تعرف على الخطأ الطبي الجسيم وفقا للقانون    "قومي المرأة" ينظم لقاء تعريفيا بمبادرة "معا بالوعي نحميها" بكاتدرائية الأقباط الأرثوذكس    الشوارع غرقت.. كسر خط مياه شرب فى مدينة طور سيناء    انفجار عبوة ناسفة بآلية إسرائيلية وسط جنين    زيزو يكشف متى وقع للأهلي ويحسم الجدل حول قيمة عقده (فيديو)    12 مصابا في حادثين بطريق الواحات والعبور    تعليمات مهمة من " التعليم" لطلاب الثانوية العامة 2025.. تعرف عليها    الشركة المنفذة لحفل "هولوجرام العندليب" في موازين ترد على بيان أسرة المطرب الراحل    مجلس الوزراء: التوجيه بالمتابعة المستمرة لذبح الأضاحي بالمجازر الحكومية    لموظفي العام والخاص.. موعد انتهاء إجازة في عيد الأضحى 2025؟    بسمة على وجوه المسنين    الربان عمر المختار صميدة رئيس حزب المؤتمر:الجمهورية الجديدة سمحت للأحزاب بممارسة دورها الحقيقى    مها الصغير: رفضت فرصة للتمثيل أمام أحمد زكي.. وأستعد لإقامة معرض فني للوحاتي    قوافل ومبادرات صحية تجوب المنوفية في ثاني أيام العيد.. صور    استمرار أعمال التجميل ورفع المخلفات بميادين الإسماعيلية    تقرير: ايران تكشف إحدى أكبر الضربات الاستخباراتية في التاريخ ضد إسرائيل    رئيس الوزراء الباكستاني يهنئ الرئيس السيسي بمناسبة حلول عيد الأضحى المبارك    الصين توافق على تصدير بعض المعادن النادرة قبل المحادثات مع الولايات المتحدة    مصدر بالنقل: الأتوبيس الترددي أصبح واقعًا وعقوبات مرورية رادعة تنتظر المخالفات (خاص)    القاهرة الإخبارية: شرطة الاحتلال تعتدي على المتظاهرين وسط تل أبيب    الحجاج يخلدون رحلتهم الإيمانية في مشاهد مصورة.. سيلفى فى الحرم بين لحظة الخشوع وذاكرة الكاميرا    سبورت: برشلونة يقدم عرضًا لشتيجن مقابل الرحيل هذا الصيف    استعدادات مكثفة لتأمين مركز أسئلة الثانوية الأزهرية في كفر الشيخ    لبنان يحذر مواطنيه من التواصل مع متحدثي الجيش الإسرائيلي بأي شكل    كل عام ومصر بخير    عيّد بصحة.. نصائح مهمة من وزارة الصحة للمواطنين حول أكل الفتة والرقاق    البابا تواضروس يلتقي شباب الإسكندرية بمنتدى كنيسة العذراء بسموحة يوليو المقبل    حركة فتح: مصر تؤدي دورًا محوريًا في القضايا العربية وعلى رأسها القضية الفلسطينية    سلمى صادق واندريا بيكيا وشريف السباعى فى أمسية ثقافية بالأكاديمية المصرية بروما    أحمد موسى: قالوا زيزو مش إمام عاشور ولن يبيع الزمالك.. وفي الآخر مع الأهلي بميامي    إعادة هيكلة قطاع الكرة داخل الزمالك بخطة تطويرية شاملة.. تعرف عليها    فى موسم الرحمة.. مشاهد البر تتصدر مناسك الحج هذا العام.. أبناء يسيرون بوالديهم نحو الجنة بين المشاعر المقدسة.. كراسى متحركة وسواعد حانية.. برّ لا يعرف التعب وأبناء يترجمون معنى الوفاء فى أعظم رحلة إيمانية    مصرع سيدة أسفل عجلات قطار فى البحيرة    هدية العيد    "أكلات العيد".. طريقة تحضير الأرز بالمزالكيا    اللحوم بين الفوائد والمخاطر.. كيف تتجنب الأمراض؟    