بلغ من أناقة ورق كتابات سندباد مصر الأصيل الدكتور حسين فوزي أنك يمكن أن تشم رائحة برفانه الفاخر وأنت تقرأ أيا من كتبه في أي مجال كتب فيه، فمع هذا الكاتب العالم البديع «الشيك» تشعر بأنه يرتقى بك في رحاب العلوم والفنون، فيجول بك من الشرق إلى الغرب ما بين بلدان وبحار وجبال العالم في سفينة أو طائرة أو سيارة وأنت لا تمل من أن تستزيده حتى تفاجئك الكلمة الأخيرة في آخر صفحة في الكتاب. ولا يمكن ان تقرأ كتابا له دون أن تعود إليه مرة أخرى،وهو عندما يحدثك عن مكان تشعر أنك مع أستاذك الذي قبل أن يكلمك على أنه صديقك بل ويصير مرشدك التاريخي والسياحي معا، فهو يفتح أمامك كل الأبواب السرية والعلنية للمكان والزمان. وهو مع إلمامه باللغات الغربية وثقافتها، إلا أنه يفاجئك بأنه ابن بلد أصيل فتراه «يزنق» كلمات شديدة الشعبية وسط سطور في غاية من الجزالة والرقي اللغوي، فيعطى النص نكهة مصرية خالصة من أجواء باب الشعرية ذلك الحى الذي شهد طفولته. والأكثر روعة وجمالا أنه عندما يحدثك عن مكان ما في رحلاته السندبادية في بلاد العالم، يزيل «بشياكة» الحواجز النفسية والثقافية، فترى معه المكان كجزء من لوحة عظيمة مرسومة على وجه الأرض اسمها الحضارة الإنسانية. ولا أدرى كيف للدكتور حسين فوزي أن يبعث في نفسي أجواء الطمأنينة، كمصري، وهو ينزل بقلمه في ساحات التاريخ بتقلباته وحرائقه ومعاركه، ليسجل فوزي سندباديته التاريخية بالقدرة المذهلة نفسها التى يتنقل بها بين الأماكن الجغرافية، فتراه يرسم خريطة للعصور الفرعونية والإغريقية، إلى الرومانية والقبطية والإسلامية، فيتغير الزمان ومصر لا تتغير، إنها هي هي بأفراحها وأتراحها. لا تملك إلا أن تضحك من حديثه عن الشخصيات، فلا ترى الناس تماثيل من حجر أو سطورا من حبر، بل لحما ودما ومشاعر، مع الإسكندر العاشق لمصر وكليوباترا ابنة بطليموس الزمار والإمبراطور الروماني أدريانوس وكيف سخر منه المصريون وكادوا يميتونه غيظا وهو يراهم يحتفلون في أعيادهم فلا يميز الأسقف المسيحي من كبير الكهنة الوثني!. ثم ترى إثناثيوس فتشعر بالزهو بهذا الشماس الصغير وهو الذي وقف ضد كل العالم ثم يقفز بك إلى مشهد المأمون وهو يغامر بالولوج إلى قلب الهرم الأكبر. كان حسين فوزي جامعة تسير على الأرض فهو عالم بحار يشارك في رحلة علمية خطيرة في ثلاثينيات القرن العشرين «الذي ولد فوزي مع دخوله» فتراه وهو على متن السفينة الملكية المصرية «مباحث» ضمن بعثة علمية فيها علماء بريطانيون على مستوى عال وكان حسين فوزي وزميله عبد الفتاح محمد هما اللذين يحملان الجنسية المصرية بين طاقم العلماء في رحلة هذه السفينة إلى المحيط الهندي. كان الدكتور حسين أيضا، طبيبا وكاتبا صحفيا وإذاعيا مؤسسا لإذاعة متخصصة في الفنون «البرنامج الثاني»وذا ذائقة لا مثيل لها للفنون لاسيما الموسيقى التى ألف فيها أكثر من كتاب، كما كان أول عميد لكلية العلوم جامعة الإسكندرية ومسئولا عن كثير من الهيئات العلمية والثقافية والفنية لعل أشهرها ارتقاؤه منصب رئيس المجمع العلمي ومدير أكاديمية الفنون وداعيا لإنشاء المجلس العلى للفنون والآداب. حسين فوزي يقدم لك تجربة ثقافية إنسانية حية تعيش معك كلما قلبت أوراق كتاب طاف بك الزمان والمكان وعاد بك ليجعلك تشعر كأنك أنت الذي أصبحت السندبادّ!.