إن ذكرى نصر أكتوبر المجيد تمر علينا كل عام لتعيد إلى أذهاننا نشوة الانتصار، وتبث فى نفوس الأجيال الجديدة معنى المثابرة وتحقيق المستحيل، وتفسر معنى حب الوطن والتضحية بالنفس والنفيس من أجل الدفاع عن كل حبة تراب فيه، وتثبت قيم الولاء والانتماء، واستقلالية الوطن. سيناء تلك البقعة الطاهرة من أرض مصر روتها دماء الشهداء على مر العصور، شهدت رمالها أعظم البطولات التى سطرها الجيش المصرى ومازالت حتى الآن تسجل البطولات للجيش العظيم، الذى لا يمكن ان يفرط فى حبة رمل واحدة، ولا يمكن ان يترك الاعداء يعبثون باستقرار ومقدرات الشعب المصري. ان الجيش المصرى الذى خاض معركة الكرامة فى السادس من اكتوبر عام 1973، و طهر الارض، واعطى دروسا فى فنون القتال والتكتيكات والمعارك الصغرى التى لا تزال تدرس فى كبريات المعاهد العسكرية، يقدم الآن نموذجا جديدا فى الدفاع عن الوطن من خلال معاركه مع الجماعات الارهابية المسلحة التى اتخذت من سيناء مقرا لها فى محاولة لتهديد الامن القومى المصري. بعد مرور 42 عاما من نصر اكتوبر المجيد حققت القوات المسلحة المصرية نصرا جديدا ضد العناصر الضالة فى سيناء فى عملية "حق الشهيد" التى حققت اهدافها على الارض، كما ان عملية حق الشهيد تعد اضخم عملية عسكرية بعد حرب اكتوبر المجيدة . فقد تشابهت الظروف بين حرب اكتوبر المجيدة والعمليات العسكرية التى تتم فى سيناء حاليا، فقبل عام 73 كانت مصر تمر بظروف عصيبة نتيجة نكسة عام67، وكانت العديد من دول العالم تقف بجانب اسرائيل فى محاولة لبسط نفوذها على المنطقة، كما حاولت بعض الدول الكبرى الضغط على مصر تسليحيا من اجل عدم خوضها معركة شاملة ضد اسرائيل تعيد الكرامة والعزة والارض مرة اخرى. وبالنسبة للعمليات العسكرية التى تنفذ فى سيناء حاليا، فقد مرت مصر بنفس الظروف فقد خرجت الدولة بعد ثورة 25 يناير منهكة وخلال حكم الإخوان الإرهابيين لمصر،و كان هناك حالة من الانفلات الأمنى استطاعت خلالة تلك الجماعات ان تأخذ من سيناء مقرا لها، كما تم تهريب كميات ضخمة من الاسلحة الى تلك المجموعات الضالة أسهم فيها أنصار الجماعة الارهابية وانصارهم فى غزة عبر الأنفاق التى تم تشييدها على الحدود، فى الوقت الذى سعت فيه بعض الدول الى وقف تسليح الجيش المصرى بعد ثورة 30 يونيو فى محاولة للضغط على الدولة المصرية وتقويض قدرتها فى مواجهة الارهاب المنظم فى سيناء، والذى شاركت فيه قوى لدعم تلك الجماعات الضالة. كما تشابهت المعركتان فى الفترة التى تسبقهما حيث بدأت حرب الاستنزاف بين مصر واسرائيل فى عام 1970 حققت خلالها القوات المسلحة المصرية بطولات حقيقية اذهلت العالم ومهدت الطريق لنصر اكتوبر المجيد، وايضا خلال فترة وجود الارهاب على ارض سيناء استمرت الحرب الاستنزافية للارهاب لمدة 3 سنوات حتى عملية "حق الشهيد"، فبدأت القوات مسلحة فى تطهير سيناء وتنفيذ عمليات ضد العناصر الارهابية وكبدتهم العديد من الخسائر وقطعت عنهم الامدادات للتمهيد لتحقيق النصر ، وهو ما تم فى المرحلة الاولى من تلك العملية العسكرية الكبرى. خلال حرب اكتوبر المجيدة كان هناك دعم عربى خلف القيادة