاعمين حدوث تلاعبات واسعة النطاق.وربما كان أحد أسباب الإقبال الذى بلغت نسبته 54% استخدام نظام التصويت البيومترى الذى يُحصى الأصوات ويرسلها من مراكز الإقتراع مباشرةً إلى اللجنة الانتخابية إليكترونياً بهدف القضاء على ظاهرة الاعتراض على النتائج . لم تعُد كثير من شعوب إفريقيا تقبل بالأمر الواقع وانتفض كثير من أبنائها للإطاحة بحكام ديكتاتوريين مثل بليز كومباورى فى بوركينا فاسو عندما حاول تعديل الدستور ليبقى فى السلطة وعندما تصدت الجماهير فى الكونغو كينشاسا لمحاولة جوزيف كابيلا تعديل الدستور للسماح له بترشيح نفسه لفترة ثالثة، وهى احتجاجات تكررت فى بوروندى ضد بيير نكورونزيزا وفى الكونغو برازفيل ضد دينيس ساسو نجيسو وفى السنغال ضد عبدالله واد للسبب نفسه. فحتى سنوات قليلة كانت الانقلابات العسكرية هى السائدة للتخلص من الحكام المتشبثين بالسلطة،لكن الإنتفاضات الشعبية والمظاهرات الاحتجاجية هى التى سادت خلال السنوات الأخيرة، وكلما نجحت فى دولة شجعت الساخطين فى دولة أخرى على الانتفاض ضد حكام فشلوا ليس فقط فى انتهاج نظام حكم ديمقراطى أو ترسيخ العدالة وإنما أيضاً فى توفير فرص عمل لملايين العاطلين أوعلاج لضحايا الأوبئة والأمراض أوحتى لقمة عيش كريم للغالبية العظمى من أبناء شعوبهم الذين يعيشون تحت خط الفقر. ومازالت إفريقيا تنفرد بتسعة من أصل 20 رئيساً هم الأطول بقاءً فى السلطة على مستوى العالم. لمزيد من مقالات عطيه عيسوى