أبت آلة الحرب الإسرائيلية وقوات الاحتلال الصهيونى إلا أن تفسد على الشعب الفلسطينى الأعزل فرحته بقرار الأممالمتحدة رفع علم فلسطين على مقرات المنظمة الدولية بجوار أعلام الدول الأعضاء فى انتصار جديد للدبلوماسية الفلسطينية، حتى أدمت قلوبهم كمدا على انتهاكات قطعان المستوطنين وتدنيسهم ساحات المسجد الأقصى المبارك، محاولة المضى فى مخططها لتقسيم الأقصى زمانيا ومكانيا، مستغلة صمت العالم المطبق أمام جرائمها، وحالة الفوضى التى تضرب أطنابها فى العديد من الدول العربية، والتى جعلت القضية الفلسطينية تنحسر وتتراجع أمام ما تشهده بلدان أخرى مثل سوريا والعراق وليبيا واليمن من أحداث. البداية كتبها قرار الأممالمتحدة رفع علم فلسطين خفاقا إلى جوار193 دولة عضوا، ليرفرف العلم الفلسطينى فى وجه علم الكيان المحتل كخطوة أولى رمزية فى طريق حصول فلسطين على العضوية الكاملة، وإحقاق الحقوق الفلسطينية المشروعة، وإنهاء الاحتلال. والقرار الدولى برفع العلم أمام المقرات الرسمية للأمم المتحدة فى نيويوركوجنيف وفيينا حاز على موافقة 119 دولة، ومعارضة 8 دول بينها الولاياتالمتحدة وإسرائيل، وامتناع 45 دولة عن التصويت، ورعت مشروع القرار أكثر من50 دولة من بينها مصر، وينص على قيام الجمعية العامة برفع أعلام الدول غير الأعضاء التى لها صفة المراقب فى مقرها وفى مكاتب الأممالمتحدة، وطالب القرار الأمين العام للأمم المتحدة باتخاذ الإجراءات الضرورية لتنفيذه خلال عشرين يوما من تاريخ اعتماده، وسوف تقام مراسم رفع العلم خلال مشاركة الرئيس الفلسطينى محمود عباس فى الدورة السبعين للجمعية العامة للأمم المتحدة، وسط حضور عربى. والقرار يمثل حلقة نجاح جديدة للدبلوماسية الفلسطينية التى حشدت دعما كبيرا على المستوى الدولى لمصلحة القضية الفلسطينية، والتى اختارت انتزاع الاعتراف بفلسطين دوليا والحصول على حقوق شعبها المشروعة عبر القنوات الدبلوماسية بعد فشل المفاوضات المباشرة مع إسرائيل بسبب تعنتها، سبقها خطوات أخرى بدأت بحصول فلسطين على العضوية الكاملة بمنظمة اليونسكو عام 2011، ثم حصولها على صفة دولة مراقب غير عضو بالأممالمتحدة عام 2012، وانضمامها إلى المحكمة الجنائية الدولية فى لاهاى، ثم عضوا فى "اتفاقيات جنيف" التى ترتكز على نصوص القانون الإنسانى الدولى، خاصة فيما يتعلق بأحكام الصراعات المسلحة، الواقعة تحت الاحتلال، واعتراف 136 دولة بدولة فلسطين آخرها السويد والفاتيكان، بالإضافة إلى اعترافات رمزية من برلمانات أوروبية. ووصف أبو مازن القرار الذى رحبت به الفصائل والقوى الفلسطينية بالخطوة المهمة فى مسيرة القضية الفلسطينية، لكنه أشار إلى ضرورة عدم تضخيمها والمبالغة فيها، بينما اعتبره سياسيون فلسطينيون انتصارا جديدا لعدالة قضيتهم ونضال الشعب الفلسطينى، وهزيمة ساحقة لإسرائيل. وفى الوقت الذى استعد فيه الفلسطينيون للاحتفال بهذا الإنجاز الدبلوماسى، واصلت قوات الاحتلال الصهيونى وقطعان المستوطنين ووزراء فى الحكومة وحاخامات مجازرهم بحق القدس والمسجد الأقصى المبارك وانتهاك حرمته، عندما اقتحموا ساحات الأقصى وقاموا بطرد مجموعات المرابطين من المسجد والاعتداء عليهم، بغية