حيل وألاعيب يستخدمها المشكك في نشر الشبهات، فيديو جديد لوحدة بيان في الأزهر    مصر تتعاقد على شراء 7 قطارات نوم قادمة من إسبانيا    قرار عاجل من محافظ الإسكندرية بشأن غرامات الذبح في عيد الأضحى (تفاصيل)    إسرائيل تنشر صورة الصحفي المصري محمد شبانة وتصفه بقائد مقاومة فى رفح    تقرير: جهود زيلينسكي الدبلوماسية تتلقى ضربة مزدوجة قبل قمة سويسرا    السيسي يتلقى اتصالا من الرئيس الأمريكي لبحث تطورات الأوضاع في قطاع غزة    نصرالله: على إسرائيل أن تنتظر من المقاومة في لبنان المفاجآت    بعد تعرضه لكسر في الوجه، أسامة جلال يظهر بالقناع في تدريبات بيراميدز    نهائي دوري أبطال أفريقيا، تفوق الأهلي على الترجي في مباريات الإياب    مباشر سلة BAL - الأهلي (0)-(0) الفتح الرباطي.. بداية اللقاء في المرحلة الترتيبية    مفاجأة، جنى دفنت مكان ملك فى حادث معدية أبو غالب    أحمد مجاهد رئيسا للجنة الندوات بالمهرجان القومي للمسرح    أعضاء القافلة الدعوية بالفيوم يؤكدون: أعمال الحج مبنية على حسن الاتباع وعلى الحاج أن يتعلم أحكامه قبل السفر    الأعراض الرئيسية لمرض السكري لدى الأطفال والمراهقين    متصلة: أنا متزوجة وعملت ذنب كبير.. رد مفاجئ من أمين الفتوى (فيديو)    «العمل» تكشف تفاصيل توفير وظائف زراعية للمصريين باليونان وقبرص دون وسطاء    منتخب مصر للساق الواحدة: تعرضنا لظلم تحكيمي ونقاتل للتأهل لكأس العالم    الأمم المتحدة تحذر من انتشار اليأس والجوع بشكل كبير فى غزة    الترقب لعيد الأضحى المبارك: البحث عن الأيام المتبقية    لاتفيا وفنلندا: سنتابع بهدوء وعن كثب خطط الحدود البحرية الروسية    بعد جائزة «كان».. طارق الشناوي يوجه رسالة لأسرة فيلم «رفعت عيني للسما»    بعد تلقيه الكيماوي.. محمد عبده يوجه رسالة لجمهوره    بسبب فستان.. القصة الكاملة ل أزمة ياسين صبري ومصمم أزياء سعودي (صور)    لمدة 4 ساعات.. قطع المياه عن هضبة الأهرام بالجيزة اليوم    سكرتير عام البحر الأحمر يتفقد حلقة السمك بالميناء ومجمع خدمات الدهار    تحديث بيانات منتسبي جامعة الإسكندرية (صور)    «الرعاية الصحية» تشارك بمحاضرات علمية بالتعاون مع دول عربية ودول حوض البحر المتوسط (تفاصيل)    قوافل جامعة المنوفية تفحص 1153 مريضا بقريتي شرانيس ومنيل جويدة    فيلم "شقو" يواصل الحفاظ على تصدره المركز الثاني في شباك التذاكر    مبابي يختتم مسيرته مع باريس سان جيرمان في نهائي كأس فرنسا    المفتي يرد على مزاعم عدم وجود شواهد أثرية تؤكد وجود الرسل    متي يحل علينا وقفة عرفات وعيد الأضحى 2024؟    التعليم العالي: جهود مكثفة لتقديم تدريبات عملية لطلاب الجامعات بالمراكز البحثية    أوقاف القليوبية تنظم قافلة دعوية كبرى وأخرى للواعظات بالخانكة    محافظ أسيوط يتابع مستجدات ملف التصالح في مخالفات البناء    التنمية الصناعية تبحث مطالب مستثمري العاشر من رمضان    أبرزها قانون المنشآت الصحية.. تعرف على ما ناقشه «النواب» خلال أسبوع    الرئيس البرازيلي: منخرطون في جهود إطلاق سراح المحتجزين بغزة    عائشة بن أحمد تكشف سبب هروبها