برز اسم الكاتبة البلاروسية سفيتلانا أليكسييفيتش" Svetlana AleksijevitJ" مقترناً بإعلان فوزها بجائزة نوبل للآداب 2015 الخميس الماضي. وسفيتلانا من أهم وأكبر الصحفيات فى بيلاروسيا (روسيا البيضاء)، كما أنها تعد من ألمع الكاتبات اللاتى كن مرشحات للفوز بنوبل طوال السنوات الأخيرة بسبب مؤلفاتها المؤثرة حول كارثة تشرنوبل وحرب أفغانستان وتاريخ الاتحاد السوفيتى وحروبه, وهى أعمال حُظرت فى بلادها. وهى تعد من أبرز المنتقدين للنظام والتاريخ السوفيتي، وقد تم ترشيحها من قِبَل جامعة الأورال الاتحادية للفوز بنوبل لعام 2014 و2015، وحصلت عليها أخيرا. وتعد سفيتلانا المرأة الرابعة عشرة التى تفوز بجائزة نوبل للأدب منذ إطلاقها فى 1901 . وقد سبقتها خلال الخمسة عشر عاماً الأخيرة كل من البريطانية دوريس ليسينغ عام 2007، والفرنسية جان مارى جوستاف 2008، والألمانية هيرتا مولر 2009، والكندية أليس مونرو 2013. إلا أن هذه لا تعد المرة الأولى التى يقترن فيها اسم سفيتلانا بجائزة أدبية فقد حصلت من قبل على 9 جوائز متنوعة أبرزها جائزة السلام التى يمنحها الاتحاد الألمانى لتجارة الكتب, وحصلت عليها خلال معرض فرانكفورت الدولى للكتاب عام 2013، وجائزة نقاد الكتاب الوطنى 2005. سفيتلانا تعمل محققة صحفية, وهى شغوفة بجمع الأدلة الوثائقية لعملها الصحفى ولقصصها؛ ما يجعل أعمالها أقرب للواقعية. وانعكست طبيعة عملها الصحفى على رواياتها التى صورت فيها مشاهد الحياة المختلفة والحرب التى خاضها الاتحاد السوفيتى فى أفغانستان وكارثة تشيرنوبل, فتأثرت كتابتها الأدبية بعملها كصحفية مشغولة بتصوير الحياة والحرب خلال الاتحاد السوفيتى وبعده، فروايتها الأولى "وجه غير أنثوى للحرب" التى صدرت عام 1985 أعيد طبعها لأكثر من مرة ووزعت أكثر من مليونى نسخة. وهى تتضمن عدة مونولوجات على لسان نساء يروين ذكرياتهن عن الحرب العالمية الثانية. ومن أهم وأشهر رواياتها "أصوات من تشرنوبل: التاريخ الشفوى لكارثة نووية" التى تناولت فيها أزمة تشيرنوبل وتأثيرها, وضمّنت شهادات لأكثر من مائة ممّن شهدوا حادثة انفجار المفاعل النووى فى منطقة تشيرنوبل شمالى كييف، وعن وقائع وتداعيات ما بعد الصدمة. أما "أولاد زنكي: أصوات سوفيتية من حرب أفغانستان" فقد عكست مآسى الحرب السوفيتية فى أفغانستان. وقد تُرجِمت أعمالها, التى تستند كلها إلى شهادات واقعية جمعتها، إلى عدة لغات ونشرت فى العديد من دول العالم، وحُولت بعض أعمالها إلى مسرحيات عرضت فى فرنسا وألمانيا. قالت سفيتلانا أليكسييفيتش فى حوار أجرى معها منذ عدة سنوات عن أعمالها: "كنت أبحث عن جنسٍ أدبى يسمح لى بمقاربة رؤيتى للحياة بأفضل ما يمكن. فاخترت أن أكتب أصوات الناس واعترافاتهم". تكشف كتبها أن صورة الحرب تختلف تماما فى عيون النساء والأطفال عن صورتها فى الكتب والسجلات والوثائق الرسمية. ولاهتمامها الدائم بالأمور الإنسانية وصفت كتبها بأنها "وقائع أدبية من التاريخ العاطفى للمواطن السوفييتي" خاصة بعد انهيار الاتحاد السوفييتي، وتلخص سفيتلانا رؤيتها لما تحتويه أعمالها من مشاهد ووقائع بقولها: " إذا كان لنا أن ننظر إلى الوراء لتاريخنا، سواء ما قبل انهيار الاتحاد السوفييتى أوبعد