يعد طرح المشروع القومي ضرورة بدونها يغدو وجود أي مجتمع بشري بلا غاية, والغاية التي يفترض ان يطرحها المشروع القومي لأي أمة هي الإطار العام القادر علي احتواء الطاقات التي يفرزها مجتمع ما وتوجيهها توجيها صحيحا لتحقيق طموحاته, وأحلامه المشروعة. . وينتج عن غيابها نشأة الصراعات الذاتية, ووصولها الي أقصي مدي ممكن والغاية أفق للعمل وللمستقبل لم يكتمل بعد. إنها كغاية تبقي فكرة عقلية تتشكل في أثناء السير إليها بقدر ما نبذله من جهد لتحقيقها. ويؤدي تقاعسنا عنها إلي فقدانها وضياعها, وحين تتحدد وتدخل حيز التنفيذ تبقي الملجأ والملاذ من الضياع, ويزيد تحقيقها من ثقة الذات بنفسها, ومن خبرتها, والخبرة كنز ثمين. إن الغاية علي عكس الوسيلة تؤلف العقول والقلوب, كما أنها تحقق نوعا من أنواع الترقي والتجاوز فيتم في التوجه صوبها التخلي عن الأهداف والغايات الجزئية, بل والتضحية بالجزئي طواعية وعن طيب خاطر, ومن ثم فإنها تعمل علي تقوية روابط الوحدة, فالأمة تتوحد وهي تتغايي. ولكي تكون الغاية حقيقية يجب ان تتمتع بعدد من السمات: منها أنها يجب أن تكون قادرة علي استيعاب طموحات الأمة علي اختلاف مشاربها حتي تضمن التفاف الجميع حولها, ويجب أن تكون مشروعة, أي تتفق والأعراف والقوانين الدولية, كما يجب ان تكون واضحة لالبس ولا غموض فيها, ويجب ان تكون واقعية, لكنها يجب ان ترتبط بالإمكان أكثر من ارتباطها بالفعلي, كما يجب ان يكون تحققها محددا بميقات حتي لا نتقاعس عنها, كما يجب ان تكون من المرونة بحيث تقبل التحوير وفق الممكن سعة وضيقا. ويحدث تحقيق الغاية لذة, واللذة التي تحصل من جراء ذلك تدفعنا لمواصلة طرح غايات جديدة. وهنا يكون الدافع لمواصلة التغايي دافعا ذاتيا له صف الاستمرارية. والغاية هي المستقبل, وحين لا توجد غاية يغيب مستقبل الأمة, وينسي. إن أمة بلا غاية مجرد جمع عارض, لأن كل اجتماع لابد ان يكون له غاية, فإن كان بلا غاية كان اجتماعا من أجل الاجتماع, ومن ثم يستوي وجوده وعدمه. ويرتبط طرح الغاية ارتباطا اساسيا بالإرادة الكلية, لأنها رهن بالطرح الجماعي, وتقف الغاية في وجه كل باغ يهدف الي تحويل الأمة لوسيلة يحقق عبرها غايته, كما أنها تدفعنا إلي ممارسة الاستباق والاستشراف, فنرفض الانتظار بما تجود به محن الأقدار, والوقوف موقف المشاهدة. وينبغي أن تكون غايتنا تحقيق الريادة, التي ليست قصرا علي حقل معرفي أو علمي دون آخر, بل الريادة في كل شيء علي مستوي العالم. والريادة دائما مشروع لا يكتمل أبدا, لأنها تظل منفتحة علي إمكانية تحقيق الأفضل, من ثم لا نقنع بشرف التمثيل. وعلينا أن نتخلي عن مقولة: ليس في الإمكان أبدع مما كان, وأن نحذف من قاموسنا كلمة المستحيل, فليس بوسع شيء أن يقف في وجه إرادة أمة تريد تحقيق طموحاتها المشروعة وتتسلح بعزيمة قوية وإيمان صادق. وعلينا ان نؤثر المجد علي العيش, واضعين في اعتبارنا أن ثمة دولا تحقق لنفسها وجودا فاعلا علي الساحة العالمية دون المبالغة في الاهتمام بالأمور الترفيهية. ودول أخري تؤثر التخلي عن الخبر عن التخلي عن طموحاتها العلمية. ولسنا أقل من هؤلاء, بل بوسعنا ان نفعل ما هو أعظم. ولو جعلنا غايتنا تحقيق سبق علمي في مجال بعينه ككشف في مجال النانو تكنولوجي او الحصول علي جائزة علمية, أو تبني مشروع الدكتور زويل, أو تحقيق الاستخدام الأمثل لمياه النيل سنكون علي الطريق الصحيح. وثمة قطاع كبير من العلماء والمثقفين المصريين والعرب. بالداخل والخارج يبدون رغبة صادقة في مد يد العون للوطن لفعل شيء غير انهم لا يجدون الإطار المناسب. ولكي يتسني طرح رؤية واضحة أقترح ان نوجه دعوة لكل المهتمين بالبحث العلمي علي مستوي مصر والعالم العربي في الداخل والخارج, وعقد مؤتمر من أجل بلورة رؤية حول كيفية النهوض بالبحث العلمي, وبما أن كاهل الدولة حاليا مثقل بالتزامات كثيرة فيجب ان يطلع كل قطاع من قطاعات الدولة بمسؤليته في تنظيم المؤتمر وتنفيذ توصياته, ويمكن الاعتماد كليا علي العمل الأهلي, وهو قادر علي ذلك تماما خاصة ان كثيرا من المشروعات الكبري في مصر بدأت بالعمل الأهلي, فجامعة القاهرة قامت علي التبرعات الأهلية, وتأسس بنك مصر برأس المال الأهلي, وبدأ بناء السد العالي بالتبرعات الأهلية, ومستشفي الأطفال دليل أكيد علي هذا, شريطة ان يتولي الإعلام الترويج لهذا المشروع بنفس الدرجة التي يروج بها للكرة, واعتبار الأمر مسألة تحد وجودي شعارها نكون أو لا نكون, ويمكن تنفيذ التوصيات التي يخرج بها المؤتمر بإحدي طريقتين: إما عن طريق الاستهام أو الاعتماد بداية علي التبرعات ثم الاعتماد تدريجيا علي تسويق نتائج البحث العلمي, وأقترح مبدئيا ان يتم إنشاء كيان أهلي نسميه الجمعية الأهلية المصرية للابتكارات والكشوف العلمية, وحتي نضمن ان تتبني كل فئات الشعب هذا المشروع, يجب ان تتولي رئاسة المنظمة الأهلية شخصية لها قبول من كافة فئات الشعب المصري, ولتكن هذه دعوة للحوار حول هذا المشروع.