بعد تخطي إعلان زيزو 40 مليون مشاهدة في 24 ساعة.. الشركة المنفذة تكشف سبب استخدام ال«ai»    ما حكم من صلى باتجاه القبلة خطا؟.. أسامة قابيل يجيب    إعلام إسرائيلي يدعي عثور الجيش على جثة يعتقد أنها ل محمد السنوار    زلزال بقوة 5.2 درجة يضرب اليونان    رونالدو يعلن موقفه من المشاركة في كأس العالم للأندية    مجدي البدوي: تضافر الجهود النقابية المصرية والإفريقية للدفاع عن فلسطين| خاص    الأحوال المدنية: استمرار عمل القوافل الخدمية المتنقلة بالمحافظات| صور    لبنان.. حريق في منطقة البداوي بطرابلس يلتهم 4 حافلات    12 عرضا في قنا مجانا.. قصور الثقافة تطلق عروضها المسرحية بجنوب الصعيد    البابا تواضروس الثاني يعيّن الأنبا ريويس أسقفًا عامًا لإيبارشية ملبورن    عيد الأضحى 2025.. ما حكم اشتراك المضحي مع صاحب العقيقة في ذبيحة واحدة؟    المالية: صرف المرتبات للعاملين بالدولة 18 يونيو المقبل    الصناعة: حجز 1800 قطعة أرض في 20 محافظة إلكترونيا متاح حتى منتصف يونيو    بشرى تتألق بإطلالة صيفية أنيقة في أحدث جلسة تصوير لها| صور    محمد سلماوي: صومعتي تمنحني هدوءا يساعدني على الكتابة    البحيرة.. عيادة متنقلة أمام النادي الاجتماعي بدمنهور لتقديم خدماتها المجانية خلال العيد    شعبة الدواجن تعلن هبوط أسعار الفراخ البيضاء 25% وتؤكد انخفاض الهالك    العيد أحلى بمراكز الشباب.. فعاليات احتفالية في ثاني أيام عيد الأضحى بالشرقية    وزير الزراعة يتابع أعمال لجان المرور على شوادر وأماكن بيع الأضاحي وجهود توعية المواطنين    إجابات النماذج الاسترشادية للصف الثالث الثانوي 2025.. مادة الكيمياء (فيديو)    محمد عبده يشيد ب " هاني فرحات" ويصفه ب "المايسترو المثقف "    معلومات من مصادر غير متوقعة.. حظ برج الدلو اليوم 7 يونيو    







شكرا على الإبلاغ!
سيتم حجب هذه الصورة تلقائيا عندما يتم الإبلاغ عنها من طرف عدة أشخاص.



«خريطة سوريا».. من لورانس العرب إلى حدود الدم!
نشر في الأهرام اليومي يوم 25 - 09 - 2015

مظهره يبدو متأنقا.. شهاب يتدثر بالخرائط والآثار.. حديثه يبهر الشيوخ ويهز الرؤوس بالإعجاب بين الشباب .. نجم متلألئ في صحراء جرداء إلا من حبات الرمال والحكايات التى جرفها معه ليحتال عليهم بالزيف والمراوغة ..
وبأغزر ما كتب عن الجواسيس السابقين واللاحقين .. وعن الثورة العربية و«دمشق» كانت تراوده في أحلامه .. وأطلق عليها اسم « حديقة الأشجار الفاتنة» .. غامر من أجلها في غمرة جو مشحون بالصراع والاقتتال لكنه كان يعتقد أنها تستحق النضال .. فهي مدينة لا يجرؤ المرء على إعطائها ظهره وهو لم يفعل .. لم يسكنها ولكنها سكنته .. ينتمي في عشقه لمروجها وحدائقها ورائحة الياسمين التي تعرش على الأصابع لكل عشاقها المشاهير الكبار الذين وقعوا في غرامها وإن سبقهم تاريخياً واختلف عنهم عرقياً، هي دمشق وهو لورانس العرب .. استطاع أن ينقذ فيصل الأول ملك سوريا.. لكنه فشل في إنقاذها من براثن الفرنسيين .. كانت عقليته الفذة وثقافته الثرية وإجادته الغات المتعددة من أسباب اختراقه النفسية العربية في جزيرة العرب .. قال عنه تشرشل: «لن يظهر له مثيل مهما كانت الحاجة ماسة إليه ».
.............................................................................