من الزواج    مدير جمعية الإغاثة الطبية بغزة: لا توجد مستشفيات تعمل فى شمال القطاع    اكتشاف فيروس إنفلونزا الطيور H5N1 في الأبقار.. تحذيرات وتحديات    الشرطة الإسبانية تعلن جنسيات ضحايا حادث انهيار مبنى في مايوركا    الإفتاء: الترجي والحلف بالنبي وآل البيت والكعبة جائز شرعًا في هذه الحالة    وزير الري: إفريقيا قدمت رؤية مشتركة لتحقيق مستقبل آمن للمياه    أول جمعة بعد الإعدادية.. الحياة تدب في شواطئ عروس البحر المتوسط- صور    بالأسماء.. إصابة 10 عمال في حريق مطعم بالشرقية    "العد التنازلي".. تاريخ عيد الاضحي 2024 في السعودية وموعد يوم عرفة 1445    أبرزها التشكيك في الأديان.. «الأزهر العالمي للفلك» و«الثقافي القبطي» يناقشان مجموعة من القضايا    11 مليون جنيه.. الأمن يضبط مرتكبي جرائم الاتجار بالنقد الأجنبي    الأكاديمية العسكرية المصرية تنظم زيارة لطلبة الكلية البحرية لمستشفى أهل مصر لعلاج الحروق    رئيس الأركان يتفقد أحد الأنشطة التدريبية بالقوات البحرية    الإسكان: تشغيل 50 كم من مشروع ازدواج طريق «سيوة / مطروح» بطول 300 كم    النشرة المرورية.. سيولة فى حركة السيارات على محاور القاهرة والجيزة    «دولارات الكونفيدرالية» طوق نجاة الزمالك    5 نصائح للتعامل مع منخفض جوي يضرب البلاد الأيام المقبلة.. تحذير من ظاهرة جوية    حظك اليوم برج العقرب 24_5_2024 مهنيا وعاطفيا..تصل لمناصب عليا    مدرب الزمالك السابق.. يكشف نقاط القوة والضعف لدى الأهلي والترجي التونسي قبل نهائي دوري أبطال إفريقيا    عادل عقل يكشف صحة هدف الزمالك وجدل ركلة الجزاء أمام فيوتشر    







شكرا على الإبلاغ!
سيتم حجب هذه الصورة تلقائيا عندما يتم الإبلاغ عنها من طرف عدة أشخاص.



«خريطة سوريا».. من لورانس العرب إلى حدود الدم!
نشر في الأهرام اليومي يوم 25 - 09 - 2015

مظهره يبدو متأنقا.. شهاب يتدثر بالخرائط والآثار.. حديثه يبهر الشيوخ ويهز الرؤوس بالإعجاب بين الشباب .. نجم متلألئ في صحراء جرداء إلا من حبات الرمال والحكايات التى جرفها معه ليحتال عليهم بالزيف والمراوغة ..
وبأغزر ما كتب عن الجواسيس السابقين واللاحقين .. وعن الثورة العربية و«دمشق» كانت تراوده في أحلامه .. وأطلق عليها اسم « حديقة الأشجار الفاتنة» .. غامر من أجلها في غمرة جو مشحون بالصراع والاقتتال لكنه كان يعتقد أنها تستحق النضال .. فهي مدينة لا يجرؤ المرء على إعطائها ظهره وهو لم يفعل .. لم يسكنها ولكنها سكنته .. ينتمي في عشقه لمروجها وحدائقها ورائحة الياسمين التي تعرش على الأصابع لكل عشاقها المشاهير الكبار الذين وقعوا في غرامها وإن سبقهم تاريخياً واختلف عنهم عرقياً، هي دمشق وهو لورانس العرب .. استطاع أن ينقذ فيصل الأول ملك سوريا.. لكنه فشل في إنقاذها من براثن الفرنسيين .. كانت عقليته الفذة وثقافته الثرية وإجادته الغات المتعددة من أسباب اختراقه النفسية العربية في جزيرة العرب .. قال عنه تشرشل: «لن يظهر له مثيل مهما كانت الحاجة ماسة إليه ».
.............................................................................