تنفيذ مخطط الحكومة الإسرائيلية بتقسيم الأقصى زمانيا ومكانيا بين المسلمين واليهود من ناحية، وكإجراء عقابى للفلسطينيين على مضيهم فى إحراج إسرائيل وتحديها على المستوى الدولى. وشرعت إسرائيل فى تنفيذ مخططها بالقرار العسكرى الذى أصدره وزير الدفاع موشيه يعالون بمنع هيئة المرابطين والمرابطات من الوجود فى ساحات الأقصى، واعتبارهم تنظيما محظورا، وحظر المسميات المنبثقة عنها كمجموعات تعليم القرآن الكريم والسنة النبوية والعاملة بالأقصى المعروفة بمجالس العلم، وقامت قوات الاحتلال باقتحام المسجد الأقصى ومنعت النساء والرجال دون سن الخمسين، وطالبات المدرسة الشرعية والحراس وموظفى الأوقاف بعدم دخوله، واعتدت على المصلين والمرابطين فى المسجد، مما أدى إلى وقوع إصابات كبيرة، واندلاع حريق فى جنوب الجامع القبلى، وتحطم بواباته التاريخية، ومضت قوات الاحتلال فى استكمال مخططها بتأمين اقتحامات منظمات "الهيكل المزعوم" برفقة وزير الزراعة أورى أرئيل لساحات المسجد الأقصى التى دعت للمشاركة الواسعة لإقامة ما يسمى ب"الصلوات التلمودية" بمناسبة احتفالات اليهود برأس السنة العبرية. وفكرة التقسيم الزمانى والمكانى أخذت تتبلور لدى الساسة الإسرائيليين والزعماء الدينيين خلال فترة الانتخابات الإسرائيلية أوائل العام الحالى، مع صعود تيار اليمين المتطرف بزعامة نيتانياهو مدعوما بالأحزاب الدينية، الذى يسعى لبناء هيكلهم المزعوم على أنقاض الأقصى، وناقشت لجنة الداخلية بالكنيست مشروع قانون يقنن دخول اليهود للمسجد الأقصى وبناء كنيس يهودى بجانب المسجد القبلى، وأوضح أحمد قريع رئيس دائرة شئون القدس أن المخطط الإسرائيلى التهويدى جرى الإفصاح عنه خلال اجتماع الحكومة الإسرائيلية أخيرا، وأن الاحتلال يجد فى ظروف المنطقة فرصة مناسبة لحسم التقسيم المكانى للأقصى وتنفيذ مشروعه، وصولا إلى الهدف الاستراتيجى المتمثل فى السيطرة على كامل المسجد وبناء الهيكل المزعوم مكانه، مما أوجد تيارا قويا فى الأوساط الإسرائيلية يدعو لتقسيم المسجد بين اليهود والمسلمين كما حدث فى الحرم الإبراهيمى الشريف فى مدينة الخليل، وبدأت إسرائيل فعليا فى تقسيم ساحات المسجد الأقصى زمانيا، بالسماح لليهود بأداء ثلاث صلوات فى اليوم بداخله (الأولى بعد صلاة الفجر عند المسلمين، والثانية بعد صلاة الظهر، والثالثة بعد صلاة العصر)، بالإضافة لتحديد ساعات معينة يحظر على المسلمين الدخول إليه نهائيا، ومكانيا بتقسيم ساحاته لبناء الكنيس اليهودى والهيكل، وجاءت الاقتحامات فى الأيام الأخيرة لفرض هذا الواقع الجديد، مستغلة انشغال العرب بقضايا اللاجئين والأزمة السورية واليمنية، حيث تم تفريغ المسجد بالكامل من المسلمين، ولم يُسمح سوى للمسنين والمسنات فوق سن الخمسين بدخوله. والأوضاع فى القدس مرشحة للتصعيد خاصة مع تزامن يوم الغفران اليهودى هذا العام مع احتفال المسلمين بيوم عرفة، حيث يتدفق الآلاف من الفلسطينيين للقدس لأداء صلاة العيد بالمسجد الأقصى، فكيف ستتصرف إسرائيل فى هذا اليوم، كذلك حدد فلسطينيو 48 يوم 27 سبتمبر الحالى يوما للنفير العام للدفاع عن المسجد الأقصى وحمايته من المساعي الإسرائيلية لتقسيمه.