بلغة عربية سلسة وبسيطة بساطة السهل الممتنع، يقدم الأديب الكبير محمد قطب أحدث رواياته «عندما غرد البلبل» الصادرة عن الهيئة العامة للكتاب. والرواية غير تقليدية، فهى لا تقوم على مجموعة من الأحداث المترابطة أو المتصاعدة التى تصل بك الى ذروة التعقيد ثم الحل، بل هى مجموعة من اللوحات هادئة الألوان تتجمع معا لتصنع لنا فى النهاية معرضا تشكيليا متناغما أو رواية متكاملة، وكما فى المعرض التشكيلى لن يضيره اذا غيرت موقع لوحة مكان آخري، كان الأمر كذلك فى الرواية، فبعض فصولها من الممكن أن تتبدل دون أن يحدث خلل فى المضمون. استحوذت البطلة أو كادت على لوحات الرواية، وفيما عداها كانوا أبطالا ثانويين، ربما لتوضيح الصورة، أو لزوم اكتمالها، حتى الزوج نفسه، وهو البطل المقابل لها، لا بجد له حضورا بارزا فى الرواية، فظهر فى الظلال ككومبارس فى الاحداث، او رجل فى الظل تدور عنه الاحداث ولا نراه الا فى البداية حين يتقدم لخطبتها، ثم فى لوحة ثانية ولا يظهر إلا فى لوحة النهاية، ولذلك فقد خلت الرواية من الصراع بين الأبطال، اللهم الا الصراع النفسى بين الزوجة التى تزوجت رغما عنها، فتعيش فى صراع بين حياة مع زوجها المشغول بعمله وسفره، وبين ذكرى قصة حب فاشلة اثناء الجامعة، تركها الحبيب وهاجر للخارج فغاب عنها الانس والالفة، فلا طالت حبيبا ولا طالت زوجا. إلا أن البحر النيل والزهور والطبيعة حاضرة بقوة فى كثير من اللوحات. تناقش الرواية العلاقة الازلية بين الرجل والمرأة، وهل الزواج التقليدى يمكن أن يولد الحب بين الزوجين؟ والخرس الزوجى والبعد الجسدى بينهما، من خلال فتاة تقدم لها صاحب مال وجاه ومنزلة تتمناه الكثيرات، وعندما إعترضت كان رد الأم أن البيوت لا تقوم على الحب، فلو كل واحدة باحت بحبها لهدمت البيوت وضاعت الاطفال. أكان على الأم أن تتعجل الزواج وتجبرها عليه؟ لقد عاشت البطلة حياة مملة فى ظل زوج غائب، وإذا تواجد فهو يسكب برودته فى الاركان وعلى الفراش، وزاد من تباعدهما النفسى عدم الانجاب رغم صلاحيتهما له، فعاشت الحزن والوحدة فلا الزوج موجود تستأنس به ولا الطفل موجود تنشغل به، والوحدة قاسية، والهجر مقتلة للزواج، دون أن تعترف لنفسها أن لها نصيبا فى حالة الهجر الجسدى والنفسى مع زوجها، فهى تعيش تجتر حبا ماضيا وحبيبا هاجرا مهاجرا وتحلم به يقظة او نائمة وتعيش حاضرا يائسا، فهى العطشى التى لم تعرف للبدن ريا. ورغم أن البطلة لم تقع فى شرك لحظة ضعف، إلا ان هناك علامة تعجب من "رجل الصدفة" هذا الذى قابلته 4 مرات مصادفة على البحر وفى رحلة فى النيل وفى حديقة الاورمان وفى فندق للقوات المسلحة! فكيف نرسى على بر الامان، وتعود للروح سكينتها وللجسد هدوءه؟ يجيب المؤلف على لسان البطلة: علينا ان نتعلم كيف نحيا. عليك ان تنظر الى الحياة من منظور مختلف لما درجت عليه. وجاءت اللحظة لترمم حياتها وتبتعد عن الشطط الذى غلبها عندما تعرض زوجها لحادث بلطجة أثناء ثورة 25 يناير فسرقوا سيارته وماله وتليفونه والساعة والحقيبة، وتعرض للخطر، عندها شعرت ان حياته ليست له وحده بل لها ايضا، وكان اهتمامها به مفاجئا له، وقالت لنفسها عليها الا تدع شيئا يحول بينها وبين تحقيق امنيتها فى سعادة كانت ترجوها يوما. وجاءت تغريدات البلبل على شجرة مجاورة عندما التقى الزوجان فى لحظة حب ليبدآ بها حياة جديدة. من الممكن أن تكون القصة القصيرة بدون أسماء أبطال، أما الرواية، فهى المرة الأولى التى أقرأ فيها رواية بلا أسماء للأبطال، فهناك الأم والصديقات والزوج والاب والحبيب كلهم لا أسماء، حتى منتصف الرواية يفاجيء القاريء أن للبطلة إسما (سميرة) يأتى إسمها عرضا مرتين ثم يختفى مرة أخري، وكأنما أراد المؤلف أن يعيش القاريء وكأنه بطل العمل، وأن تعيش القارئة داخل شخصية البطلة، إلا أن عدم وجود أى أسماء للأبطال، كثيرا ما شوش القاريء، ويجعله لا يدرى من هى التى تتكلم أومن هما المتحدثان فى تلك اللوحة أو هذا الفصل؟