بعباءته البيضاء المذهبة كان يسترجع تاريخ حياته في صحراء الأردن وأغرورقت عيناه بالدموع وهو يتذكر قصة حياته ومولده في أغسطس 1888 ابناً غير شرعىً لتوماس روبرت من مربية بناته الأربع من زوجته الأولى .. وكيف غير اسم عائلته فيما بعد .. والتحق بجامعة أكسفورد وسجل اكتشافات عديدة ولفت إليه الأنظار .. فتعهده ديفيد هوجارث بالعناية .. « ضابط المخابرات البريطاني المتخصص في شئون الشرق الأوسط» استشعر جهاز MI6 المسئول عن الاستخبارات الخارجية قدراته واكتشافاته وولعه بالتنقيب عن الآثار .. فكان قرار سفره للتنقيب عن الآثار في وادي الفرات لدراسة المنطقة ورصدها .. وجمع المعلومات الدقيقة عنها طبوغرافيا وبلغ من نشاطه الحد الذي جعل الأتراك يرتابون في أمره .. أتقن العربية بلهجة أهل حلب .. عهد إليه القيام بوضع بعض الخرائط المتعلقة بشبه جزيرة سيناء بعد توغله متخفياً .. انخرط رسمياً في المخابرات البريطانية عام 1914 ونقل من قسم الخرائط إلى دائرة المخابرات السرية التي كانت تتمحور غالباً حول المناطق التي يحتلها الأتراك .. أثقلته الحياة بتجاربها وحياته الخاصة بشجونها .. وبين الضاغطين ظهرت حكمته وأسلوبه الخاص في التجسس ورصد التجربة بصورة آنية لم تكن عقليته تحتفظ بالأشياء لتراكمها .. لكنه كان يؤمن بإن عدم وجود عقب قلم صغير من الرصاص وقصاصة ورق قد يفوت فرصة لا تعوض لتسجيل أفكار كبيرة وإن مزقها مرة أخرى لاحترافه المخابراتي .. حصن قلعتك من الداخل وصناعة الأفكار أخطر من البارود .. إذا رأيت ثعبانا فلا تنشغل من أين جاء .. قبل الذهاب تأكد أنك تستطيع العودة .. كلها أساليب عمل وفقاً لها وجرف أبناء الجزيرة العربية لتشربها، قال عن الحركة العربية: « كنت أؤمن بها إيماناً عميقاً وكنت واثقاً قبل أن أحضر إلى الحجاز أنها هي الفكرة التي ستمزق تركيا غير أن البعض في مصر كان ينقصهم مثل هذا الإيمان « قال عن جنود الأمير فيصل الأول : «لم يكن في الإمكان أن يكون هناك رجال اصلب منهم عوداً فهم يقطعون المسافات الخيالية على ظهور مطاياهم ويسيرون حفاة الأقدام على الرمال المحرقة والصخور الحادة أياماً وأياما ويتسلقون التلال كالماعز .. كنا نسخر في السابق من حب الشرقيين للمرتبات والمال ، غير أن حملة الحجاز كانت برهاناً على خطأ نظرتنا .. إذ أن الأتراك كانوا يقدمون الرشاوي الطائلة ليحصلوا على خدمات لا تذكر وكانت العشائر تقبل على عطاء الأتراك وتجازيه بشكر اللسان لتتصل بفيصل وتقاتل في صفوفه لقاء دريهمات قليلة معدودة .. كان الأتراك يذبحون أسراهم ذبح النعاج بينما كان فيصل يعطي جائزة مالية قدرها جنيه واحد لكل من يعود بأسيره سالماً ومع ذلك كان رجال العشائر يصلحون للدفاع فقط وتهورهم جعلهم بارعين في نسف خطوط السكك الحديدية» .. ويشهد أنهم لم يكونوا يحاربون وفقاً لخططهم وأساليبهم الأوروبية غير أن قتالهم لم يكن أقل من قتالهم ضراوة وعزماً .. وفي مقاطع متوالية في كتابه الشهير « أعمدة الحكمة السبعة « والذي أعده تشرشل من أفضل الكتب التي قرأها في حياته .. تتكرر مشاهد بانورامية بكل مغامراتها وثغراتها عن قصته مع الشرق .. وكيف عاش في الجزيرة العربية كرجل حكيم يتعلم من الورع والغشاش والمجرم والشحاذ .. كان ذكاؤه من الذكاء المصقول