المصرية مشاركة عسكرية من قبل بعض الدول للمشاركة فى النصر، وايضا قبل واثناء العملية العسكرية الشاملة فى سيناء، كان هناك دعم عربى قوى للجيش المصرى لتطهير الارض المصرية من الارهاب والجماعات الارهابية . والاختلاف الوحيد بين المعركتين انها كانت حربا شاملة ضد جيش نظامى وهو الجيش الاسرائيلى، اما العملية الحالية فيخوضها الجيش المصرى ضد عصابات ارهابية مسلحة تختبئ فى الجبال والسهول والوديان. إن عناصر التشابه واضحة فالأرض واحدة والجيش المصرى العظيم هو الذى ينفذ تلك العمليات والظروف السياسية واحدة، و النتيجة ايضا واحدة. إن الجيش المصرى العظيم الذى اعطى دروسا فى فنون القتال فى حرب اكتوبر المجيدة، ينفذ الآن دروسا جديدة فى كيفية ان يحارب جيش نظامى مجموعات ارهابية مسلحة ويحقق النصر بأقل خسائر ممكنة. جيش مصر عظيم هو بالفعل الدرع الواقية ليس لمصر وحدها انما للامة العربية، هو القادر على حماية الامن القومى المصرى والعربى، وان يكون حائط الصد المنيع الذى تتكسر عليه احلام الطامعين. إن القوات المسلحة المصرية ستظل هى القاطرة لرفعة شأن مصر وستظل مصنع الرجال والابطال على مر العصور، رجالها لايخشون الا الله، ويدافعون عن تراب الوطن ويقدمون فى سبيلها ارواحهم فلا يمكن ان ننسى انهم اقسموا على التضحية بانفسهم وحياتهم فى سبيل حماية الوطن منذ نعومة أظفارهم، فتحية لهم فى ذكرى نصرهم الذى يتزامن مع نصر جديد لهم على نفس الارض وهى سيناء. جولدا مائير: فى كتاب لها بعنوان "حياتي"، قالت جولدا مائير رئيسة وزراء إسرائيل خلال حرب أكتوبر: "إن المصريين عبروا القناة وضربوا بشدة قواتنا فى سيناء وتوغل السوريون فى العمق على مرتفعات الجولان وتكبدنا خسائر جسيمة على الجبهتين وكان السؤال المؤلم فى ذلك الوقت هو ما إذا كنا نطلع الأمة على حقيقة الموقف السيئ أم لا، الكتابة عن حرب يوم الغفران لا يجب أن تكون كتقرير عسكرى بل ككارثة قريبة أو كابوس مروع قاسيت منه أنا نفسى وسوف يلازمنى مدى الحياة". موشى ديان: كانت حرب أكتوبر بمثابة زلزال تعرضت له إسرائيل وإن ما حدث فى هذه الحرب قد أزال الغبار عن العيون، وأظهر لنا ما لم نكن نراه قبلها وأدى كل ذلك إلى تغيير عقلية القادة الإسرائيليين. إن الحرب قد أظهرت أننا لسنا أقوى من المصريين وأن هالة التفوق والمبدأ السياسى والعسكرى القائل بان إسرائيل أقوى من العرب وأن الهزيمة ستلحق بهم إذا اجترأوا على بدء الحرب هذا المبدأ لم يثبت، لقد كانت لى نظرية هى أن إقامة الجسور ستستغرق منهم طوال الليل وأننا نستطيع منع هذا بمدرعاتنا ولكن تبين لنا أن منعهم ليس مسألة سهلة وقد كلفنا جهدنا لإرسال الدبابات إلى جبهة القتال ثمنا غاليا جدا، فنحن لم نتوقع ذلك مطلقا". أهارون ياريف:
مدير المخابرات الإسرائيلية الأسبق فى ندوة عن حرب أكتوبر بالقدس فى 16 سبتمبر 1974، قال أهارون ياريف: "لا شك أن العرب قد خرجوا من الحرب منتصرين بينما نحن من ناحية الصورة والإحساس قد خرجنا ممزقين وضعفاء، وحينما سئل السادات هل انتصرت فى الحرب أجاب انظروا إلى ما يجرى فى إسرائيل بعد الحرب وأنتم تعرفون الإجابة على هذا السؤال".