تشهد السنوات الاخيرة صحوة هائلة تعود معها روسيا الى صدارة الساحة العالمية. فمنذ اطلاق الرئيس بوتين لصيحته المدوية حول رفض عالم القطب الواحد فى مؤتمر الامن الأوروبى فى ميونيخ فى فبراير 2007 واعلانه عن خطته حول بدء دعم قواته العسكرية بما يليق ومكانة روسيا كدولة عظمى، تتواصل الخطوات الجادة صوب تنفيذ ما قيل بهذا الشأن . وها هى روسيا تعود مرة اخرى مع تصاعد حدة الازمة السورية، الى تكثيف جهودها التى جعلتها تعلن عن استمرار عمل مصانع المنظومات الصاروخية لمدة 24 ساعة فى اليوم لتلبية طلبات الحرب فى سوريا واطلاق المناورات شمالا وجنوبا، تاكيدا لان ما حدث من استخدام سفن بحر قزوين لمنظوماتها الصاروخية لم يكن ولن يكون مجرد مشهد عابر ضمن مفردات العملية العسكرية الروسية فى سوريا. فى لقائه مع المسئولين عن «التعاون العسكرى التقني» مع البلدان الاجنبية كشف الرئيس فلاديمير بوتين عن احتدام المنافسة فى السوق العالمية للسلاح، مؤكدا صعوبة العمل فى هذا المجال فى ظل تزايد حدة العقوبات المفروضة على روسيا. ومع ذلك كشف بوتين عن تزايد حجم ما يرد الى روسيا من طلبيات عسكرية قال ان قيمتها بلغت حتى الان ما يزيد على خمسين مليار دولار، بينما ان روسيا استطاعت تلبية ما يقرب من 70% منها حتى اول اكتوبر الحالى. ومن اللافت ان مثل هذه التصريحات جاءت مواكبة للمناورت المكثفة الذى تقوم بها القوات الجوية والبحرية الروسية جنوب وشمال البلاد على مقربة مباشرة من سوريا، وفى نفس الوقت الذى كشفت فيه مصادر فى المؤسسة الصناعية العسكرية عن تحول عدد كبير من المصانع الحربية الروسية الى نظام العمل فى «ثلاث ورديات» اى 24 ساعة فى اليوم لتلبية احتياجات العملية الجوية الفضائية الروسية فى سوريا من الصواريخ. وفى تصريحاتها الى مجلة «كوميرسانت فلاست» الروسية كشفت هذه المصادر عن ان عمال ومهندسى مصانع «المنظومات الصاروخية التكتيكية» انتقلوا الى نظام العمل فى ثلاث ورديات بسبب تزايد الحاجة الى انتاجهم من المنظومات الصاروخية . واضافت المصادر ان القوات البحرية الروسية اضطرت وبسبب عدم كفاية ما تمتلكه من سفن نقل حربية، الى اضافة ثمانى من سفن النقل التركية الى مجموعة سفنها الحربية لنقل الشحنات العسكرية الى ميناء طرطوس السوري. وكان الجنرال ايجور كوناشينكوف المتحدث الرسمى باسم وزارة الدفاع الروسية قال فى تصريحاته الى قناة «ار تي» الروسية ان الطائرات الروسية قامت ومنذ بداية العملية الجوية الفضائية فى سماء سوريا ب 943 طلعة من قاعدة حميميم فى شمال سوريا بينما استطاعت تدمير 819 من مواقع ومراكز تجمع الارهابيين . ومن جانبها كشفت مصادر عسكرية روسية عن مناورات بحرية مكثفة على مقربة من سواحل شبه جزيرة القرم. وقال الناطق الرسمى باسم اسطول البحر الاسود ان المناورات سوف تستمر لمدة يومين وتشارك فيها السفن الصاروخية التابعة لأسطول البحر الأسود الروسى للتدريب بالدرجة الاولى على طرق مواجهة اية ضربات جوية افتراضية. وفى اطار المزيد من الايضاح قال الناطق باسم الاسطول الروسى إن سفينة الإنزال الصاروخية «ساموم» ذات الوسادة الهوائية والسفينة الصاروخية الصغيرة «ميراج» والزوارق الصاروخية «شويا» و«إر-60» و«إر-109» ستتدرب على وسائل الدفاع الجوى وصد الضربات الجوية، الى جانب اطلاق الصواريخ المجنحة على الأهداف البحرية، وستساعدها فى ذلك قاذفات «سو-24» التابعة لأسطول البحر الأسود، فيما من المنتظر ان تواصل الزوارق الصاروخية المشاركة فى المناورات، تدريباتها بعد صد الضربة الجوية الافتراضية، على استخدام تكتيك توجيه الضربات الصاروخية إلى سفن العدو الافتراضى التى ستقوم بدورها سفن حراسة تابعة للأسطول «. وكانت المصادر الروسية حرصت ايضا على الاشارة الى ان هذه المناورات تاتى فى اعقاب رحيل المدمرة «بورتر» الأمريكية « إحدى المدمرات الأمريكية الأربع التى تحمل