بعباءته البيضاء المذهبة كان يسترجع تاريخ حياته في صحراء الأردن وأغرورقت عيناه بالدموع وهو يتذكر قصة حياته ومولده في أغسطس 1888 ابناً غير شرعىً لتوماس روبرت من مربية بناته الأربع من زوجته الأولى .. وكيف غير اسم عائلته فيما بعد .. والتحق بجامعة أكسفورد وسجل اكتشافات عديدة ولفت إليه الأنظار .. فتعهده ديفيد هوجارث بالعناية .. « ضابط المخابرات البريطاني المتخصص في شئون الشرق الأوسط» استشعر جهاز MI6 المسئول عن الاستخبارات الخارجية قدراته واكتشافاته وولعه بالتنقيب عن الآثار .. فكان قرار سفره للتنقيب عن الآثار في وادي الفرات لدراسة المنطقة ورصدها .. وجمع المعلومات الدقيقة عنها طبوغرافيا وبلغ من نشاطه الحد الذي جعل الأتراك يرتابون في أمره .. أتقن العربية بلهجة أهل حلب .. عهد إليه القيام بوضع بعض الخرائط المتعلقة بشبه جزيرة سيناء بعد توغله متخفياً .. انخرط رسمياً في المخابرات البريطانية عام 1914 ونقل من قسم الخرائط إلى دائرة المخابرات السرية التي كانت تتمحور غالباً حول المناطق التي يحتلها الأتراك .. أثقلته الحياة بتجاربها وحياته الخاصة بشجونها .. وبين الضاغطين ظهرت حكمته وأسلوبه الخاص في التجسس ورصد التجربة بصورة آنية لم تكن عقليته تحتفظ بالأشياء لتراكمها .. لكنه كان يؤمن بإن عدم وجود عقب قلم صغير من الرصاص وقصاصة ورق قد يفوت فرصة لا تعوض لتسجيل أفكار كبيرة وإن مزقها مرة أخرى لاحترافه المخابراتي .. حصن قلعتك من الداخل وصناعة الأفكار أخطر من البارود .. إذا رأيت ثعبانا فلا تنشغل من أين جاء .. قبل الذهاب تأكد أنك تستطيع العودة .. كلها أساليب عمل وفقاً لها وجرف أبناء الجزيرة العربية لتشربها، قال عن الحركة العربية: « كنت أؤمن بها إيماناً عميقاً وكنت واثقاً قبل أن أحضر إلى الحجاز أنها هي الفكرة التي ستمزق تركيا غير أن البعض في مصر كان ينقصهم مثل هذا الإيمان « قال عن جنود الأمير فيصل الأول : «لم يكن في الإمكان أن يكون هناك رجال اصلب منهم عوداً فهم يقطعون المسافات الخيالية على ظهور مطاياهم ويسيرون حفاة الأقدام على الرمال المحرقة والصخور الحادة أياماً وأياما ويتسلقون التلال كالماعز .. كنا نسخر في السابق من حب الشرقيين للمرتبات والمال ، غير أن حملة الحجاز كانت برهاناً على خطأ نظرتنا .. إذ أن الأتراك كانوا يقدمون الرشاوي الطائلة ليحصلوا على خدمات لا تذكر وكانت العشائر تقبل على عطاء الأتراك وتجازيه بشكر اللسان لتتصل بفيصل وتقاتل في صفوفه لقاء دريهمات قليلة معدودة .. كان الأتراك يذبحون أسراهم ذبح النعاج بينما كان فيصل يعطي جائزة مالية قدرها جنيه واحد لكل من يعود بأسيره سالماً ومع ذلك كان رجال العشائر يصلحون للدفاع فقط وتهورهم جعلهم بارعين في نسف خطوط السكك الحديدية» .. ويشهد أنهم لم يكونوا يحاربون وفقاً لخططهم وأساليبهم الأوروبية غير أن قتالهم لم يكن أقل من قتالهم ضراوة وعزماً .. وفي مقاطع متوالية في كتابه الشهير « أعمدة الحكمة السبعة « والذي أعده تشرشل من أفضل الكتب التي قرأها في حياته .. تتكرر مشاهد بانورامية بكل مغامراتها وثغراتها عن قصته مع الشرق .. وكيف عاش في الجزيرة العربية كرجل حكيم يتعلم من الورع والغشاش والمجرم والشحاذ .. كان ذكاؤه من الذكاء المصقول