الذي يبهر البدوي العائش على الفطرة والطبيعة .. ينتشل نفسه من كل الكمائن .. يهوى المشي بالأيام .. يتصبب منه العرق .. يعيش دون طعام أو شراب .. يأخذ نفسه بالشدة – لمدة ثمانية أسابيع في شظف وجوع – ليجدد ذاته في الحلم بتحقيق ثورة عربية تطيح بإمبراطورية عثمانية عتيقة استمرت قرونا .. كان يحفظ المواقع التركية عن ظهر قلب .. التقى بالشريف حسين أمير مكة وبالأميرين علي وعبد الله .. لكنه لم يجد نفسه إلا في شخصية الأمير فيصل الأول نجل الشريف حسين – عمل مستشاراً له .. وكان سنداً وعوناً له في استخلاص المدينة المنورة من الأتراك .. استقطب الشيوخ والعشائر .. وأقنعهم بتفجير خطوط السكك الحديدية وزرع الألغام وسلح جيش الأمير ونقل قاعدته إلى العقبة حتى يكون بجوار اللنبى .. تمهيداً لإخلاء فلسطين من أهلها وبالفعل احتل اللنبى القدس .. من الدروس المستفادة من قراءة تاريخ هذا اللورانس الذي تناوب بعده العشرات الذين لم يفصح التاريخ عنهم خاصة بعد الربيع العربى المأزوم .. يمكننا أن نقرأ .. طريقة وأسلوب تحليلهم وتفكيكهم للشخصية العربية والمنطقة على هذا الأساس في عام 1916 كتب في أحد التقارير السرية للمخابرات البريطانية : « تفتيت الوحدة العربية الإسلامية ودحر الإمبراطورية العثمانية وتدميرها هو الهدف .. وإذا عرفنا كيف نعامل العرب وهم الأقل وعياً للاستقرار من الأتراك فسيبقون في دوامة من الفوضى السياسية داخل دويلات صغيرة حاقدة ومتنافرة غير قابلة للتماسك، إلا أنها على استعداد دائم لتشكيل نواة موحدة ضد أية قوة خارجية وكان «ماكس نوردو» قد أشار إلى إمكانية استغلال الحركة القومية العربية لضرب العرب أنفسهم بحكام الدولة العثمانية والقضاء على الاثنين معاً في فلسطين «حتى يدخلها اليهود فارغة من السكان .. سياسة تتبع المثل الفرنسي الذى اتخذ منهاجا» إذا أردت قتل كلب .. قل إنه مصاب بمرض الكلب «وهذا ما ذهبت إليه القوى الاستعمارية على مدار تاريخها إذا أرادت أن تسقط نظاماً اخترقت قلاعه في العصور القديمة وفي عصورنا الحديثة تخترق إعلامه ليعزف الاسطوانة المنشودة التي تملي عليه .. وهو ما تفعله أمريكا الآن باقتدار من خلال شيطنة الأنظمة وتغييب الوعي.. والتدخل في شئون الدول لدواعي إنسانية بحجة المناداة ومراعاة لحقوقهم الديمقراطية.
خرائط سايكس بيكو والجماهير غير المتجانسة
برهن عالم الاجتماع الكبير جوستاف لوبون على أن نفسية الإنسان حين ينخرط وسط الجماهير تختلف عن نفسيته كفرد .. وأن الذكاء الفردي يكاد يكون معطلاً حين ينخرط الإنسان في الجماعة .. حينها تنطلق العواطف اللاواعية وتختلف التركيبة الذهنية الموروثة للبشر فيما يتعلق بالإحساس والتفكير وتتجلى للعيان إذا توافرت بعض الظروف النادرة جداً .. فالجمهور الأمريكي على سبيل المثال يعلي من قيمة المبادرة الخاصة فيما يفضل الجمهور الفرنسي فكرة المساواة بشكل خاص عما سواها ويتعلق الإنجليز بالحرية اعتزازا وتقديرا وهكذا تهيمن روح العرق على روح الجمهور وتكون خصائص الجماهير أقل حدة كلما كانت روح العرق أكثر قوة، وهذا الحديث يأخذنا إلى خرائط سايكس بيكو واتفاقية عام ا1916 الخاصة بتقسيم الإمبراطورية العثمانية والحجج الآنية لتفتيت البشر وفقاً لمذاهبهم وأعراقهم واديانهم.
