هناك حروب من نوع آخر تشهدها القنوات الفضائية يومياً من خلال برامج التوك شو.. فوضى و عشوائية و تهديدات من مذيعين وضيوف.. خروجً على النص وغياب للمهنية وسب وقذف لساعات ممتدة لا تخضع لرقابة أو محاسبة أو حتى معايير أخلاقيةإنها فوضى الإعلام الذى انتقل من خانة قائد الرأى وحارس البوابة إلى خانة الباحث عن الفضيحة والساعى لجذب الجمهور أياً كان الثمن. ومنذ سنوات ومناخ الإعلام فى مصر يعانى تلك الحالة.. ولكن الأيام القليلة الماضية كشفت عن حالة متردية تحتاج لحلول عاجلة حددها الدكتور محمد شومان عميد كلية الإعلام بالجامعة البريطانية فى ثلاث خطوات أولاها ضرورة تطبيق المواد التى حددها الدستور لتنظيم الإعلام والتى كان من الممكن أن يصدر بها قوانين خلال الفترة الماضية وبخاصة ونحن نتحدث عن فوضى الإعلام منذ 30 يونيو فكان من الضرورى الإسراع بإنشاء المجلس الوطنى للإعلام وكذلك نقابة للإعلاميين العاملين فى مجال الإذاعة والتليفزيون ويقول (من غير المعقول أن يظل الآلاف ممن يعملون بالإعلام دون أن يكون لهم نقابة تدافع عنهم وتضع مواثيق شرف مهنية ومدونات للسلوك تحدد الأداء الإعلامى وتضع أيضا العقوبات الرادعة للمخالفين). ويطالب شومان بأن يضع البرلمان القادم أيا كانت تركيبته هذه القضية ضمن أولوياته. ويشير عميد كلية الإعلام بالجامعة البريطانية إلى أن الفوضى الأخيرة هى امتداد طبيعى للفوضى السائدة فى مصر منذ سنوات وبخاصة بعد الثورة حيث توسعت القنوات الخاصة التى يملكها حفنة من رجال الأعمال الذين يشاركون أيضا فى الانتخابات البرلمانية وتزامن ذلك مع تراجع القنوات الحكومية. وكانت الانتهاكات والخروقات التى تمت خلال فترة الانتخابات مثالاً صارخاً لفوضى الإعلام - وفقاً لشومان - ولم تقدم اللجنة المشرفة على الانتخابات على إصدار أى قرارات رادعة للمخالفين وطالبت فقط بعض القنوات المخالفة بالاعتذار بالرغم من أن القانون يعطيها هذا الحق وهو ما كان يمثل أهمية كبرى تصب فى مصلحة المرحلة الثانية من الانتخابات. وقال شهدت القنوات الفضائية العديد من المخالفات منها الإساءة الشخصية لبعض المرشحين وخرق للصمت الانتخابى وتحايل بعض القنوات المملوكة لرجال أعمال وفى الوقت نفسه أعضاء فى أحزاب بارزة على الحد الأقصى للإنفاق على الدعاية الانتخابية حيث أعلنت بشكل متكرر عن الأحزاب بدلا من الإعلان عن المرشحين أو القوائم وإذا قمنا بترجمة القيمة السوقية لهذه الإعلانات فسنجدها تجاوزت سقف الدعاية الانتخابية بمراحل.!! ويرى شومان أنه من الضرورى توقيع عقوبات على المخالفين ليس بإغلاق القناة أو سجن الصحفى ولكن من خلال تطبيق الغرامات.. فالوضع الحالى الذى يسود فيه السب و القذف والتهديدات وكذلك لغة الحوار التى تسيء لمصر يفقد الإعلام المصداقية لدى الجماهير وبالتالى لا تتأثر بالدعوات الموجهة منه وخير مثال على ذلك ما حدث من ضعف الاقبال على المشاركة فى الانتخابات رغم الدعوات المكثفة فى وسائل الاعلام ويقول الآداء الاعلامى الأن أقرب للتشهيرمما يسبب حالة من الإحجام وعدم الثقة وغياب المصداقية التى تدفع المواطن بدورها للبحث عن الإعلام البديل وهو الإعلام العربي. وعن أسباب متابعة المشاهدين لمثل هذه البرامج أشار الى أنه لا يوجد قياسات واضحة لنسب المشاهدة فى مصر وبالتالى أى رقم هو رقم غير موثق بالإضافة إلى أن المتابعة لا تعنى الاحترام أو التأثر ولكن ربما من باب الغرابة والطرافة والتندر أو إنها برامج مدعاة للسخرية والتندر ب"السوشيال مديا".. ونلاحظ أن شاشات التليفزيون الحكومى أكثر رصانة ولذلك قد لا تملك نفس نسب المشاهدة. التصدى للعشوائية "عشوائية الإعلام" هو المصطلح الذى أطلقته الخبيرة الإعلامية الدكتورة منى الحديدى على هذه المرحلة والتى تشمل كافة وسائل الإعلام بما فيها وسائل التواصل الاجتماعى وهى ظاهرة ملموسة منذ 25 يناير . و مواجهة تلك العشوائية يستدعى مراجعة البيئة الاتصالية فى المجتمع المصرى وذلك من خلال النقابات مثل نقابة الصحفيين وهو ما يستدعى أيضاً الإسراع فى تأسيس نقابة للإعلاميين العاملين فى الإذاعة والتليفزيون وتأسيس المجلس الوطنى للإعلام نظرا لغياب مظلة يعمل تحتها الإعلام ومع إلغاء الوزارة الخاصة به. وتؤكد الحديدى ضرورة مراجعة الشروط التى يمنح وفقاً لها تراخيص القنوات الخاصة حيث لا يلتزم عدد منها بتلك الشروط فنجد مثلا قنوات المنوعات تبث البرامج الدينية وترى أيضا ضرورة تفعيل دور منظمات المجتمع المدنى مثل جمعية حقوق المشاهدين فحق المستهلك ليس فى السلع فقط، ولكن فى الحصول على خدمة جيدة من وسائل الإعلام . وترى أن دخول مستثمرين غير متخصصين هو أحد أسباب عشوائية الإعلام فهم لا يملكون الخلفية الثقافية والإعلامية وكذلك بعض الممارسين للإعلام هم من غير المتخصصين وهم أيضا غير مدربين وليس لديهم معلومات عن أخلاقيات العمل الإعلامي، وتقول على الإعلامى أن يعى جيدا دوره فى المجتمع وبخاصة فى الدول النامية فإحساسه وإيمانه بمسئوليته الاجتماعية أهم المعايير التى تمكنه من العمل المهنى والوطني" .. وعليه أن يحقق المنفعة للمجتمع والمتعة للجمهور ويخلق هذا التوازن بين ادوار الإعلام" وترى الحديدى أن عزوف الناخبين عن الذهاب لصناديق الانتخابات مؤشر على عدم المتابعة للاعلام. فقد أصبحت أغلب برامج التوك شو التى أفضل أن اسميها برامج "الحكي" تخرج عن أهدافها الأساسية وأصبحت برامج خاصة بكل مذيع يظل أمام الميكروفون والكاميرا لساعات قد تمتد من الصباح حتى المساء دون هدف .