الذي يبهر البدوي العائش على الفطرة والطبيعة .. ينتشل نفسه من كل الكمائن .. يهوى المشي بالأيام .. يتصبب منه العرق .. يعيش دون طعام أو شراب .. يأخذ نفسه بالشدة – لمدة ثمانية أسابيع في شظف وجوع – ليجدد ذاته في الحلم بتحقيق ثورة عربية تطيح بإمبراطورية عثمانية عتيقة استمرت قرونا .. كان يحفظ المواقع التركية عن ظهر قلب .. التقى بالشريف حسين أمير مكة وبالأميرين علي وعبد الله .. لكنه لم يجد نفسه إلا في شخصية الأمير فيصل الأول نجل الشريف حسين – عمل مستشاراً له .. وكان سنداً وعوناً له في استخلاص المدينة المنورة من الأتراك .. استقطب الشيوخ والعشائر .. وأقنعهم بتفجير خطوط السكك الحديدية وزرع الألغام وسلح جيش الأمير ونقل قاعدته إلى العقبة حتى يكون بجوار اللنبى .. تمهيداً لإخلاء فلسطين من أهلها وبالفعل احتل اللنبى القدس .. من الدروس المستفادة من قراءة تاريخ هذا اللورانس الذي تناوب بعده العشرات الذين لم يفصح التاريخ عنهم خاصة بعد الربيع العربى المأزوم .. يمكننا أن نقرأ .. طريقة وأسلوب تحليلهم وتفكيكهم للشخصية العربية والمنطقة على هذا الأساس في عام 1916 كتب في أحد التقارير السرية للمخابرات البريطانية : « تفتيت الوحدة العربية الإسلامية ودحر الإمبراطورية العثمانية وتدميرها هو الهدف .. وإذا عرفنا كيف نعامل العرب وهم الأقل وعياً للاستقرار من الأتراك فسيبقون في دوامة من الفوضى السياسية داخل دويلات صغيرة حاقدة ومتنافرة غير قابلة للتماسك، إلا أنها على استعداد دائم لتشكيل نواة موحدة ضد أية قوة خارجية وكان «ماكس نوردو» قد أشار إلى إمكانية استغلال الحركة القومية العربية لضرب العرب أنفسهم بحكام الدولة العثمانية والقضاء على الاثنين معاً في فلسطين «حتى يدخلها اليهود فارغة من السكان .. سياسة تتبع المثل الفرنسي الذى اتخذ منهاجا» إذا أردت قتل كلب .. قل إنه مصاب بمرض الكلب «وهذا ما ذهبت إليه القوى الاستعمارية على مدار تاريخها إذا أرادت أن تسقط نظاماً اخترقت قلاعه في العصور القديمة وفي عصورنا الحديثة تخترق إعلامه ليعزف الاسطوانة المنشودة التي تملي عليه .. وهو ما تفعله أمريكا الآن باقتدار من خلال شيطنة الأنظمة وتغييب الوعي.. والتدخل في شئون الدول لدواعي إنسانية بحجة المناداة ومراعاة لحقوقهم الديمقراطية.
خرائط سايكس بيكو والجماهير غير المتجانسة
برهن عالم الاجتماع الكبير جوستاف لوبون على أن نفسية الإنسان حين ينخرط وسط الجماهير تختلف عن نفسيته كفرد .. وأن الذكاء الفردي يكاد يكون معطلاً حين ينخرط الإنسان في الجماعة .. حينها تنطلق العواطف اللاواعية وتختلف التركيبة الذهنية الموروثة للبشر فيما يتعلق بالإحساس والتفكير وتتجلى للعيان إذا توافرت بعض الظروف النادرة جداً .. فالجمهور الأمريكي على سبيل المثال يعلي من قيمة المبادرة الخاصة فيما يفضل الجمهور الفرنسي فكرة المساواة بشكل خاص عما سواها ويتعلق الإنجليز بالحرية اعتزازا وتقديرا وهكذا تهيمن روح العرق على روح الجمهور وتكون خصائص الجماهير أقل حدة كلما كانت روح العرق أكثر قوة، وهذا الحديث يأخذنا إلى خرائط سايكس بيكو واتفاقية عام ا1916 الخاصة بتقسيم الإمبراطورية العثمانية والحجج الآنية لتفتيت البشر وفقاً لمذاهبهم وأعراقهم واديانهم.