كانت خرائط التقسيمات تتبع مسارات جغرافية تم التوافق عليها سلفا وبمجرداندلاع الحرب العالمية الأولى حاولت كل الدول الكبرى توسيع مصالحها ونفوذها وسيطرتها على المواقع الاستراتيجية .. وانتهت الثورة العربية بتنصيب «فيصل الأول « ملكاً على العراق والأمير» عبد الله «ملكاً على إمارة شرق الأردن .. وبدأت سطوة الجغرافيا تفرض سيطرتها على منطقة اعتادت ان يهيمن عليها تاريخها .. فى البدء كانت خريطة الإمبراطورية العثمانية بتقسيماتها السياسية التى لم تراع إلا مصالحها .. ثم جاءت سايكس بيكو عام 1916 لتضع المنطقة فى منعطف جديد .. ولتكشف النقاب عن وجه لورانس الصهيونى صديق مارك سايكس البريطانى ..و تشاء الأقدار أن يوثق» كريستوفر سايكس «هوية والده وصديقه وولائهما الصهيونى فى مذكراته التى كتبها عام 1953 يذكر ان كاهن الأبرشية الإنجليزية احتج على فكرة إنشاء وطن قومى لليهود بموجب وعد بلفور فى نوفمبر 1917 فكتب لورانس إليه معنفاً «من الأفضل لك أن تفعل شيئاً آخر غير الاحتجاج لكنك لا تصلح حتى لتنظيف حذاء وايزمن».
بعد دعم لورانس للصهيونية فى أغلى ما تملك «وعد بلفور» .. وصل لذروة نجاحه وبدء منحنى الصعود فى الهبوط تدريجياً .. كشفت مذكراته عن معاناته من بعض العوارض النفسية ورصد بعض المحللين ما يشبه اصابته بشئ من «الساديزم» وظلت خيانته للعرب خنجراً فى أضلعه لا يستطيع نزعه أو التعايش معه ففكر فى الالتحاق بسلاح الجو الملكى البريطانى.
وطلب منه ترجمة الأوديسة لهوميروس .. ونجح فى تصميم قوارب بخارية للانقاذ البحرى لكن الانهيار العصبى كان له بالمرصاد .. وأصيب بضعف عام فى قواه وبينما كان يقود دراجته البخارية أصيب فى حادث طريق مشكوك فى قضائه وقدره كما يحدث دائماً مع عملاء الاستخبارات..تاركا قصته غنية ستتلقفها السينما الامريكية عام 1962 فى فيلم يحمل اسمه ورسمه بطولة بيتر اوتول وعمر الشريف ليتحول الى أيقونة تذكر العرب بخطورة الجواسيس وتحذرهم من نعومة أساليبهم من برنارد لويس مروراً برالف بيترز إلى داعش
أطلق عليه «سياف الشرق الأوسط» ينتمى روحياً للمدرسة اليهودية فى التفكير السياسى ولعله كان يستلهم من مقولة بن جوريون أيقونة لإشعال الصراعات : «سوف تعمل إسرائيل على صناعة أعداء لنفسها بنفسها إذا لم يكن لها أى أعداء» وعلى خطى هنرى كيسنجر يسير الركب لا يلوى على شئ «سياسة أمريكا بعيدة المدى قائمة على عدم حل المشاكل الدولية والصراعات بل إلقاء هذه المشاكل ومحاولة الاستفادة منها فى إشعال الصراعات إلى أبعد الحدود .. مع مراعاة عدم خروجها عن حدود السيطرة !!» وآه من كيدك وتدبيرك أيها الثعلب العجوزالمستمر الى الآن .
أفاض بريجينسكى مستشار الأمن القومى فى عهد كارتر بمكنون سياسة بلاد العم سام «تغيير الشرق الأوسط مهمة أكثر تعقيداً من ترميم أوروبا بعد الحربين العالميين .. وفيما بعد طور مقولاته بحثاً عن السؤال المحورى : هيمنة عالمية أم قيادة عالمية؟ وأفاض فى التنبؤات وجاءت معظمها لصالحه : «التكنولوجيا ستسمح للدول الكبرى باستخدام أسلحة غير مرئية لا يعرفها إلا القليلون .. ونحن نمتلك وسائل للتأثير على الطقس ويمكننا إحداث أعاصير أو جفاف .. ويمكننا دائماً التأثير على أعدائنا للقبول بشروطنا».
إنها رقعة الشطرنج التى برع جين شارب فى تحريكها فى قنابل فكرية تتحول إلى ثورات من صربيا .. لأوكرانيا للربيع العربى.