انهياره، سنجد أن هذا التاريخ عبارة عن قبر جماعى ضخم وحمام من الدم الساخن, بل هو محادثة مستمرة بين الجلادين و الضحايا". وقد أثار كتابها الأخير الصادر عام 2013 بعنوان " نهاية الإنسان الأحمر" ضجة كبرى فى روسيا وأوروبا وحصد جائزة "ميديسيز للدراسات" فى فرنسا عام 2013، كما اختارته مجلة "لير"، المتخصصة بالكتب، ك "أفضل كتاب للعام 2013, حيث تناولت فيه تداعيات ما بعد سقوط الاتحاد السوفييتى وتأثيرذلك على الحياة اليومية للمواطنين الذين عاشوا فى كنف النظام وشهدوا سقوطه، مؤكدة أنها لا تريد أن تجعل من "الإنسان الأحمر مجرّد ضحية أو مجرد جلاد"؛ بل تسعى لفهم كيفية نهايته، وموضحة أن القائمين على المشروع السوفييتى للمجتمع كانوا معبئين بإرادة صياغة نموذج "الإنسان السوفييتي" المعروف ب "الإنسان الأحمر". ولا تتردد فى القول منذ البداية أيضاً، ان ذلك "النموذج المصنوع بالمختبرات" كان محكوماً عليه بالزوال مع "تفجّر الاتحاد السوفيتي". وتستنكر سفيتلانا أن أحداً لم يفكّر فى تقديم مسئولى الاتحاد السوفيتى إلى المحاكمة، على غرار محكمة "نورمبرج" التى مثل أمامها بعض مسئولى النظام النازي، رغم أن ضحاياه النظام السوفيتى كانوا بالملايين. وعقدت مقارنة فى كتابها بين "الرعب الشيوعي" و"الرعب النازي". ووصفت جريدة "اللوموند" الفرنسية الكتاب بقولها إنه " قبرٌ أدبيٌ لمواطنى إمبراطوريةٍ اختفت فى ثلاثة أيام، وكان اختفاؤها أسرع من اختفاء روسيا القيصرية حينما تحولت فى 1917 إلى الاتحاد السوفيتي.. لكنها تبقي، على الخصوص،علامة محفورة فى ذاكرة أولئك الذين وجدوا أنفسهم، على مستوى التاريخ، تائهين فى عصرهم.. ولا يمكن التعبير عن هذا المنفى الداخلى إلاّ بضمير المتكلم، روحا إلى روح". ولدت سفيتلانا أليسكسيفيتش فى 31 مايو 1948, فى بلدة أوكرانية تدعى إيفانو فرانكوفيسك, لأب بيلاروسى وأم أوكرانية. ثم عادت إلى بلاروسيا لتدرس الصحافة، وبعد إنهاء دراستها الجامعية عملت كمراسلة فى العديد من الصحف المحلية لفترة وجيزة قبل أن تصبح مراسلة لمجلة أدبية بارزة هناك، وتنقلت ما بين باريس وبرلين ثم استقرت فى منسك عاصمة بيلاروسيا. وكانت الأكاديمية السويدية قد اختارت 198 مرشحًا وأعلنت عنهم، بينهم 36 كاتبًا لم يسبق لهم الترشح، ثم تمت تصفيتهم لخمسة مرشحين بنهاية صيف 2015 . وضمت ترشيحات استطلاع الرأى التى أجرتها صحيفة الجارديان حول الكُتاب الأكثر حظاً للفوز بالجائزة هذا العام قبل إعلانها رسميا, إلى جانب أليكسييفيتش, كلاً من الكاتب اليابانى هاروكى موراكامي، الكاتبة و الكاتب النرويجى نجوجى واثيونج، والكاتبة الأمريكية جويس كارول اوتس، والروائى الأمريكى فيليب روث، والشاعر الكورى الجنوبى كو أون، والكاتب النمساوى بيتر هانديك، والكاتب الأيرلندى جون بانفيل، والكاتبة المصرية نوال السعداوي. يُذكر أن الكاتب الفرنسى باتريك موديانو قد فاز بالجائزة العام الماضي، ويحصل الفائز بالجائزة على مكافأة مالية قدرها ثمانية ملايين كورونة سويدية (حوالى 860 الف يورو). وحصول أليكسييفييتش على جائزة هذا العام يعد سابقى فى رأى بعض النقاد والمختصين, إذ ذكر بعضهم إنها المرة ألأولى التى تحتفى فيها نوبل بهذا النوع التسجيلى الوثائقى من الأدب