لم أكن أتصور هذه النسبة من المشاركة فى انتخابات أول مجلس نواب بعد ثورة 03 يونيو 3102.. ولم يخطر ببالى عزوف معظم من لهم حق الانتخاب من الشعب عن الإدلاء بأصواتهم لاختيار ممثليهم تحت قبة البرلمان.. ولكن لم أنجرف مع الأغلبية فى سلبية هذه الظاهرة وجلست مع نفسى وحاولت تفسير ما حدث سلبا وإيجابا: أولا: كيف يختار أهل الحضر من لا يعرفونهم والله يا أخى لم تقع فى يدى ورقة واحدة من أهل دائرتى يوضح فيها الناخب سيرته الذاتية.. كل ما قرأته كلمة «انتخب فلان».. حسنا، ولكن من هو فلان هذا؟.. أهو طبيب أم مهندس أم تاجر مخدرات؟.. لا أحد يعلم.. قد تكون هذه الظاهرة أقل حدة فى الريف، حيث تتحكم العصبيات فى الاختيار. ثانيا: كانت تجربة مريرة التى عايشها الشعب مع الحزب الوطنى المنحل وطبله وزمره.. ولذلك أعرض الكثيرون عن المشاركة، حيث لم يمسح الزمن صورته من أذهانهم.. فآثروا السلامة ولم يشاركوا فى الانتخابات.. ولم يفطن الواحد منهم إلى أن عدم المشاركة لا تمنع هؤلاء من الانزلاق إلى المجلس الموقر. ثالثا: من يتهم الشعب المصرى بأنه ليس سياسيا.. أقول له: لقد أخطأت، فبعد ثورة يناير فهم الشعب جيدا ما هو مجلس النواب، وعرفت السيدة التى لا تقرأ ولا تكتب أنه مجلس تشريعى ورقابى وليس مجلسا خدميا فى الوقت الذى انصبت فيه دعاية المرشحين على الخدمات التى سوف يقدمونها، فقال لهم الشعب : «أريد نائباً للبرلمان لا خادماً للدائرة». رابعا: الأحزاب المتقدمة للانتخابات معظمها هزيل حديث لا تاريخ له ولم نسمع عنه إلا قبل المعركة الانتخابية التى هم عنها ببعيد. خامسا: عندما وجد الشباب الذين هم أصل الثورة أنفسهم بعيدين عن المشهد السياسى لضعف إمكاناتهم المادية التى اعتبرها المرشحون أحد أسس نجاحهم ثم وجدوا وجوها قديمة باهتة.. آثر هؤلاء الشباب السلامة وعزفوا تماما عن المشاركة حتى لا تعود عقارب الساعة إلى الوراء مرة أخري. سادسا: طالب عدد كبير من عقلاء ونخبة وصفوة المجتمع بعدم المغالاة فى المزايا التى يتمتع بها عضو البرلمان حرصا على مستقبل مصر، وحتى يكون فعلا عملا تطوعيا.. ولكن نداءاتهم التى كان يجب الالتفات إليها قبل بدء الترشح ضاعت هباء.. وعليه بات واضحا واستقر فى قلب الشعب أن الجميع يقاتل من أجل هذه المزايا.. وبالتالى قال الكثيرون إنهم لا يرغبون فى مساعدة المرشح على الباطل بإعطائه أصواتا لا يستحقها. إن الوعى التام والدراية السياسية هى التى جعلت الكثيرين يترددون فى انتخاب من لا يعرفونهم أو يعرف أنهم فلول وإخوان من أعداء الشعب الذين نسفوا حياتنا السياسية بطبلهم وزمرهم وتعصبهم وتشنجهم ولا يرون فى المشهد إلا أنفسهم. إن إعمال العقل من أجَلّ العبادات وكل ما نتمناه ألا يستخدم البعض عقولهم ومعسول قولهم ولحن ألفاظهم الاستخدام الخاطئ لظاهرة واضحة وضوح الشمس.. ولكن حقا أنها لا تعمى الأبصار ولكن تعمى القلوب التى فى الصدور. د. حسام أحمد موافي أستاذ طب الحالات الحرجة قصر العيني