كانت خرائط التقسيمات تتبع مسارات جغرافية تم التوافق عليها سلفا وبمجرداندلاع الحرب العالمية الأولى حاولت كل الدول الكبرى توسيع مصالحها ونفوذها وسيطرتها على المواقع الاستراتيجية .. وانتهت الثورة العربية بتنصيب «فيصل الأول « ملكاً على العراق والأمير» عبد الله «ملكاً على إمارة شرق الأردن .. وبدأت سطوة الجغرافيا تفرض سيطرتها على منطقة اعتادت ان يهيمن عليها تاريخها .. فى البدء كانت خريطة الإمبراطورية العثمانية بتقسيماتها السياسية التى لم تراع إلا مصالحها .. ثم جاءت سايكس بيكو عام 1916 لتضع المنطقة فى منعطف جديد .. ولتكشف النقاب عن وجه لورانس الصهيونى صديق مارك سايكس البريطانى ..و تشاء الأقدار أن يوثق» كريستوفر سايكس «هوية والده وصديقه وولائهما الصهيونى فى مذكراته التى كتبها عام 1953 يذكر ان كاهن الأبرشية الإنجليزية احتج على فكرة إنشاء وطن قومى لليهود بموجب وعد بلفور فى نوفمبر 1917 فكتب لورانس إليه معنفاً «من الأفضل لك أن تفعل شيئاً آخر غير الاحتجاج لكنك لا تصلح حتى لتنظيف حذاء وايزمن».
بعد دعم لورانس للصهيونية فى أغلى ما تملك «وعد بلفور» .. وصل لذروة نجاحه وبدء منحنى الصعود فى الهبوط تدريجياً .. كشفت مذكراته عن معاناته من بعض العوارض النفسية ورصد بعض المحللين ما يشبه اصابته بشئ من «الساديزم» وظلت خيانته للعرب خنجراً فى أضلعه لا يستطيع نزعه أو التعايش معه ففكر فى الالتحاق بسلاح الجو الملكى البريطانى.
وطلب منه ترجمة الأوديسة لهوميروس .. ونجح فى تصميم قوارب بخارية للانقاذ البحرى لكن الانهيار العصبى كان له بالمرصاد .. وأصيب بضعف عام فى قواه وبينما كان يقود دراجته البخارية أصيب فى حادث طريق مشكوك فى قضائه وقدره كما يحدث دائماً مع عملاء الاستخبارات..تاركا قصته غنية ستتلقفها السينما الامريكية عام 1962 فى فيلم يحمل اسمه ورسمه بطولة بيتر اوتول وعمر الشريف ليتحول الى أيقونة تذكر العرب بخطورة الجواسيس وتحذرهم من نعومة أساليبهم من برنارد لويس مروراً برالف بيترز إلى داعش
أطلق عليه «سياف الشرق الأوسط» ينتمى روحياً للمدرسة اليهودية فى التفكير السياسى ولعله كان يستلهم من مقولة بن جوريون أيقونة لإشعال الصراعات : «سوف تعمل إسرائيل على صناعة أعداء لنفسها بنفسها إذا لم يكن لها أى أعداء» وعلى خطى هنرى كيسنجر يسير الركب لا يلوى على شئ «سياسة أمريكا بعيدة المدى قائمة على عدم حل المشاكل الدولية والصراعات بل إلقاء هذه المشاكل ومحاولة الاستفادة منها فى إشعال الصراعات إلى أبعد الحدود .. مع مراعاة عدم خروجها عن حدود السيطرة !!» وآه من كيدك وتدبيرك أيها الثعلب العجوزالمستمر الى الآن .
أفاض بريجينسكى مستشار الأمن القومى فى عهد كارتر بمكنون سياسة بلاد العم سام «تغيير الشرق الأوسط مهمة أكثر تعقيداً من ترميم أوروبا بعد الحربين العالميين .. وفيما بعد طور مقولاته بحثاً عن السؤال المحورى : هيمنة عالمية أم قيادة عالمية؟ وأفاض فى التنبؤات وجاءت معظمها لصالحه : «التكنولوجيا ستسمح للدول الكبرى باستخدام أسلحة غير مرئية لا يعرفها إلا القليلون .. ونحن نمتلك وسائل للتأثير على الطقس ويمكننا إحداث أعاصير أو جفاف .. ويمكننا دائماً التأثير على أعدائنا للقبول بشروطنا».
إنها رقعة الشطرنج التى برع جين شارب فى تحريكها فى قنابل فكرية تتحول إلى ثورات من صربيا .. لأوكرانيا للربيع العربى.