عناصر الدرع الصاروخية» لحوض البحر الأسود، بعد فترة 21 يوما التى قضتها فى هذه المنطقة وهى الفترة القصوى المسموح بها لتواجد سفن تابعة للدول غير المطلة على البحر الأسود هناك. ونقلت وكالة «سبوتنيك» الروسية عن مصادر عسكرية «أن زيارة المدمرة الأمريكية المزودة بمنظومة «إجليس» التى تدخل فى قوام منظومة الدرع الصاروخية الأمريكية وصواريخ «توماهوك» المجنحة، جاءت فى سياق عملية «العزم الأطلسي» الرامية إلى تعزيز الوجود العسكرى الأمريكى فى أوروبا، فيما تزعم واشنطن أنه حركة لطمأنة حلفائها الأوروبيين فى وجه «التهديدات الروسية». وفى سياق التغطية الاعلامية لنشاط القوات البحرية الروسية، كشف فاديم سيرجا الناطق باسم أسطول الشمال الروسى عن ان حاملة الطائرات الروسية استطاعت ان تنفذ بكل الدقة «عملية اطلاق الصواريخ الحديثة من طراز «كينجال» فى بحر بارنتس بالمحيط المتجمد الشمالي. ويتوقف المراقبون فى هذا الصدد عند حرص الجانب الروسى على تاكيد وجود حاملة الطائرات الروسية فى بحر بارينتس شمالى غرب روسيا، وكأنما لنفى ما سبق وتردد من انباء حول انها كانت فى طريقها الى مياه البحر المتوسط للمشاركة فى العملية العسكرية فى سوريا. وقالت مصادر الجهاز الصحفى للأسطول الحربى الروسى «أن التدريبات فى بحر بارنتس تستهدف بالدرجة الأولى اختبار عمل أجهزة السفينة، وذلك نظرا لعدم إبحارها من ميناء رسوها لمدة عدة أشهر». على ان ذلك كله لا ينفى احتمالات ان تكون روسيا فى سبيلها الى تكرار ما سبق وقامت به لدى استخدام اربع من سفن بحر قزوين لتوجيه منظوماتها الصاروخية الى مواقع الارهابيين بعد مناورات مماثلة سبق واجرتها فى هناك. وتعليقا على ادعاءات وجهتها منظمة «هيومن رايتس ووتش» الى روسيا بانتهاك غاراتها الجوية فى سوريا لقوانين الحرب، وانها تستهدف المدنيين هناك قال دميترى بيسكوف الناطق الرسمى باسم الكرملين ان ما يقال بهذا الشأن ليس سوى «فقاعات إعلامية جديدة». واضاف فى تصريحات صحفية امس «إن وزارة الدفاع الروسية أكدت مرارا أنها لدى تحديد أهداف العملية العسكرية فى سوريا، تولى الأولوية لعدم إلحاق أى ضرر بالسكان المسالمين». ومضى ليقول: «ان العسكريين الروس يستخدمون المعلومات التى يقدمها الجيش السورى ومركز التنسيق المعلوماتى فى دمشق لدى اختيار أهداف الغارات فى سوريا، لكنهم ينطلقون قبل كل شيء من الأولوية المطلقة فى عدم إلحاق أى ضرر بالسكان المسالمين، ولذلك لا يتم توجيه أية غارات إلى مناطق مأهولة على الإطلاق، على الرغم من أن الإرهابيين يستغلون الموقف ويختبئون فى الأحياء السكنية». وحول قرار بريطانيا بشأن تعليق الحوار مع موسكو أعرب الكرملين عن قلقه من مثل هذا القرار مؤكدا اهمية استئناف التعاون فى مكافحة الإرهاب. ونقلت وكالة «سبوتنيك» ما قاله الكسندر ياكوفينكو سفير روسيا فى لندن فى حديثه الى جريدة «التايمز» اللندنية حول انقطاع كل الاتصالات السياسية بين البلدين بمبادرة من الجانب البريطاني، فضلا عن تراجع الحوار السياسى على مستوى القمة على خلفية الأزمتين السورية والأوكرانية. وقال ياكوفينكو «أن الخارجية البريطانية رفضت طلبا خاصا تقدم به لتوفير معطيات استخباراتية بهدف توجيه ضربات جوية إلى أهداف «داعش» فى سوريا وكذلك رفضت طلبا ثانيا بشأن إقامة علاقات مع «الجيش السورى الحر» من أجل مكافحة مسلحى «داعش» بشكل أكثر فعالية». وأضاف السفير الروسى «أن الاتصالات على المستوى الوزارى تعثرت أيضا بعد اندلاع الأزمة الأوكرانية، مشيرا إلى انخفاض عدد موظفى السفارة الروسية فى لندن بسبب رفض الحكومة البريطانية منح تأشيرات لدبلوماسيين روس»، بينما اتهم حزب المحافظين البريطانى بانه المسئول عن تدهور العلاقات بين البلدين، مشيرا إلى أن بيان الحزب يعتبر «روسيا خطرا كبيرا على بريطانيا» ويعتبره على قدم المساواة مع الاخطار التى يشكلها تنظيم «داعش».