خرائط برنارد لويس لتقسيم الدول وفقاً لأسس عرقية ومذهبية وإثنية .. تقرأ فى ضوء الحركة الاستعمارية الجديدة لمصادر الطاقة النظيفة (الغاز) طاقة القرن الحادى والعشرين .. وخريطة الغاز فى المنطقة تسير من الأعلى للأسفل من روسيا الى تركمانستان وأذربيجان وايران .. مروراً بجورجيا وسوريا ولبنان وقطر ومصر .. صراع جديد تخطى خرائط برنارد لويس لتقسيم العراق لسنى وشيعى وكردى بينما تقع سوريا فى مرمى النيران بين مطرقة القوى الأوروبية وسندان نظام الأسد الديكتاتورى المستبد .. بين مشروع» نابوكو» الأمريكى للسيطرة على غاز البحر الأسود ومركزه فى آسيا الوسطى وتركيا وبين المشروع الروسى المسمى «السيل الشمالى والجنوبى» عبر بحر البلطيق والبحر الأسود أيضاً .. فى مسار سيتصادم حتماً مع المصالح الأمريكية .. ويأتى مشروع الغاز الإيرانى لنقل الغاز عبر العراق ثم إلى سوريا .. إضافة لحقل الغاز الأكبر الذى أعلن عنه فى سوريا فى عام 2011 والذى يبشر بثورة غنية من الطاقة لتصبح سوريا هى مفتاح الصراع فى الشرق الأوسط.
مقال الأمريكى رالف بيترز الشهير بوضع حدود جديدة معاتباً الإدارة الأمريكية بأنها ضيعت الفرصة الذهبية للتقسيم بعد غزو العراق .. وخرائط بيترز التى تبرز على الساحة سافرة تدعو لتقسيم السعودية إلى خمس دول وتحويل مكة والمدينة إلى دولة دينية لها مجلس يشبه الفاتيكان ممثلاً لكل الطوائف الإسلامية .. من هنا قد نفهم أسباب مهاجمة آل سعود وانتقاد التصميم المعمارى لتطوير الحرم المكى فى كبريات الصحف الأمريكية.
أسوء أزمة لاجئين فى العالم
وفقاً لإحصائيات الأمم المتحدة وتقارير الأخبار والمراسلين وضع موقع Statista الشهير بالإحصاءات العالمية .. آخر إحصائية عن اللاجئين السوريين منذ أيام مقارنة باللاجئين فى كل العالم وكانت نتائجها 4 ملايين لاجئ سورى وهو الرقم الأعلى فى تاريخ اللاجئين منذ عام 1999 حيث سجل لائجون الشيشان رقم 325 ألفا عام 2000 وهو الأقل .. أخر إحصاء لسوريا فى 2015 سجل ما يقرب من 23.166 مليونا .. ورصد نفس الموقع التركيبة العمرية للاجئين (%51 تحت سن 18 سنة و39 % تحت سن 11 سنة) ويستقر العدد الأكبر فى لبنان مقارنة بعدد السكان 1.1 مليون سورى ما يعادل خمس عدد سكانها .. الأمر الذى يجعل لبنان أكبر معقل للاجئين فى العالم .. الإحصاءات الرسمية تقدرهم بأربعة ملايين سورى فيما يوجد 16 مليونا يحتاجون المساعدة داخل وخارج سوريا.
صرح أوباما أن أمريكا سيكون نصيبها 10 آلاف لاجئ .. وهو عدد غير مناسب مقارنة بألمانيا التى يبلغ عدد سكانها ربع عدد سكان الولايات المتحدة ..لتأتى داعش بتصرفاتها الخرقاء .. لتغير خريطة الدم التى طالب بها بيترز وفقاً للعرق والمذهب والأثنية .. إلى دماء طبيعية ترسم الحدود بالدم والنار فى المنطقة العربية.. وفى زمن قياسى تم نزع القناع الحقيقى فى أوروبا لتنتفض محذرة من عواقب التدخل لدواعى إنسانية .. ويصرخ حكماؤها هذه المرة «إنها الجغرافيا .. يا أغبياء»..انتبهوا يا عرب من خرائط ترسم وسوريا تخلى من سكانها .. انتبهوا من خرائط ترسم لتستقر لمدة عقود ..هذا هو عهدنا بالجغرافيا ..اما سحر الشرق الذى اوله دمشق فنقول لها ما قاله الجواهرى :
«دمشق صبراً على البلوى فكم صهرت سبائك الذهب الغالى فما احترقا»


انقر هنا لقراءة الخبر من مصدره.