خرائط برنارد لويس لتقسيم الدول وفقاً لأسس عرقية ومذهبية وإثنية .. تقرأ فى ضوء الحركة الاستعمارية الجديدة لمصادر الطاقة النظيفة (الغاز) طاقة القرن الحادى والعشرين .. وخريطة الغاز فى المنطقة تسير من الأعلى للأسفل من روسيا الى تركمانستان وأذربيجان وايران .. مروراً بجورجيا وسوريا ولبنان وقطر ومصر .. صراع جديد تخطى خرائط برنارد لويس لتقسيم العراق لسنى وشيعى وكردى بينما تقع سوريا فى مرمى النيران بين مطرقة القوى الأوروبية وسندان نظام الأسد الديكتاتورى المستبد .. بين مشروع» نابوكو» الأمريكى للسيطرة على غاز البحر الأسود ومركزه فى آسيا الوسطى وتركيا وبين المشروع الروسى المسمى «السيل الشمالى والجنوبى» عبر بحر البلطيق والبحر الأسود أيضاً .. فى مسار سيتصادم حتماً مع المصالح الأمريكية .. ويأتى مشروع الغاز الإيرانى لنقل الغاز عبر العراق ثم إلى سوريا .. إضافة لحقل الغاز الأكبر الذى أعلن عنه فى سوريا فى عام 2011 والذى يبشر بثورة غنية من الطاقة لتصبح سوريا هى مفتاح الصراع فى الشرق الأوسط.
مقال الأمريكى رالف بيترز الشهير بوضع حدود جديدة معاتباً الإدارة الأمريكية بأنها ضيعت الفرصة الذهبية للتقسيم بعد غزو العراق .. وخرائط بيترز التى تبرز على الساحة سافرة تدعو لتقسيم السعودية إلى خمس دول وتحويل مكة والمدينة إلى دولة دينية لها مجلس يشبه الفاتيكان ممثلاً لكل الطوائف الإسلامية .. من هنا قد نفهم أسباب مهاجمة آل سعود وانتقاد التصميم المعمارى لتطوير الحرم المكى فى كبريات الصحف الأمريكية.
أسوء أزمة لاجئين فى العالم
وفقاً لإحصائيات الأمم المتحدة وتقارير الأخبار والمراسلين وضع موقع Statista الشهير بالإحصاءات العالمية .. آخر إحصائية عن اللاجئين السوريين منذ أيام مقارنة باللاجئين فى كل العالم وكانت نتائجها 4 ملايين لاجئ سورى وهو الرقم الأعلى فى تاريخ اللاجئين منذ عام 1999 حيث سجل لائجون الشيشان رقم 325 ألفا عام 2000 وهو الأقل .. أخر إحصاء لسوريا فى 2015 سجل ما يقرب من 23.166 مليونا .. ورصد نفس الموقع التركيبة العمرية للاجئين (%51 تحت سن 18 سنة و39 % تحت سن 11 سنة) ويستقر العدد الأكبر فى لبنان مقارنة بعدد السكان 1.1 مليون سورى ما يعادل خمس عدد سكانها .. الأمر الذى يجعل لبنان أكبر معقل للاجئين فى العالم .. الإحصاءات الرسمية تقدرهم بأربعة ملايين سورى فيما يوجد 16 مليونا يحتاجون المساعدة داخل وخارج سوريا.
صرح أوباما أن أمريكا سيكون نصيبها 10 آلاف لاجئ .. وهو عدد غير مناسب مقارنة بألمانيا التى يبلغ عدد سكانها ربع عدد سكان الولايات المتحدة ..لتأتى داعش بتصرفاتها الخرقاء .. لتغير خريطة الدم التى طالب بها بيترز وفقاً للعرق والمذهب والأثنية .. إلى دماء طبيعية ترسم الحدود بالدم والنار فى المنطقة العربية.. وفى زمن قياسى تم نزع القناع الحقيقى فى أوروبا لتنتفض محذرة من عواقب التدخل لدواعى إنسانية .. ويصرخ حكماؤها هذه المرة «إنها الجغرافيا .. يا أغبياء»..انتبهوا يا عرب من خرائط ترسم وسوريا تخلى من سكانها .. انتبهوا من خرائط ترسم لتستقر لمدة عقود ..هذا هو عهدنا بالجغرافيا ..اما سحر الشرق الذى اوله دمشق فنقول لها ما قاله الجواهرى :
«دمشق صبراً على البلوى فكم صهرت سبائك الذهب الغالى فما احترقا»


انقر هنا لقراءة الخبر من مصدره.